جليل دافيد الممثل الفرنسي من أصول مغربية: لولا التمثيل والرياضة لكنت مُجرماً

الجسرة الثقافي الالكتروني
عبد العزيز جدير #
جليل دافيد ممثل فرنسي من أصول مغربية, هو أحد الممثلين الذين درسوا فن التمثيل واكتسبوا أسرار المهنة في فرنسا. جاء إلى السينما من الخشبة المسرحية, فوقف إلى جانب الممثل الكبير «جيان ماريا فولونتي» والوسيم الفرنسي الأشهر «آلان ديلون». وبعد أنّ جسّد العديد من أدوار البطولة في السينما الفرنسية بخاصة أخذ في الابتعاد عن التشخيص إلى الإخراج والوقوف خلف الكاميرا لا أمامها.
■ كيف ولجت عوالم التمثيل؟
□ جئت إلى هذا العالم من مشاهدة الأفلام، حيث كنت أحلم أن أكون بطلاً ايجابياً، ينتصر دائماً. لكن في أفلام الغرب الأمريكي كنت أحب الهنود الحمر، للجمال الذي يتمتعون به، وذلك لأني كنت مفتونا بالجسد وكنت أمارس الرياضة، وأتماهى مع الهنود، بالرغم من أنهم الجهة الخاسرة.. كنت شغوفا بأفلام الكلاسيكيين، لكل من هارولد وولش، وجون فورد، وجون واين. ثم فتنتني أفلام «السباﮔـيتي» وأفلام peplum»», أفلام مثلت سينما التكوين وتزامنت مع البحث عن النموذج، ثم جاءت مرحلة الأفلام السوداء الفرنسية البوليسية, يُضاف إلى ذلك موسيقى «موريكوني» الساحرة.
■ كيف تعلّق على عدم ازدهار الأفلام البوليسيّة في السينما المغربية؟
□ الفيلم المغربي حديث، ويجب أن ننتظر مراحل النضج، فالسينما كالثقافة تحتاج وقتا لتنضج، ويشير «جيل دولوز» إلى بعض ذلك: الأشياء لا تنمو منذ البداية، لكنها تتطور في مرحلة وسطى وتتقوى. كذلك يجب أن تتطوّر تجارب الشرطة المغربية، وتعرف ممارستها شفافية أكبر ليمكن استلهام بعض تجاربها.
ثمّ تبدأ السينما البوليسية بسلاسل تلفزية, ومعروف أنّ السينما الفرنسية قد انتحلت السينما الأمريكية في هذا المجال, نلمس ذلك في أفلام جسدها ﮔـابان، وفونتيرا.. أمّا شخصيّاً فقد أديت أدواراً في أفلام بوليسية أهمها (la guerre des polices) لمخرجه روبان دافيس سنة (1979).
■ لكن تطور سينما الأفلام البوليسية وقف وراءه أيضاً مبدعون من طراز سيمونون، سوفيستر، وليو مالي…
□ صحيح، وقد قدم هؤلاء المبدعون القصة، والتشويق، والشخصية التي تسكنها بذور الجريمة أو هي مهيأة لارتكابها، والوسط الذي ينتجها.. ألا يقوم الفيلم الناجح على القصة الرائعة؟
■ أشرت إلى أنّ حب السينما ومشاهدة الأفلام قادا خطواتك نحو التشخيص، لعلّ هناك عناصر أخرى..
□ رغبت في التمثيل لأنّ التماهي مع الأبطال يخلصني من ذاتي التي كانت محاصرة , فأنا عشت طفولة طبعتها العزلة والوحدة. ولم أنعم بوجود أبي إلى جانبي، والذي كان بالقرب مني أب غير حقيقي: زوج والدتي. يحاول أن يقنعني أنه والدي، وأنا أعرف أنه ليس كذلك, وكان شرطياً، يرعبني مسدسه, وهكذا عشت منغلقا على نفسي، وظل شعوري بالعقدة يتطور.
بعد وفاة زوج الوالدة شعرت بالحرية والتخلص من سيطرته، وكان أول شيء رغبت في فعله مغادرة العالم الذي كان يسكنه، ويخيفني. وكانت رحلة العودة إلى باريس, كانت الرغبة في التعبير عن الذات باعتباري كائنا خلق للتمثيل, يتماهى مع عدة شخصيات، فالتمثيل وسيلة مهمة ونافعة للتعبير لغوياً وجسدياً, وكل ما احتفظت به من الطفولة والشباب، وما بقي مخفياً ومقموعاً في وعيي ولا وعيي وجب التخلص منه, فوجهّت نفسي نحو التمثيل والرياضة, الرياضة لأنها سلاح يُحرّر باعتبارها تصنع البطل الذي يمكن أن يدافع عن نفسه, ولولا التمثيل والرياضة لكنت مجرماً، فهما قد مثلا بالنسبة لي نوعا من العلاج النفسي.
■ طبعا، تابعت الدراسة الأكاديمية بمعهد الممثلة والمخرجة الروسية الفرنسية، بباريس..
□ ذهبت إلى باريس وهناك لم أفلح في دخول الكونسيرفاتوار, حيث كان امتحان القبول يقوم على تأدية المرشح أربعة مقاطع بعد تهييئها: اثنان لمؤلفين كلاسيكيين (موليير أو كورناي) وآخران لمعاصرين, كنت هيأت ذلك وحدي في طنجة حيث أؤدي المقطع وأراقب نفسي في مرآة, ثمّ يوم امتحان دخول الكونسيرفاتور لبست سلهاماً أسود اللون: نوع من دخول شكسبيري، وأديت الدور، بعد أن انتهيت ران الصمت, فالخجل والصمت اللذين سيطرا عليّ سنوات تبخرا, وانفجرت هناك برحاب فضاء التكوين, أنا المغربي الذي ظل صامتا..
اقتربت من أحد أساتذة اللجنة فقال: (إنك تمتلك روح الممثل، ولكن لا معرفة لك بتقنية الأداء، وهي تدرّس.. عليك بمدرسة»طانيا بالاشوفا» الروسية، وقل لها إني بعثت بك، حتى لا تخضع لمباراة الاختيار). لما رأتني وهي الخبيرة قبلتني.
■ العلاقة بين المخرج والممثل قد تطبع تجربة الممثل أو قد تحبط عمله..
□ جمعتني «بجان كلود ميسيون» علاقات إنسانية طيبة. فهو على المستوى الإنساني مخلص، وجدي من الناحية العملية. أعجبه قوامي، وأدائي، كما قال لي من بعد. وكان ملحقاً صحافياً متخصصاً في السينما قبل أن يمارس الإخراج, وهو ضرب من انسكلوبيديا في مجال السينما، وله افتتان كبير بالجسد فيما يخص الممثلين الأمريكان والفرنسيين, ولمّا أصبح مخرجاً بدأ يلزم الممثل بطريقة الأداء الأمريكية. عندما اختارني للتمثيل كان يعتبرني ممثلاً أمريكياً، ويجعلني أتحدث بلغة وطريقة لا قبل لي بهما، ولذلك أجد صوتي في «Tir groupé» غير حقيقي، ومصطنع كأنني مريض. تخلصت منه بعد عناء، ففي فلمي (la Baston ) و(la Ronde de nuit) لم يطلب مني حوار طويل بل أسندت لي «وظيفة» الضرب أو القتل, وأعتبرها تجربة لا بأس بها لأنني اكتسبت نضجاً، ولم أكن أعر تعليمات المخرج وأوامره كبير عناية, كذلك في فيلم (la guerre des polices) كانت مشكل الصوت. في البداية لم أعثر على صوتي بالرغم من أنني كنت محترفاً في المسرح والسينما.
■ فن الأداء، هل استقيته من إدارة مخرجين أم من الممثلين؟
□ تعلمته بشكل ذاتي عبر التمثيل ورؤية التمثيل، ومشاهدة الأفلام. وكان «ماورو بولينيني»، (وهو مساعد «فيسكونتي» وأخرج كثيرا من الروايات الكلاسيكية) هو من أعطاني حريّة في الأداء بالرغم من حداثة عمري في السينما.
كنت أؤدي الدور قرب عملاق السينما «جيان ماريا فولونتي» في فيلم (la dame aux camélias)، وأن تكون قرب «جيان» فأنت تقتات من كرم أدائه والطاقة الإيجابية التي يضفيها على محيطه. أذكر أن «جيان» كان مريضاً وكان يحمل معه زجاجة صغيرة يحتسي منها جرعة نبيذ بين الفينة والأخرى. كان قليل الحديث، وقد حدثته قبل بداية التصوير عن أفلامه مع موريكوني التي شاهدتها لما كنت صغيرا وأعجبه سماع ذلك, وبعد سنة وافاه الأجل, وقد كلفني برعاية ابنته، وهي الممثلة ايزابيل هيبير التي كانت يومها في بداياتها.
شعرت يومها أيضا أنّ موهبتي كانت خلف حجاب، واستطاع «بولينيني» و»جان» أن يخرجا هذه الموهبة ويعلناها. فالتجربة علمتني أنّ لكل ممثل موهبته. كنت أشعر أنه بالإمكان أن أكون ممثلاً جيداً، لكني كنت في حاجة إلى مخرج يقول لي: «إنّ أداءك جيد، انطلق».. وانطلقت وبخاصة في أمريكا
……..
القدس العربي