تحت عنوان «غريب في الخارج»: إنطلاق المهرجان العالمي للرواية السوداء في باريس

الجسرة الثقافية الالكترونية

*آية الخوالدة

 

انطلقت أمس الاثنين فعاليات الدورة الثامنة عشرة للمهرجان الدولي للرواية السوداء، الذي يقام هذا العام في جنوب فرنسا Frontignan تحت عنوان «غريب في الخارج»، والذي يستمر حتى الثامن والعشرين من الشهر الجاري. 

منذ عام 1998 والمهرجان يجلب انتباه العالم نحو الأدب الأسود المعاصر، وفي كل دورة يتمحور الحديث حول موضوع معين يجمع خمسين مؤلفا للرواية وكاتبا للقصص المصورة، من خلفيات مختلفة، إلى جانب عروض الأفلام والمعارض والحفلات الموسيقية. إلا ان هذه الدورة ستجمع حول الطاولات المستديرة ما يزيد على ستين كاتبا من مختلف بقاع الأرض، من أهمهم ثلاثة روائيين سيوقعون رواياتهم الجديدة على هامش المهرجان وهم: آن بوريل، اوليفية مارتيني وليلان باتيلوت. 

الرواية التي ظهرت في فرنسا في بداية القرن التاسع عشر شهدت تطورا كبيرا من ناحية الكتاب والمتابعين من القراء، حيث أبرزت العديد من الكتاب الجدد، خاصة الكتاب الأجانب، أي الفرنكفونيين، مثل موريس دانتيك، والكاتبة الجزائرية ياسمينا خضرا. وتوج نجاحها عام 1998 عندما تم اطلاق «المهرجان الدولي للرواية السوداء»، الذي يقام سنويا في الفترة ما بين 20 – 29 يونيو/حزيران، حيث يعد المرجع الأهم، الذي يجمع سنويا افضل الأفلام الفرنسية والدولية الموهوبة، بهدف عمل اللقاءات بينهم وإدارة النقاشات الشغوفة في حب هذا المجال في الكتابة، إلى جانب الجمهور والقراء الذين ما زالوا يزدادون بشكل كبير. 

ولا يمكن إنكار فضل الرواية السوداء على أشكال التعابير الأدبية الأخرى كالرسم، السينما، الرسوم المتحركة، الأعمال النحتية، الموسيقى والمسرح، من خلال ما أحدثته من تأثير كبير فيها.

 

نشأة الرواية السوداء في فرنسا

 

تنحدر الرواية السوداء، التي نشأت في فرنسا من ثلاثة أنواع أدبية مختلفة هي الرواية الشعبية، رواية الجرائم والرواية الاجتماعية. «مع العلم أنه لا يجب الخلط بين هذه الرواية والرواية القوطية الإنكليزية لاختلافهما كليا».

وهنا لا بد من التساؤل حول مدى تأثير وسيطرة الأسلوب الأمريكي على الرواية السوداء في فرنسا، الإ ان الإجابة تقودنا إلى شكر الكاتب الفرنسي ليو ماليت، الذي بدأ هذا الجنس الأدبي بكتابه «120 طريقا للمحطة» التي نشرت في فرنسا خلال سنوات الحرب والاحتلال. وهذا لا ينفي وجود كتاب فرنسيين في تلك المرحلة كتبوا الرواية البوليسية أو السوداء حتى الأربعينات، لكنهم كانوا رموزا لتقليد الكتاب الأمريكيين، لا أقل و لا أكثر. 

يذكر أن الرواية السوداء الأمريكية ولدت عام 1930 ضمن نص يدور حول الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ويطرح غالبا ضمن سياق التحري الخاص، بمصاحبة المشاكل المالية. وخلد هذا الأدب الكاتب سام سباد، فيليب مارلو، وكورماك مكارثي. إلى جانب المخرجين الأمريكيين جون هستن، روبيرت مونتغمري وهاورد هوك، الذين قاموا بإشهار تلك الرواية عبر خلق ما يسمى بـ»الفيلم الأسود» الذي يجسد معالم وشخصيات الرواية السوداء. وعندما نأتي لتحليل أول ثلاث روايات سوداء، كتبت بعد الحرب بأقلام فرنسية خالصة، لا بد لنا من ذكر ستيورات وجون اميلا، الذين لم يتبنوا النموذج الأمريكي، إنما طوروه من أجل عرض هموم الفرنسيين وأحزانهم. فرواياتهم تسرد كوابيس الماضي القريب من حرب وعذاب وموت، لكن بعين فرنسية بحتة تذكرنا بالصراعات الاجتماعية والسياسية التي طبعت فرنسا بطابع سيبقى إلى الأبد. وما بين الأدب الطبيعي الذي يعتمد على الواقع في سبيل جعله واضحا للقارئ، وبين الرواية البوليسية التي تعتمد بشكل أساسي على حل الألغاز الغامضة، تقوم الرواية السوداء على الوصل بين عالم الخيال والوهم والواقع الاقتصادي والاجتماعي الأليم عبر القوانين الأخلاقية الأساسية واستغلال الفقراء، وذلك كله يكون بمساعدة خيال القارئ أو بالأحرى الاعتماد عليه كليا. 

من اشهر الروايات السوداء التي ظهرت ما بين عام 1844 – 1890 هي : 

« أسرار باريس» اوغين سو، «البؤساء» فيكتور هيجو، «التحفة الفنية، الحيوان الإنساني» اميل زولا. 

وقد اتصفت جميع شخصيات هذه الروايات بالبعد والجفاء والمصائب والنكبات وحتمية الموت، كما ان الكاتب يقوم فيها على الوصف الدقيق والتوثيقي للحالة الاجتماعية وتحليل مكنونات النص.

 

الرواية السوداء في القرن العشرين

 

لقد تطور أسلوب الكتابة في هذا النوع من الروايات في بدايات القرن العشرين، إذ أصبحت الروايات ضمن إطار التسلسل، ذات أجزاء متباعدة وأحداث متشابكة وشخصيات غامضة، ما يجعل من مهمة الكشف عن هوية القاتل والمجرم مهمة مستحيلة، ويشيع في قلب القارئ نوعا من الإرهاب. 

كرواية «زيغمور» للكاتب ليون سيزي 1959، التي أشاعت في قلوب الباريسيين الرعب، كونهم مهددين بقدوم أسراب من البعوض الحامل لحمى التيفوس. ورواية «الأشباح» للكاتب مارك آلان، التي أثارت القارئ من خلال المغامرات الرائعة التي يقوم بها الشباب السرياليون، إضافة إلى إبداعاتهم وخيالهم الواسع في الشعر الأسود. كما ان من أجمل الروايات التي صدرت آنذاك «شيري بيبي» للكاتب غاستون لورو 1913 وهي تتحدث عن مصير ملحمة جيش دموية ومخيفة للغاية.

 

العصر الذهبي للرواية السوداء

 

شهدت الرواية السوداء فترة نجاح هائلة عرفت بـ»العصر الذهبي»، خلال سنوات الثمانينيات، إذ أنها شهدت المزيد من الروايات التي تميزت وحققت نجاحات كبيرة، كما شهدت ولادة العديد من الكتاب الذين تميزوا بأسلوبهم وطريقة طرحهم للقضايا، حيث كانت إنتاجاتهم المتتابعة تحقق أعلى نسب المبيعات في السوق الأوروبية. وفي هذا الكم الكبير من الروايات السوداء الفرنسية، حاول بعض الكتاب إلغاء الحدود بين الرواية الكلاسيكية والرواية العادية المتوازنة، وقد حاولوا قدر الإمكان إبعادها عن الرواية البوليسية التقليدية، الإ انهم خرجوا بنصوص متميزة طُبعت ضمن مجموعات الأدب العامة، على الرغم من أن اهتماماتهم تنحاز إلى الرواية البوليسية والرواية السوداء، مما يدل على أن الرواية البوليسية تطغى في أغلب الأحيان.

ومن هذه الروايات نذكر رواية «نخب سعادة الغول» للكاتب دانييل بوناك 1985، الذي تلاعب بالكلمات والمواقف ليخلق شخصية الرواية الذي قام بلعب دور كبش الفداء لخدمة جهة مشكوك في أمرها وغير موثوق بها، وكذلك في روايته «الجنية اللعينة» عام 1987 التي نشرت ضمن اللائحة البيضاء التي تصدر عن دار غييمارد للنشر.

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى