سعود السنعوسي: الناقد الذي يملي عليّ ما أكتب ليكتب هو الرواية التي يريدها

الجسرة الثقافية الإلكترونية

المصدر: القدس العربي

قال الروائي سعود السنعوسي في أمسية أقامها المكتب الثقافي المصري في الكويت لمناقشة روايته الجديدة «فئران أمي حصة»: إنه لا يقدم نصا للتسلية والمتعة، بل نصا له رسالة، وبالتالي لا يهتم بأن يوفر نصا مثل هذا للمتعة. وعلق في إجابته عن سؤال حول الهجوم الذي تعرضت له الرواية من بعض النقاد، قائلا إنه لا يهتم إلا بالنقد الذي يتناول النص نفسه، ويبدو نتاج قراءة جادة وحقيقية للعمل، لا بالنقاد الذين يقدمون نقدهم على النوايا.

وأكد أنه لا يهتم ببعض النقد، الذي يبدو وكأنه قراءة لعمل آخر، مضيفا أن بعض من يقوم بالنقد ويقول إن الكاتب عليه أن يفعل كذا، فالأجدر به أن يكتب هو الرواية التي يريدها. وأوضح السنعوسي أن الرواية ليست تنبوءا، بل هي عمل فني يعتمد على الخيال، ويرى أن المقدمات تؤدي إلى نتائج، وأن الرواية تمثل صرخة تحذير للمجتمع لتفادي ما قد تؤدي إليه شواهد الفرقة والتمييز.

وأثار بعض القراء ملاحظات حول استخدام السنعوسي للهجة المحلية الكويتية في الكثير من أجزاء العمل، فأكد أن النص يفرض لغته، وأنه رغم ذلك قدم تفسيرا في السرد لما يتصور انه قد يبدو غريبا للقارئ العربي مثل «قاري»، و«آجار»، وعدد من الأمثلة الشعبية المعروفة في التراث الكويتي. وأشار الكاتب إلى أنه في المجمل ضد الحوار باللهجة المحلية، إلا أنه لم يستطع تنفيذ ذلك لأن الشارع الواحد في الرواية خليط. مبينا أن الرواية كانت باللونين الأبيض والأسود عندما كانت بالفصحى وأول جملة خرجت بالعامية كانت باللهجة المصرية، ومنذ كتابة ودخول اللهجة المحلية صارت هناك ألوان في الرواية وتشابك الحوار في المشهد بين كويتي وفلسطيني وهندي، وأغلب الكلمات الغريبة تعمدت أن يفسر السياق غموضها فالسياق هو المفسر. 

ويندهش الكاتب من تعجب البعض للجوء لخصوصية اللهجة المحلية الكويتية وكيفية استخدامها، مع قبول تفاصيل الروايات اليابانية وغيرها من البلدان التي ابتعدت حتى عن اللهجات العربية.
وفي سؤال الكاتب عن الحزن والمتعة، أوضح أنه لا يملك شرف الإمتاع، فالمتعة مهمة ولكن ليس لها دور أصيل للكاتب، بقدر ما يقدم رؤية جامعة، فالجدة حصة هي جدة للكل بتفاصيلها، وأمي حصة هي أمنا جميعا لأن أصلنا واحد.

 

ورقة نقدية

وبدوره، قدم الروائي المصري إبراهيم فرغلي ورقة نقدية عن رواية «فئران أمي حصة»، مبيناً تطور البناء السردي لدى السنعوسي في روايته الجديدة، من خلال نص مركب يمتد بين زمنين، أولهما زمن واقعي يفترض أنه يحدث الآن، لكن سرعان ما تتجلى للقارئ نبوءة أو محاولة متخيلة لمستقبل قريب هو تقريبا عام 2020، وتتمحور وقائع هذا في يوم واحد تقريبا، أما الزمن الثاني فيتضمن زمنا ماضيا يعود إلى الكويت منذ مطلع الثمانينيات حتى الغزو وما بعده بقليل، ويأتي هذا الزمن الآخر في هيئة نص روائي يفترض أن كاتبه هو الراوي لوقائع اليوم الواحد في كويت 2020، حيث نرى أهوالا وأحداث عنف بالغة، أطرافها معسكران يتجلى لنا أنهما طائفتا السنة والشيعة. «المتطرفون» الذين أغرقوا البلد في ما يبدو حربا أهلية. وأضاف فرغلي: يقدم الراوي الطفل، كتكوت، عبر صوته في رواية الراوي، معادلا لصوت الهوية الكويتية الوطنية. إن الفكرة التي يتبناها هذا النص في الحقيقة تعبر عن اهتمام الرواية الكويتية بأزمة الهوية خلال السنوات الأخيرة، مع تقديم نوع من النقد الذاتي للمجتمع، وهو ما تجلى في عدة أعمال.

وبالعودة لنص الرواية، نجد أنه على الرغم من أن رواية «إرث النار» تبدو رواية سيرة ذاتية فإنها في الوقت نفسه رواية رمزية بامتياز، تؤسس لمفهوم الذاكرة الكويتية عبر عشرات التفاصيل التي تمر عبورا، بينما هي في الحقيقة تبدو كقطع موزاييك صغيرة؛ يحفرها سعود بدقة وتأن، لكنها معا تصنع قطعة مهمة من ذاكرة المكان.

الهوية والتراث

وبين فرغلي أن في رواية «فئران أمي حصة « اهتمام النص بعدد من الرموز، خصوصا في ما يتعلق بالشخصيات، موضحا أن حصة هي نفسها رمز للهوية ومعادل جوهر تراث الكويت ووعيها الثقافي، ذاكرة تاريخ المجتمع، التي تؤكد أن اي مجتمع بلا ذاكرة لا يمكن أن يكون له مستقبل، أو هوية. فهي حافظة التراث، وحاملة القيم الأصيلة التي انبنى عليها المجتمع الكويتي وتطور ونهض، وهي ذاكرة المجتمع أيضا، المجتمع المتماسك الذي مكن دولة صغيرة من البقاء وتكوين خصوصيتها، عبر إصرارها كمجتمع قابل لاحتضان الجاليات العربية وإعلاء شأن القومية العربية، كواحدة من سمات أساسية، تتجلى في ما ينثره كتكوت عن هذا المزيج المتنوع من القوميات المختلفة التي عاشت في الكويت من دون إحساس بالتمييز، إنها الذاكرة والجدار اللذان يتكئ عليهما الجميع الذين أحسوا جميعا بغصة لا نهاية لها برحيلها.

أما الفئران فرأى فرغلي أنها ترمز أيضا إلى فكرة الطاعون أو الوباء، الذي يمكن أن تتسبب في نقله لمجتمع تمثله بيضات مكسورة لا تجد من يحميها بعد أن فقدت راعيها (الذاكرة والتراث ومشاعر الوطنية والمعرفة) . وأضاف: أن فكرة الرواية فكرة عامة في الحقيقة تخص مجتمعات عربية عدة، وربما ليست غريبة أيضا في ظل ما يشهده العالم اليوم من جنون طائفي نيرانه تلتهب حولنا في كل مكان ما يضفي أهمية كبيرة على هذا النص. 
وفتح باب المداخلات مع حضور الأمسية، تساءل أحمد زينهم عن نهاية الرواية وأنها جاءت متشائمة وأن النهايات تبنى على مقدمات وجاء رد السنعوسي، أن أبناء فؤادة ماتوا في الشجار وسقوط مشروع فؤادة هو إشارة إلى أن المشروعات الكبرى لا ترتبط بأشخاص، وللأسف الكثير يظن أن المشروع انتهى، ولكن المشروع لم ينته فالنهاية ليست تشاؤمية وإنما فيها أكثر من تأويل.

وعبرت الصحافية ليلى أحمد عن مدى إعجابها بالرواية واستمتاعها باللعبة الفنية التي تلمح فيها فانتازيا، لأنها تنقل القارئ إلى عالم ثان، كما تحدثت ليلى عن اهتمام السنعوسي بالتفاصيل رغم حجم الرواية وإيقاع الحياة السريع، إلا أنها تجعلنا نتوقف أمام هذه الروايات المهمة التي تعالج الكثير من القضايا، وتكشف الكثير من الحماقات، فالتفاصيل زادت الرواية وعالمها عمقا، في حين أن البعض يرى أن كثرة التفاصيل تشعر القارئ بالملل، ويرى الكاتب أن هذا الأمر لا يزعجه، فهذا ليس أمرا نقديا أبدا، بل أنه يرجع إلى حبه للتفاصيل جدا، وهناك من يهتم بالتفاصيل وآخرون لا يهتمون بذلك. 

وأشادت الناشرة فاطمة بودي بالمبدع الكبير ومنجزه الروائي الذي استطاع أن يثبت حضوره على الساحة العربية والعالمية في الرواية والكلمة المختارة. وبارك الكاتب أشرف عبد الكريم نجاح الرواية وأشاد باسم الرواية والاختيار الذكي للفئران، رغم أنها كائنات ضعيفة، إلا أن لها أثرا فعالاً في الهدم، وهو اختيار يدل على وعي وهمة يحمله تجاه المجتمع خشية على المجتمع، وقد تساءل عن هندسة الرواية والانتقادات التي وجهت للرواية. وتوقف سعود أمام كلمة هندسة، لأن العمل الإبداعي أبعد من ذلك، وإنما الشكل فصل ماض وفصل مستقبل تكتيك مختلف عن ساق البامبو، لأن الشكل كان مهما يدور في زمنين زمن محبب للكاتب وزمن خال من الصورة.

وتساءلت الكاتبة جيهان عبد العزيز عن النظرة التشاؤمية في الرواية، ويرى الكاتب أنه ليس تشاؤماً بقدر ما هو دق ناقوس الخطر منذ الافتتاحية الأولى، إحذروا الفئران الفئران قادمة فهذا الواقع المتشائم لن يتحقق إلا إذا غيرت الواقع، يعني المستقبل دائما هو نتاج الواقع ونتاج الماضي، والماضي لن نستطيع أن نغيره، لكن الواقع المعاش حاليا إذا استمعنا إلى هذا الجرس الذي يدق وإلى ناقوس الخطر فقد نستطيع التغيير وهذا هو الهدف من وجهة نظر الكاتب الذي أكد أنه لا يقدم نصا للتسلية والمتعة، بل نصا له رسالة، وبالتالي لا يهتم بأن يوفر نصا مثل هذه المتعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى