«حكاية الحكايات» للإيطالي ماثيو غاروني: استعادة لثلاث حكايات شعبيّة وهوس الملوك فيها

الجسرة الثقافية الالكترونية
*سليم البيك
أوّل ما قد يخطر على البال أثناء وبعد مشاهدة «حكاية الحكايات» هي «ثلاثيّة الحياة» للسينمائي الإيطالي بيير باولوا بازوليني المكوّنة من ثلاثة أفلام هي «الديكاميرون» (1971) و«حكايات كانتربري» (1972) و«وردة ألف ليلة وليلة» (1974).
في الأفلام الثلاثة نشاهد حكايات متفرّقة تنتمي لأزمنة وثقافات مختلفة، إنّما ما يجمعها هي أهم عناصر الحكايات الشعبيّة، الفانتازيا. وإن نقلها بازوليني بأسلوبه المحرّض والساخر، دامجاً بين الجنس والسياسة.
نعود للفيلم المشارك في الدورة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي والمعروض حالياً في الصالات الفرنسيّة، «حكاية الحكايات»، وهو فيلم الفانتازيا الأوّل للإيطالي ماثيو غاروني بعد أفلام تصوّر الحياة الحديثة كـ «حقيقة» (2012) عن برامج تلفزيون الواقع و «غومورا» (2008) عن الجريمة المنظّمة. يُبنى الفيلم المكوّن من ثلاث حكايات على الفانتازيا، مضيفاً إليها بعض الرعب والكثير من الكوميديا، والدراما حتماً كعنصر أساسي لحكايات كهذه.
الحكايات الثلاث في الفيلم منفصلة، لا رابط بينها، كالحكايات كما وُردت في كتبها، وأيضاً كما في ثلاثية بازوليني. الحكايات الثلاث في الفيلم هي للشاعر الإيطالي غيامباتيستا بازيل، منقولة عن كتابه «حكاية الحكايات، أو تسلية للصغار» الصادر في القرن السابع عشر والشامل لمجموعة كبيرة من الحكايات الشعبيّة الخرافيّة.
معظم المقاربات السينمائية لحكايات كهذه قُدّمت للصبيان وليس الكبار، وكان ذلك الاعتبار يفرض سياقات معيّنة في الحكاية، ولـ «ديزني» وشركات الإنتاج الأمريكيّة تأثير مدمّر على الحكايات هذه لما سبّبوه من تحريف لمضمونها و«أمرَكة» لشخصيّاتها.
وإن كان جمهور من الكبار ينجذب لبعض أفلام الصغار المبنيّة على الحكايات الخرافيّة، فإنّ فيلماً كهذا إنّما يُقدَّم أساساً للكبار، من خلال أسلوب الطرح للحكايات الثلاث وكذلك تصويرها، وإن خلت من «التحريض البازولينيّ»، فكان فيلماً للكبار من حكايات الصّغار، إن جاز القول. أهمّ ما فيها خلوّها من الحِكمْ.
الحكايات هي «المسحورة» و «البرغوثة» و «العجوز المسلوخة». تتداخل مشاهد الحكايات الثلاث فنشاهدها بشكل موازٍ، أي لا تلحق واحدتها الأخرى. في الأولى تؤدي سلمى حايك دور ملكة تهوَس بطفل يصير ملكاً. لا تحبل إلا إن أكلت قلب تنّين في قاع البحيرة، ينزل زوجها الملك، يقتله ويُقتل. لا بدّ أن تكون من تطبخ القلب عذراء، فيكون ذلك، لكن الحمل يصيب الملكة والعذراء، تلدان في اليوم ذاته توأمان تنشأ بينهما علاقة قوية، صداقة وأخوّة، متماثلان في الشكل إلى درجة تجعل الملكة تكلّم الآخر على أنّه ابنها، وتمتدّ الحكاية وتتطوّر أحداثها.
في الثانية يؤدي توبي جونز دور ملك يربّي برغوثة بهوسٍ في غرفته، يغذّيها على دمه ويعتني بها إلى أن تكبر وتصير ضخمة وتموت (كأنّها غريغور في «المتحوّل» لكافكا)، له ابنة لم يكن يهتمّ بها، هي تريد الزواج وهو جعل شرطاً لذلك أن يحزر المتقدّم بأنّ الجلد المعروض هو لبرغوثة عملاقة. رجلٌ ضخم بشع يحزر، فيُجبر الملك على تقديم ابنته له، لاحقاً ستحاول الهرب من عنده وعلى هذا تتطوّر الحكاية.
في الثالثة يؤدي فانسان كاسل دور ملك مهووس بالجنس، يسمع صوت امرأة تغنّي، لا يراها. يرسل لها هديّة ويطلب رؤيتها، ترفض لأنّها عجوز وهو يظنّها صبيّة. تحكي له من خلف باب بيتها بأنها ستأتي إلى غرفته ليلاً على أن تكون معتمة. تنام على سريره، يراها، يفزع ويأمر برميها من النافذة، تسقط وتتحول إلى صبيّة عارية بشعر أحمر طويل، وتتطوّر الحكاية إلى نهايتها.
الحكايات منفصلة تماماً. وإن كانت نهاية الفيلم تجمع الشخصيّات كلّها إلا أن حضورهم لا معنى درامياً له، كان يمكن تفادي هذا الجمع وتبقى الحكايات كما هي، لكلٍّ شخصياتها وحبكتها.
تبقى ثلاثيّة بازوليني الأقوى في تصوير الحكايات الخرافية سينمائياً، لكن «حكاية الحكايات» محاولة ممتازة لنقل ثلاث منها، لشاعر إيطالي حوت مجموعته، إضافة إلى الثلاثة، حكايات كسندريلا والأميرة النائمة والقط بجزمة ورابونزل وغيرها من الحكايات التي أعادت «ديزني» صياغتها ونقلتها بنسخة أمريكيّة محرّفة، تماماً كالحاصل مع البيتزا الإيطاليّة ومطاعم البيتزا الأمريكيّة.
المصدر: القدس العربي