تراجع تنظيم «الدولة» في تكريت… انحسار الاسطورة؟

الجسرة الثقافية الالكترونية

المصدر / الراي

بدأت القوات العراقية هجوما شاملا في محافظة صلاح الدين لتحريرها من قبضة تنظيم «الدولة» التي كان استولى عليها في شهر حزيران/ يونيو الماضي بعد الموصل. وحسب التقارير الأولية فقد أبدى التنظيم مقاومة ضعيفة ما مكن القوات المهاجمة من استعادة اراض حيوية، وسط توقعات بتحرير مدينة تكريت نفسها خلال يومين.
ولا يمكن فصل التراجع الذي يعانيه التنظيم في هذه المعركة التي تحمل قيمة معنوية عالية، عما تكبده من خسائر ميدانية بدءا من الحسكة الى شمال العراق خلال الاسابيع الماضية. وهو ما أدى الى انقطاع كثير من خطوط امداده عبر الحدود السورية العراقية بشكل خاص.
ويعتبر مراقبون ان معركة تكريت يمكن ان تشكل نقطة تحول باتجاه استعادة قرابة سبعة آلاف كيلومتر مربع من سيطرة التنظيم، ليبقى من محافظة صلاح الدين فقط قضاء الشرقاط أقصى شمالها الغربي.
ومن المؤكد ان الغارات الجوية التي شنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة طوال نحو سبعة شهور، وان بدت رمزية احيانا، اسهمت في اضعاف التنظيم، الا أن النتائج الواقعية لم تتحقق الا عبر المواجهات المسلحة على الارض، وخاصة عبر هجمات ميليشيات البيشمركة الكردية والحشد الشعبي الشيعية. ولا شك في ان انضمام حاملة الطائرات الفرنسية شارلي ديغول الى الجهد العسكري للتحالف الاسبوع الماضي يشكل اضافة نوعية كان يحتاج اليها.
الا ان ثمة عوامل ينبغي التوقف عندها قبل القفز الى استنتاجات سهلة لمشهد معقد سواء عسكريا او سياسيا، ومنها:
اولا: ان القوات العراقية التي تغلب عليها الطبيعة الميليشياوية واجهت صعوبة كبيرة في الماضي في الاحتفاظ بالسيطرة على الاراضي التي استعادتها من التنظيم، ما سمح بعودة قواته اليها، وبالتالي غلب اسلوب «الكر والفر» او «حرب العصابات» على المواجهة، ما يدعو الى الحذر قبل التفاؤل بتحقق الحسم العسكري في هذه المعركة، خاصة اننا نتحدث هنا عن مساحات شاسعة من الاراضي، يصعب على الجيوش النظامية ان تفرض سيطرة كاملة عليها، وهو ما يمثل امرا اكثر صعوبة بالنسبة للميليشيات.
ثانيا: ان التأثير الضعيف لغارات التحالف الدولي على المركز القوي للتنظيم في الرقة السورية، يسمح له بالحفاظ على وجوده، خاصة مع تمكنه من ادامة شرايين الحياة التي تمده بما يحتاج من مساعدات على الرغم من قرارات مجلس الامن التي تجرم هذا العمل باعتباره دعما للارهاب. وربما يعكس هذا الوضع رغبة امريكية في احتواء التنظيم وليس القضاء عليه، وهو ما يتقاطع مع أجندات اقليمية تستثمر في بقاء التنظيم لاعادة رسم الخارطة السياسية والاستراتيجية للمنطقة.
ثالثا: ان قيام قوات الحشد الشعبي الشيعي تحت قيادة الجنرال الايراني قاسم سليماني بدور كبير في المعركة ضد تنظيم «الدولة»، ربما يخلق توترا طائفيا مع العشائر السنية في تلك المحافظة، خاصة مع تعثر مشروع انشاء قوات الحرس الوطني، ورفض طلبات بعضهم بالاستعانة بقوات عربية او دولية لحفظ الامن حتى استكمال اعادة بناء الجيش العراقي. ومن الطبيعي ان تلك العشائر سترفض ان تتحرر من سيطرة تنظيم «الدولة» لتقع تحت هيمنة ميليشيات شيعية تعتمد على الحرس الثوري الايراني في تسليحها وتدريبها.
وفي موقف مثير للقلق هدد رئيس منظمة بدر هادي العامري عشيرة البو عجيل بتحديد موقفها بالوقوف مع الحكومة أو تنظيم «الدولة». وطالب العامري في حديث متلفز العشيرة بالرد خلال ساعات وتوعدهم بحساب عسير إذا لم يقفوا مع الحكومة . وسبق ورود شكاوى بارتكاب «بدر» انتهاكات ضد المناطق المحررة من تنظيم «الدولة». واتهمت منظمات حقوقية دولية الفصائل الشيعية بارتكاب اساءات بحق السكان المدنيين من السنة في المناطق المستعادة، بما يشمل حرق منازل او منع سكان من العودة اليها.
ويأتي تهديد «بدر» رغم تعهد رئيس الوزراء حيدر العبادي الاثنين «ضبط» تصرفات الفصائل المنضوية تحت لواء «الحشد الشعبي» الذي يقاتل الى جانب القوات الحكومية.
وفي المحصلة فان المعركة الجديدة في تكريت قد تكون خطوة في الاتجاه الصحيح، الا انها تبقى صغيرة ضمن حرب طويلة يحتاج الانتصار فيها الى ماهو اكثر من الاسلحة والمواجهة العسكرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى