ديفيد لينش يستعيد مقتل لورا بالمر في موسم ثالث من «توين بيكس»

سليم البيك

بالإعلان عن إنتاج موسم ثالث للمسلسل الأمريكي «توين بيكس» سيُبثّ في مايو/أيار هذا العام، على شبكة «شوتايم»، استعاد الاسمُ «توين بيكس»، أجواءَه ورموزه كظاهرة تشكّلت مع بث الموسم الأول له عامَي 1990 و1991، ثم تحديداً، مع خروج فيلم «توين بيكس: فاير ووك ويذ مي» (امشِ معي أيتها النار) إلى الصالات بعدهما بعام.
المسلسل بمواسمه الثلاثة كتبه ديفيد لينش ومارك فروست، ومن إخراج متعدد معظمه للينش، أما الموسم المرتقب فسيكون إخراج حلقاته الـ 18 كلّها للينش، وهو اليوم، بعد 25 عاماً من الموسم الأول، أحد أهم المخرجين الأحياء في العالم، وفيلمه «ملهولاند درايف» (2001) مصنّف كأفضل فيلم في القرن الحالي حتى اللحظة، حسب بي بي سي.
أي حديث عن المسلسل سيجرّ حديثاً عن الفيلم، والعكس يصحّ، لذلك سيكون الحديث عن الموسم الجديد، الذي لم يصرّح لينش كثيراً عنه، مسبوقاً بحديث عن الموسمين السابقين وعن الفيلم، وذلك لسبب أساسي هو أن الفيلم لم يأت كنسخة سينمائية من المسلسل الذي عُرض قبله بسنة وسنتين، بل أتى مكمّلا له، وسابقه زمنياً. والحال كذلك بخصوص الموسم الثالث المرتقب، إذ أنّه لن يكون إعادة صياغة لمحتوى المسلسل الأول بعد النجاح الهائل الذي حققه والممتد حتى اليوم، بل هو تكملة طبيعية له، أي أن الزمن الحاضر فيه سيكون اليوم، بعد 25 سنة من أحداث الموسمين السابقين، والشخصيات الرئيسية، من لم يمت منها، ستكون حاضرة بأعمار تزيد بـ 25 سنة عنها في الموسمين الأول والثاني. والموسم الثالث، كما الفيلم، سيحكي عن الأيام السبعة الأخيرة من حياة لورا بالمر.
أما المسلسل، بموسميه الأول والثاني، فيبدأ بجثة لفتاة جميلة اسمها لورا بالمر (شيريل لي)، طالبة وسنعرف لاحقاً أنها تمارس الدعارة وتتعاطى الهيروين ومضطربة نفسياً، في بلدة محاطة بالغابات والجبال شمال غرب الولايات المتحدة، اسمها توين بيكس (صارت الآن معلماً سياحياً بفضل المسلسل والفيلم).
يُقسّم الموسمان، ما يقارب 30 ساعة، إلى نصفين، الأول تتخلله عمليات تحقيق في مقتل لورا، والثاني عمليات تحقيق متفرّعة يتم ربطها، بشكل غير مقنع أحياناً، بمقتل لورا. معروف أن لدى ديفيد لينش، فإن «توين بيكس» هو أساساً مقتل لورا وعمليات التحقيق في ذلك، أما ما تلاه فإضافات قد تكون مُدّت لأسباب إنتاجية، فلا معنى درامي ضروري لها.
في المسلسل محقق الـ«إف بي آي»، دايل كوبر (كايل ماكلاكلين) ولينش ذاته كمسؤوله، وممثلون آخرون من بينهم، وهذا مما عُرف به المسلسل، ممثلات جميلات، وبالحديث عمّا عُرف عنه كذلك، نذكر بعض رموزه التي ارتبطت به لدرجة جعلت لينش يظهر في إعلان للموسم الجديد بثّته «شوتايم» قبل أيام يلتهم قطعة «دونَات»، وإضافة إلى «الدونات» هنالك الفطيرة بالكرز وهنالك القهوة السوداء وهنالك رموز بصرية كالستارة الحمراء، وحتى بعض الأوجه لبعض الممثلين، خاصة وجه بوب، الممثل ذي الشعر الطويل وملامح أهالي أمريكا الأصليين، وهو الروح الشريرة التي لم نعرف مآلها في الموسمين المعروضين.
أما الفيلم، وهو العمل الأقرب ليكون فنياً، ليكون المسلسل عملاً أكثر جماهيرياً، وهو حال السينما والتلفزيون على كل حال، أما الفيلم الممتد لساعتين فيصوّر الأيام السبعة الأخيرة من حياة لورا، وفيه استعادة للعديد من شخصيات المسلسل، إنّما ما يتوجّب معرفته هو أن كلاً من المسلسل والفيلم منفصل عن الآخر، وإن تواجد في كل منهما ما يفسّر بعض الألغاز، أو يكمل بعض المَشاهد الناقصة في الآخر. وإن كان لا بد من نصيحة هنا فهي ضرورة أن يُشاهَد المسلسل قبل الفيلم، ففي الأخير يحضر القاتل ونتعرف على ما أدى إلى قتل لورا وعلى كيفية حدوثه، فتزول بذلك الغايات الدرامية في المسلسل الدائر حول عمليات التحقيق لمعرفة القاتل وحيثيات القتل، يدخل في كل ذلك أسلوب لينش، في أفلامه، في دمج الواقعي بالسريالي والعلمي بالرّوحي.
وبالحديث عن اهتمام لينش بلورا وعملية قتلها والتحقيق في ذلك، فقد كان الفيلم كلّه عنها، أي أنها كانت بطلته الحاضرة، في حين كانت في المسلسل حاضرة كموضوع، وليس كذات، أي حاضر اسمها وحاضرة ذكراها في أحاديث الآخرين، لكنها غائبة كجسد، وهو ما حضر في المشهد الأول كجثة تطفو على النهر. لاهتمام لينش بها، وبأن «توين بيكس» (Twin Peaks) هو لورا بالمر وحكايتها، كان الفيلم عنها، كانت بطلته الحاضرة، وكان مكمّلاً لنقص تخلل المسلسل. وكذلك لأن الموسم الجديد هو مشروع لينش أساساً، ستكون بطلته كذلك لورا، ولأنّ لورا قُتلت قبل 25 عاماً من زمن الموسم الثالث، فسيكون هذا الموسم، كما الفيلم، عن الأيام السبعة الأخيرة من حياتها، لكن لينش نصح بمشاهدة الفيلم قبل الشروع في مشاهدة الموسم الثالث، ما يعني أن الموسم سيقدم تفاصيل كثيرة وجديدة وتفريعات لما في الحكاية والحبكة آنذاك، وستكون حلقاته متنقلة زمنياً بين أحداث الموسمين الأول والثاني وبين اليوم، الزمن الحاضر في الموسم الثالث، ما يعني أن استعادات (فلاش باك) سترجع بالذاكرة لدى الشخصيات لاستدراكات واستكمالات تخص كلا من الجريمة والتحقيق، وهذا كلّه يتيح للينش أن يسرح أكثر في ساحته المفضلة، التي يتقن أكثر من غيره اللعب فيها، وهي الحلم والسريالية والذاكرة والخيال. يبقى المتوقع من الموسم الجديد للمسلسل محدوداً جداً بالاستناد إلى ما يُصرَّح به في خصوصه.
سنعود لديفيد لينش قريباً، في الكتابة عن فيلم وثائقي شارك في مهرجان فينيسيا السينمائي أخيراً وسيُعرض قريباً في الصالات الفرنسية، اسمه «ديفيد لينش، حياة الفن» (فلينش موسيقي ورسّام كذلك)، وسنعود إلى «توين بيكس» حين يتسنى لنا مشاهدة الموسم الثالث، لكن، إلى حين إمكان أحدنا أن يشاهد الموسم الجديد، من الضروري، للإلمام بتجربة لينش، مشاهدة الموسمين الأول والثاني، وبعدهما وليس قبلهما، مشاهدة الفيلم، الذي سيطول الحديث فيه إن بدأنا بدراسة مقارنة بينه وبين المسلسل، إن كان من ناحية الشخصيات الرئيسية والثانوية ووظائفها في الحكاية أو من ناحية تفاصيل الحكاية ذاتها، وانعطافاتها.
يبقى المتوقَّع والمأمول هو أن يَخرج لينش بموسم ثالث يكون بمنطق سينمائي، أولاً لأنه مشارك في كتابته وسيُخرجه لوحده، وثانياً لأن المسلسلات تقترب أكثر من السينما تقنياً، سنة عن أخرى، وثالثاً لأن المسلسل سينقل الجانب الذي نقله الفيلم، أي عملية القتل، ورابعاً لأن لينش ذاته صار، الآن بعد 25 سنة، أحد الأسماء الأفضل في السينما العالمية، بعيداً عن التلفزيون ومنطقه.

(القدس العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى