دراسة إسرائيلية تؤكد: الفتح الإسلامي لفلسطين كان مريحا ومتنورا

الجسرة الثقافية الالكترونية
وديع عواودة #
تؤكد دراسة أثرية في إسرائيل أن الفتح الإسلامي لفلسطين عام 640 ميلادي كان واحدا من الاحتلالات الهادئة والمتنورة التي شهدتها البلاد بخلاف الصورة التاريخية النمطية المشبعة بالدم والمعاناة. ويشير الباحث الإسرائيلي د. غدعون أفني في دراسته الأكاديمية الواسعة ( رحيل البيزنطيين عن فلسطين رؤية أثرية) الصادرة عن دار نشر جامعة أكسفورد أن عناصر الدولة الإسلامية (داعش) يحلمون بإحياء الخلافة الإسلامية وفي الطريق لها يثبتون أنهم أشد أعداء الإسلام ويؤججون الفكرة المسبقة عنه بارتكابهم جرائم جاء الإسلام لينهى عنها على رأسها قتل الناس.
في سياق مفاضلته بين الفتح الإسلامي وبين عمليات احتلال دموية للبلاد يوضح أفني أن اليهود والنصارى واصلوا حياتهم بازدهار تحت الحكم الإسلامي. واستنادا لدراسة 400 موقع أثري في فلسطين لم يتم العثور على هدم عمارة واحدة بيد العرب. وبرأي المؤرخين تعتبر الفترة البيزنطية في فلسطين( من القرن الرابع حتى السابع ميلادي) فترة ازدهار اقتصادي واجتماعي.
مركز روحاني
ويدللون على ذلك بقيام عشرات البلدات الجديدة، فيما وصلت القدس ذروة تطورها وباتت البلاد مركزا روحيا في العالم المسيحي. حسب المفهوم التاريخي الرائج منذ العصور الوسطى حتى سبعينيات القرن العشرين وضع الفتح الإسلامي لفلسطين « العنيف «حدا لهذا الازدها، منوها أن الباحثين الصهاينة قد تبنوا الرؤية المألوفة للفتح الإسلامي لأنها تنسجم مع مزاعم الصهيونية حول البلاد ووجود العرب فيها. ويشير على سبيل المثال ما كتبه المؤرخ الإسرائيلي البارز يهوشع برافر بهذا المضمار: شهدت البلاد حالة فوضى اقتصادية وسكانية خلال الاحتلال العربي للبلاد وطرد البيزنطيين منها كما شهدت إهمالا نجم عنها تغطية الكثبان الرملية البلدات القديمة فيما سدّ التراب الآبار وقنوات الريّ وفقط بأيامنا ظهر سكان جدد متحمسون ومخلصون في حبهم للبلاد وتاريخها وإحياء القفار وتخليص النقب من هجرانه «.
رواية مركبة
ويكشف أن عددا من الباحثين والمؤرخين يعرفون منذ بضعة عقود أن الموجودات الأثرية في الميدان تروي رواية مركبّة أكثر من قصة « الاحتلال الإسلامي الدموي الذي أنهى الثقافة البيزنطية في البلاد «. أفني،عالم الآثار البارز استند في دراسته على موجودات أثرية كبيرة في البلاد وجاراتها قبل أن يقدم الرواية المركبّة للفتح الإسلامي لفلسطين. ويشير لروايات تاريخية تقطر دما وألما لاحتلال البلاد من قبل الفاتحين العرب، منوها إلى أن إحدى مشاكل المصادر التاريخية تكمن بأن المحتلين وأولئك الذين وقعوا تحته يرغبون بتعظيم المعاناة. ويضيف « يرغب الواقعون تحت الاحتلال بإظهار كم هم مساكين، بينما يرغب الفاتحون بإظهار مدى عظمتهم وشدة بأسهم «.
أسطورة تاريخية
لكن الاكتشافات الأثرية تقدم رواية مغايرة وواضحة مفادها أن العرب لم يهدموا العمارة في البلاد بل بالعكس فقد أتاحوا بناء كنائس جديدة منها كنيسة عتيقة في النقب، وفي القدس حيث تم بناء جناح جديد في كنيسة القيامة بالقرن الأول بعد الفتح. كما تم بناء مسجدين مجاورين لكنيستين في طبريا وفي النقب وفي مدينة طمرة داخل أراضي 48 اكتشفت أرضية فسيفسائية لكنيسة كتب عليها عام بنائها بالهجري، 106. كذلك ينسف أفني أسطورة تاريخية أخرى تزعم أن سكان البلاد الجدد كانوا من البرابرة الذين أقاموا داخل خيم وداهموا مراكز التمدن. ويؤسس بعض المؤرخين نظرتهم السوداوية للفتح الإسلامي على عدة مؤشرات منها توقف بناء عمارات ضخمة بنيت بالعهد البيزنطي لكن أفني يفسّر ذلك بتغيّر الثقافة والموضة، منوها أن السكان صاروا يفضلون بناء مراكز تجارية تربط بين مراكز التجارة العالمية من الصين حتى الأندلس على بناء كنائس فخمة.
تجارة القطن والحمضيات
وبدلا من رواية تقوم على فكرة احتلال دموي لفلسطين يستعرض أفني تغيرات عميقة، اقتصادية وثقافية تدلل عليها الموجودات الأثرية في ظل انفتاح البلاد على تجارة عالمية تحت رعاية الدولة الإسلامية الصاعدة. ورغم ارتفاع منسوب الضرائب لم يمس العرب باليهود والنصارى ودخلت البلاد أنواع جديدة من التجارة وبدلا من الخمر الذي بيع لليونان وقبرص روجت تجارة القطن والحمضيات للعراق ومصر. وفيما تتدنى مكانة مدن قديمة مثل قيسارية وبيسان ترتفع مدن جديدة كالرملة وطبريا وتتحول لعواصم ومراكز سياسية واقتصادية أما القدس التي قالت عنها الرواية القديمة المذكورة إنها تدنت وتقوقعت داخل أسوارها بنهاية العهد البيزنطي فقد ظلت دون تغيير.
مدينة القدس
على العكس سمح المسلمون لليهود بالعودة للمدينة بعدما حظر عليهم ذلك البيزنطيون كما تبقى الكنائس بارزة في مشهدية المدينة رغم بناء الأقصى وقبة الصخرة. ويستند أفني أيضا على المؤرخ الإسلامي المسعودي الذي عاش في القدس خلال القرن العاشر وأكد استمرارية القدس بعد الفتح الإسلامي ووصفها بحوض الذهب الذي امتلأ بالعقارب، فيها عدد قليل من المثقفين وعدد كبير من المسيحيين الذين تصرفوا بفظاظة في الفنادق والميادين العامة. ويشير الباحث إلى أن الانكسار الوحيد في تاريخ فلسطين التاريخية جاء فقط في القرن الحادي عشر قبيل الحملات الصليبية، مرجحا أن عوامل سياسية ، اقتصادية وربما تغيرات مناخية تسببت بهجرة السكان من البلاد وخرب بعض مدنها.
الصينيون اليوم
وتابع « العرب القدامى وقتها كالصينيين اليوم الذين يحتلون العالم هم أذكياء لا يخيفون أحدا ولا يقطعون رؤوسا في مراكز المدن. ما يؤثر هو العامل الاقتصادي وهم لا يهدمون ما يوفر لهم ربحا. من جهة واحدة هناك ديانة مهيمنة جديدة ومن جهة أخرى هناك إدارة تقوم على السياسة العملية(الريال بولتيك). لم يسد الهدوء كل الوقت وأغار البدو من الصحراء أحيانا وأحيانا استخدم الحكام القوة ضد من لم يسدد الضريبة لكن للمرة الأولى في التاريخ تشهد البلاد مجتمعا متعدد الثقافات مسلمون، مسيحيون ويهود».
…
القدس العربي