تغريد الداوود: رواد المسرح الكويتي يشجعون التجارب الشبابية ويشاركون فيها

الجسرة الثقافية الالكترونية

*حميد عقبي

المصدر / القدس العربي

 للمسرح الكويتي تاريخ عريق وتظل الكويت تحتضن الفعاليات والملتقيات والعديد من المهرجانات المسرحية ذات السمعة الفنية والأكاديمية، كما لا يمكن إغفال الدور الفني المسرحي الرائد للمعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت، لما يقدمه من دور ريادي وأكاديمي وأنشطة وإصدارات مهمة في مجال النقد المسرحي.
الكاتبة المسرحية الشابة تغريد الداوود ستحلق بنا في رحلة فنية لنكتشف واقع المسرح في بلادها وبعض همومه، حيث كشفت أن المسرح الكويتي في تقدم ولا توجد صراعات أو تصادم بين الشباب والرواد، لكن تصنيف المسرح الكويتي أفرز أعمالا جماهيرية رديئة وعروضا نوعية تحبس في زنزانة العرض الواحد، كما تحدثت عن واقع الدراما والسينما..

■ اشتهرت الكويت بسمعة وإرث مسرحي له خصوصيته هل الحراك المسرحي اليوم يتابع تألقه؟
□ لا شك أن الكويت زاخرة بإرث مسرحي غني جدا وتأثيره امتد ليس على مستوى منطقة الخليج العربي فحسب، بل وصل لجميع الدول العربية، مخلفا رسالة حملها الرواد على عاتقهم مفادها أن في الخليج العربي مسرحا واعيا، يحمل رسالة وفكرا وقادرا على منافسة بقية المسارح العربية العريقة. ولا زالت الكويت مهتمة بمواصلة هذا الحراك المسرحي بنوعيه:
1- النوعي من خلال إقامة المهرجانات المسرحية وإقامة الورش المتخصصة في المسرح
2- وما يسمى بالمسرح الجماهيري الذي يعد حاليا الأبرز والأكثر رواجا في المنطقة، فعلى عكس معظم دول الخليج تجد الكويتي يحرص على ارتياد المسرح لأنه اعتاد عليه، فالكويت تنتج سنويا ما يقارب العشرين عملا مسرحيا للطفل وما يقترب من هذا العدد لمسرح الكبار، خاصة خلال فترات الأعياد، ومع تحفظنا على مستوى بعض العروض الضعيفة جدا التي تقتحم المسرح الجماهيري لأسباب تجارية بحتة وهي تفتقر لأبسط مقومات المسرح وما قد يفرز عنها من إفساد لذائقة المتلقي، إلا أن هذا لا يلغي الجهود الجادة في تقديم أعمال مسرحية متميزة. عن رأيي الشخصي لا أؤمن كثيرا بالتصنيفات، وأجد أن تصنيف المسرح النوعي والجماهيري هو ما ساهم في وجود أعمال رديئة تقدم تحت مظلة المسرح الجماهيري، وتنطلق من مقولة (الجمهور عاوز كده) بينما في حقيقة الأمر لدينا جمهور واع ومثقف، والذنب لا يلقى على عاتقه حين لا يجد في المسرح الذي يحبه سوى عروض دون المستوى، بل الذنب يقع على عاتق الفنان والمؤسسات الحكومية والخاصة التي تصنف العروض الجيدة تحت مصطلح (مسرح نوعي) أو (عروض للمهرجانات فقط) فتحكم عليها بالحبس في زنزانة العرض الواحد، الذي يقدم غالبا كما يبدو، لإرضاء لجان التحكيم وليس لتقديمه للجمهور.
■ كيف تنظرون كشباب لجيل الرواد؟
□ تربينا على المسرح الذي ناضل من أجله وأسسه الرواد في الكويت، لا شك أننا نشعر بالفخر بالقدر الذي نشعر فيه دائما بمسؤولية كبيرة، فكل عمل يقدم باسم الكويت لن يفلت من المقارنة مع الروائع المسرحية التي رفعت اسم الكويت عاليا في المحافل الفنية، والتي تصدت لها آنذاك قامات مسرحية خالدة أمثال الراحل الباقي في قلوبنا دائما، صقر الرشود، القدير فؤاد الشطي، لذلك نجد أنفسنا مرغمين على تقديم أفضل ما لدينا، كي لا نترك الانطباع بأن أفضل ما لدينا من مسرح كان في الماضي.
■ هل من تصادم بين جيل الشباب والرواد؟
□ لا أظن أبدا أن هناك تصادما بين جيل الشباب وجيل الرواد، بل بالعكس تجد دائما حرص الرواد أمثال القديرين عبدالحسين عبدالرضا، أحمد الصالح، محمد المنصور، سليمان الياسين، سعاد عبدالله، أسمهان توفيق، عبدالرحمن العقل، على متابعة التجارب الشبابية المسرحية وتشجيعها وتقديم النقد البناء لها، وترحيب معظمهم بالمشاركة في كثير من المسرحيات، إيمانا منهم بما تحمله من طرح وتشجيعا منهم للشباب، وذلك ما حصل معنا في مسرحية «الديوانية» من خلال انضمام الفنان محمد جابر لفريق العمل، وحرصه الكبير على دعم العمل بكل ما يحمله من خبرة مسرحية عريقة، الأمر الذي أضفى قيمة كبيرة للعمل، وكان له الدور الإيجابي على الممثلين الشباب، وكذلك مع الفنان القدير جاسم النبهان، الذي سبق أن كرمنا بتعاونه معنا في مشاركات سابقة وكان مثالا يحتذى به في التواضع والالتزام والعطاء.
■ هل من تيارات مسرحية كويتية جديدة؟
□ أعتقد أن هناك تجارب شبابية جادة تجنح نحو مسرح ما بعد الحداثة ومسرح اللامعقول تعود ربما للتأثر بالأوضاع السياسية العنيفة وغير المستقرة في المنطقة العربية، وكذلك الاهتمام الواضح لدى البعض بمسرح المونودراما، وهي تجارب تستحق الوقوف عندها، كما من المهم رصد جميع التجارب الشبابية بشيء من التمعن لأنها تعبر باختصار عن دور المعاصرة في المسرح الكويتي.
■ حدثينا عن المكون الفكري والفني الذي يغذي نصوصك؟
□ الكاتب المسرحي يتناول أصعب أنواع الكتابة على الإطلاق وبالتالي فالاكتفاء بالقراءة كأحد أهم أدوات ومصادر الكاتب لا يكفي، لأنك تحتاج أن تكوَن موقفا مما تقرأ، كي تكون صاحب قضية، فكل ما يمر به الكاتب المسرحي من تجارب في الحياة، سواء يمر بها هو أو يكون شاهدا عليها، سيضيف لخبرته ويصقل من أدواته. عن نفسي أنغمس في القراءة وأحرص على متابعة العروض المسرحية بشكل عام، وتتبع الحراك المسرحي العربي على وجه الخصوص. ولأن قضيتي دائما هي الإنسان فأنا في حالة رصد ومتابعة لكثير من القضايا الإنسانية، ولأن الشخصيات التي أكتبها غالبا هي انعكاس أو امتداد لشخوص حقيقية تعيش في الواقع، فأنا حريصة على التعرف والتواصل مع الآخر، خاصة ذلك الذي يختلف عني.
■ مسرحية «الديوانية» ماذا عنها كنص؟ وكيف عالجها خالد الراشد فوق الخشبة؟
□ نص الديوانية هو نص سياسي جريء في الطرح والأسلوب، فهو ينطلق من نقد ساخر جدا لعدد من القضايا السياسية التي تؤثر وتتأثر بالمجتمع الكويتي، من خلال تعاطي أفرادها مع هذه القضايا، كل منهم وفق مواقفه ومبادئه، في هذا النص انتقاد كبير لسلوكيات الأفراد وتناقضاتهم في ظل مطالباتهم بالإصلاح، متناسين أن الإصلاح والتغيير يبدأ منهم، التحدي الحقيقي في هذا النص كان أن أجعل المشاهد يقبل بمواجهة مرآة مكبرة تعكس تناقضاته من خلال الشخصيات الموجودة على المسرح، وذلك بهدف تحريضه لأن يبدأ بالتغيير بنفسه من أجل تحقيق ما يصبو إليه، والتحدي الآخر كان أن أكتب عن عالم يتميز بخصوصية ذكورية بحتة، فالديوانية أو (المجلس) كما تسمى في بقية دول الخليج، هي مكان يجتمع فيه الرجال فقط، وإن كان له في الكويت دور أكبر وأشد تأثيرا، فمن الديوانية انبثقت الحياة السياسية في الكويت ولا زالت الديوانية ترسم ملامح الكثير من التيارات والقرارات السياسية، وكونها تضم العديد من أطياف المجتمع أعطاها بعدا أكبر من مجرد كونها مكانا للتواصل الاجتماعي. خالد الراشد اجتهد في أن يقدمها بأسلوب السهل الممتنع، بتكثيف الجانب الكوميدي الساخر الموجود في النص، من خلال أداء شبابي غير متكلف ومؤثر، لتصل الرسالة للجمهور مع تفاوت مستوياته، لأن قضية الديوانية هي قضية وطن، والوطن للجميع، وهذا ما تحقق فعلا من خلال تجاوب الجمهور في الصالة مع العرض بشكل كبير بما في ذلك تفاعل الأطفال، الأمر الذي فاجأنا وأسعدنا في وقت واحد.
■ لديكم قدرات شبابية في الكتابة والتمثيل لماذا تظل الدراما التلفزيونية في مكانها؟
□ لا أعتقد أن الدراما التلفزيونية الكويتية تراوح مكانها، بل على العكس أجد أن الدراما الخليجية بشكل عام، والكويتية بشكل خاص، تشهد نشاطا كبيرا في السنوات الأخيرة، في النوع والكم، الأمر الذي يجعلها في الصدارة ولا تسبقها سوى الدراما التلفزيونية المصرية التي تتفوق من الناحية الحرفية في هذا المجال، كما أن معظم الكوادر الشبابية خاصة في التمثيل والتأليف التي حققت نجومية تلفزيونية هي من الكويت، أنا أتفق معك بأننا رغم هذه التجارب العديدة لازلنا في الكويت نفتقر للكاتب الدرامي المتمكن، الذي يمكنه أن يقدم طرحا جادا ورؤية ناضجة تعبر عن المجتمع الكويتي الحالي، ويجيد صياغة قضاياه بالشكل الذي يرقى لتمثيل الفرد الكويتي، ويعبر عن همومه بصدق، وبالتالي يكون قادرا على التأثير فيه، خاصة مع غياب النموذج الإيجابي في معظم الأعمال الدرامية الخليجية وتركيزها على الإثارة، من خلال كشف وتناول قضايا حساسة في مجتمعات مغلقة لا أكثر.
■ هل لكِ رغبة خوض مغامرة والكتابة للتلفزيون؟
□ رغم ترددي في ولوج عالم الدراما التلفزيونية التي أخشى أن لا يكون لقلمي حضوره ودوره المؤثر كما هو في المسرح، وأيضا لمسائل أخرى تتعلق ببعض المحاذير الرقابية التي تقيد الكاتب التلفزيوني، وأخرى تتعلق بمتطلبات الكتابة للتلفزيون من تفرغ تام، إلا أنني أفكر بجدية في بعض العروض التي قدمت لي، وحين أقرر خوض هذه المغامرة سأسعى لتحقيق نقلة نوعية واضحة، لان عشقي الأول والأخير هو المسرح، ولأ أشعر بأنني سأضيف للدراما التلفزيونية شيئا ولا هي ستضيف لي إن لم أقدم أسلوبا مختلفا في الطرح.
■ هل يوجد تأثير مصري على الفن الكويتي؟
□ لا شك أن تأثير مصر على الفن الكويتي كبير جدا، منذ تأسيس المسرح على يد الراحل زكي طليمات، وما تلا ذلك من أعمال مسرحية قدمت بنصوص لكتاب مصريين، بالإضافة إلى التناغم الذي جمع الفنان الكويتي بالفن المصري من خلال اطلاعه على معظم التجارب الفنية المصرية ومعاصرته للفنان المصري من خلال دراسة الكويتيين للمسرح في مصر، كذلك لا ننسى دور الكاتب المصري طارق عثمان والمخرج المصري الراحل حمدي فريد اللذين كان لهما دور كبير في نهضة الدراما الكويتية. ومع ذلك أعتقد أنه يوجد تأثير عربي على الفن الكويتي لكون الكويت مجتمعا انفتح على جميع الثقافات حين كان حاضنا وداعما للكثير من الأعمال العربية، ولكون الفرد الكويتي سباقا للتواصل مع الآخر ومحبا للسفر، ساهم ذلك أيضا في فتح آفاق جديدة له مع فنون أخرى ظهرت ملامحها على فنه وذائقته وسلوكه.
■ حدثت تجارب سينمائية كويتية جيدة، كيف هو مسار السينما اليوم؟
□ رغم أن للكويت تجارب سينمائية رائعة منذ السبعينيات، إلا أن عدم الاهتمام بالسينما، وعدم وجود آلية واضحة للعمل على دعم وتشجيع السينما الكويتية يجعل من التجارب السينمائية الشبابية متخبطة، وإن وجدت الأعمال المتميزة والجادة بها مثل فيلم «تورا بورا» للمخرج وليد العوضي، إلا أنها لا تعدو كونها تجارب فردية، في حين تحتاج السينما إلى تضافر جهود حكومية وخاصة داعمة لخلق فضاء سينمائي حقيقي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى