رحيل محمد العربي المساري: كاتب موسوعي ومؤرخ وفيّ لقضايا بلاده وللقيم الإنسانية النبيلة

الجسرة الثقافية الالكترونية

*الطاهر الطويل 

 

أجمعت العديد من الهيئات والشخصيات المغربية على قيمة الإسهامات التي حققها الكاتب والمؤرخ والإعلامي والوزير السابق محمد العربي المساري الذي وافته المنية السبت الماضي عن سن تناهز الثمانين عاما، وذلك بعد معاناة طويلة مع المرض. وأثنى الكثيرون على الخصال التي كان يتمتع بها الراحل من وفاء للمبادئ وتشبث بالقيم الإنسانية النبيلة. 

ونعى اتحاد كتاب المغرب الكاتب الراحل الذي تميز بــ»حضور كبير ومؤثر في الساحة الثقافية والإعلامية والسياسية والدبلوماسية، طوال عقود من الزمن والنضال والتأليف والعمل الدؤوب، دون كلل أو ملل، مدافعا باستماته عن القضايا المغربية الكبرى وقضايا الهوية العربية الإسلامية، بمثل دفاعه عن الثقافة والمثقفين، من أجل ترسيخ قيم الوطنية الأصيلة، والثقافة الواعية، المقاومة لكل أشكال التخلف والتفكير البائد.»

وأضاف اتحاد كتاب المغرب في بلاغه الذي توصلت «القدس العربي» بنسخة منه «إن الفقيد كان من المؤسسين للاتحاد، حيث ظل وفيا لهذه المنظمة الثقافية الوطنية العتيدة، بمثل وفائه لمبادئها وقيمها إلى أن وافته المنية رحمه الله. كما كانت تدخلاته الرصينة والمؤثرة، في مؤتمرات الاتحاد وخارجها، ركيزة من ركائز البناء والتأهيل والاستمرار لهذه المنظمة الشامخة، فالثقافة بالنسبة لفقيدنا، تشكل المدخل الرئيس للتطور والتنمية والانفتاح والتقدم، هو الذي ظل، رحمة الله عليه، متشبثا بالتاريخ المغربي القديم والحديث والمعاصر، إذ يعتبر من المؤرخين الكبار الذين اهتموا بالروح الوطنية والتاريخية في مؤلفاته وفي عمله الدبلوماسي الموازي.» 

ووصف اتحاد كتاب المغرب محمد العربي المساري بالباحث المتزن والمثقف الموسوعي والكاتب الصحافي المسؤول والسياسي المحنك، مشيرا إلى أن من مظاهر موسوعيته إتقانه لبعض اللغات الأجنبية، من بينها الإسبانية والبرتغالية، فضلا عن انفتاحه على الثقافة العالمية الإنسانية، والتي جعلته يتبوأ مكانة محترمة في عديد المناسبات والمحطات الدولية والعربية والوطنية، منها عضويته في لجنة تحكيم جائزة اليونيسكو لحرية الصحافة، ورئاسته للجنة التحكيم للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة، والسينما، وغيرها.

وكان محمد العربي المساري، الكاتب العام الأسبق «للنقابة الوطنية للصحافة» المغربية، مديرا لصحيفة «العَلم»، وسفيرا للمغرب في البرازيل، ووزيرا للإعلام، وعضوا في المكتب التنفيذي لـ»حزب الاستقلال»، بالإضافة إلى مسؤولياته الأخرى نائبا برلمانيا وكاتبا عام لاتحاد كتاب المغرب.

وبعث العاهل المغربي محمد السادس برقية تعزية ومواساة إلى أسرة الراحل المساري، مشيرا إلى أن المغرب فقد أحد رجالاته البررة، المشهود له بدماثة الخلق، وصادق التفاني والإخلاص في النهوض بمختلف المهام والمناصب التي تقلدها، سواء الحكومية منها أو الدبلوماسية، أو السياسية والحزبية أو الإعلامية.

وأصدرت «النقابة الوطنية للصحافة المغربية» بلاغا اعتبرت فيه أن المغرب خسر في فقدان المساري أحد الرجالات الذين عاشوا في تواضع ونبل ونذروا حياتهم، حتى النزع الأخير، للعمل التطوعي النضالي، من أجل الخير والسمو ببلادهم والدفاع عن القناعات والاختيارات الديمقراطية. وأضافت أن الراحل قدّم، خلال مساره في النقابة الوطنية للصحافة المغربية، أجل الخدمات لتطوير هذا الإطار وتقويته وتحديثه وانفتاحه، حتى جعله بيتا أليفا لكل المهنيين ومدرسة في النضال من أجل حرية التعبير وأخلاقيات الصحافة وكرامة الصحافيات والصحافيين.

وكتب الإعلامي والأديب لحسن لعسيبي في صفحته على «فيسبوك» السبت الماضي: «حزين هذا الصباح لرحيل أستاذنا جميعا، وصديقي الذي تعلمت منه معنى الوفاء للصداقات الحقيقية، الوزير والسفير والصحفي والكاتب، عاشق تطوان، الوفي لذاكرتها وسيرتها وتاريخها، محمد العربي المساري. سعدت أيضا بالتعرف على عائلته الكريمة في مناسبات عدة بالرباط والدارالبيضاء وتطوان. حقا خسارة كبرى». 

كما تحدث الشاعر محمد مفدي عن «انتقال روح الوطني الفذ الصادق الوفي، الأستاذ الباحث والأديب الألمعي شيخ الصحافيين الصادقين الحاج محمد العربي المساري إلى دار البقاء…»، مضيفا أن الراحل «عاش أبيا صادقا، ما غيّر مبدأ، ولا بدل موقفا، كان صافيا شفافا، وفيا صادقا، عاش متواضعا في كبرياء، زاهدا في شمم واستعلاء، أخلص في عمله السياسي للحزب الذي انتمى إليه، حزب الاستقلال، وأمسى منارة يستضاء به في ميادين الإعلام والفكر والسياسة… لقد عرف – صحبة الرواد – أن الوطنية الصوفية، تعني اندماج الفكر في حب الوطن بكل قيمه ومكوناته وثوابته… وهذا سر شموخ هذا الوطن».

وكتب الناقد السينمائي خليل الدامون: «بوفاته نفقد واحدا من أهم الصحافيين المغاربة، إذ أفنى عمره في البحث عن الخبر اليقين، سواء كان هذا الخبر مرتبطا بالحاضر أو مرتبطا بالماضي. كان حاضرا في كل التظاهرات الثقافية والإعلامية سواء داخل المغرب أو خارجه. آخر عمل نسّقناه معه في إطار الجمعية المغربية لنقاد السينما بتعاون مع مؤسسة علال الفاسي ندوة السينما والذاكرة سنة 2012. إلا أن المرض في المدة الأخيرة كان قد غيبه عنا ومع ذلك كان يستقبلنا عبر الهاتف بنفس الابتسامة وبنفس الصدر الرحب.»

وكتب الإعلامي محمد الغيداني في كتابه الصادر حديثا «للإذاعة المغربية أعلام» عن محمد العربي المساري قائلا إنه كان «مدرسة في الحقل الصحفي والثقافي والسياسي المغربي ، كرس مفهوم ثقافة القيم، وجعل من الدبلوماسية أمانة ورسالة حضارية، ومن الاعلام رسالة تقوم على قيم الحرية والمسؤولية، سهر على أن تكون السلطة الرابعة، سلطة إعلام لا إعلام السلطة، وظل مقاوما وملتزما ضد مظاهر الانحراف.

صاحب المشروع الضخم «المناظرة الوطنية للإعلام» والتي انعقدت سنة 1993، والتي تعتبر الأولى من نوعها في العالم العربي، ولو طبقت آنذاك، كانت ستكون انجازا كبيرا في افريقيا والعالم العربي، لأنها جمعت من الخبراء في الصحافة والاعلام والقانون خيرة أبناء هذا البلد، لقد أجمع عدد من الكتاب والمفكرين ، على فرادة وثراء التجربة الإنسانية والسياسية والثقافية للكاتب المغربي محمد العربي المساري الذي أضحى علامة مميزة تسم المشهد السياسي والفكري والإعلامي الوطني، هذه التجربة التي زاوجت بين الواجهة السياسية والإعلامية والثقافية والنقابية، مشكلة بذلك الثراء المعرفي والفكري الذي يميز شخصية الأستاذ المساري وحضوره الإنساني اللافت، وحرصه على مد جسور التواصل الثقافي وتعميقه بين المثقفين والإعلاميين.

الراحل محمد العربي المساري من مواليد تطوان سنة 1936 التحق بالإذاعة المغربية سنة 1958 كمنتج ثم كسكرتير قسم الإنتاج حتى 1664.

وتميزت الفترة التي عمل فيها بالاذاعة المغربية بإنتاجه لمجموعة من البرامج الفنية والثقافية ، فقد اشتهر بإعداده وتقديمه لبرنامج يعنى بموسيقى الشعوب ، والذي كان يقدم صباح كل احد، يستعرض فيه الخصوصيات الموسيقية لدولة من الدول التي تربطها علاقات دبلوماسية مع المغرب، فقد كان يزور سفارات الدول بالرباط ويطلب منهم تزويده بأغاني وموسيقى ومعلومات حول التراث الفني لهذه الدول، ويتولى تحرير وكتابة تعاليق حول موسيقى الدولة المعنية، ليقدمها في قالب إذاعي متميز.

كما أشرف على إعداد وتقديم برنامج «أحداث ورجال» البرنامج يسرد الأحداث التي سجلت في مثل ذالك اليوم ثم ينتقل الى سرد الأحداث التي وقعت في ذلك الأسبوع ، استمر عمل محمد العربي المساري بالاذاعة ست سنوات ، حيث اشتغل الى جانب ثلة من الاذاعيين أمثال احمد ريان وعبد الرفيع الجوهري، ومحمد الماجدولي ومحمد برادة ومحمد الطنجاوي ومحمد بنددوش ومحمد التازي وعبد الجبار السحيمي ، هؤلاء وغيرهم ممن تحملوا مسؤولية بناء وتأسيس الاعلام المسموع لمغرب ما بعد الاستقلال.

أصدر الراحل العديد من الكتب، من بينها: «معركتنا ضد الصهيونية والإمبريالية» سنة 1967، و”المغرب/اسبانيا في آخر مواجهة” (1974)، و»الأرض في نضالنا السياسي بعد الاستقلال» (1980)، و»صباح الخير أيتها الديمقراطية» (1985)، و»المغرب بأصوات متعددة» (1996)، و»المغرب ومحيطه» (1998)، و»محمد الخامس: من سلطان إلى ملك» (2009)، و»ابن عبد الكريم الخطابي من القبيلة إلى الوطن» (2012).

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى