سمات سينما 2016 : حضور ثيمات الحرب والإرهاب والعودة إلى أفلام السيرة الذاتية

عبدالله الساورة
شهد العام المنقضي مجموعة من الأفلام العالمية، التي لاقت الكثير من المتابعة الجماهيرية والنقدية، إضافة إلى حصول أكثرها على جوائز المهرجانات الدولية المهمة.
وبالنظر إلى هذه الأعمال يمكننا استنباط الثيمات العامة التي تميزت بها أفلام عام 2016. بداية من الإنتاج، حيث طغت على غالبيتها الإنتاجات المشتركة بين مجموعة من الدول في طليعتها الولايات المتحدة الأمريكية، مع كل من إنكلترا وإيرلندا وإسبانيا وأستراليا. من ناحية أخرى شهد العام تطوراً لافتاً لسينما بعض الدول، كالسينما الإيرلندية والآسيوية ــ اليابانية والصينية ــ ذلك لطبيعة الموضوعات التي تناولتها هذه السينما والأساليب الإخراجية المُبتكرة التي تميزت بها.
أما السينما العربية فكعادتها خارج السياق، ونجد أن أفلام العام الماضي تميزت من حيث الموضوعات بثيمات الحرب، الإرهاب، التجسس وبمعالجة القضايا الاجتماعية في طليعتها الفقر والبطالة والاستغلال الجنسي للأطفال من طرف رجال الدين. إضافة إلى عودة السينما السيريّة. ومن خلال 25 فيلماً دولياً يمكننا تقصي هذه السمات والأساليب والموضوعات.
أفلام ذات طابع سياسي
يعتبر الفيلم البلغاري «بن شاوول» للمخرج لاسلو نيميز عودة إلى أفلام حكايات محرقة النازي. يعمل «شاوول أوسلندر» وهو سجين هنغاري في إحدى المحارق. يضطر إلى حرق جميع الجثت التي تصل إلى المحرقة، ولكنه يحاول إنقاذ جثة صبي صغير من النيران، ويسعى رفقة حاخام إلى دفنه بشكل لائق. ويسعى شاوول لإنقاذ ما تبقى من جثة ابنه الذي لم يكن يهتم به قط، عندما كان لا يزال على قيد الحياة. كذلك فيلم «المنطقة الرمادية» وفيلم «كابو» وقد عالجا قضية المحرقة اليهودية من قبل النازيين. فيلم سياسي آخر عن رواية ومسرحية «الرجل الذي قتلت» يتحول إلى عمل سينمائي بعنوان «فرانتز»، وهو مقتبس عن فيلم للمخرج الألماني إرنست لوبيتش الذي يحمل عنوان»الندم» (1932)، هنا تدور الأحداث في بلدة ألمانية صغيرة بعد الحرب العالمية الأولى حيث الشابة آنا (بولا بيير)، تذهب يومياً إلى المقبرة حداداً على فقدان صديقها فرانتز، الذي لقي حتفه في معركة في فرنسا. وفي يوم ما تلتقي أدريان (بيار نيني) الشاب الفرنسي الذي ذهب لوضع الزهور على ضريح فرانتز، يلتقي الاثنان حيث تشتعل خلفيات الفقد والموت وعواطف الرحيل وضغائن الحرب. كذلك فيلم ميل جيبسون «حتى الرجل الأخير»، الذي يحكي عن أجواء الحرب العالمية الثانية في اليابان وبالضبط في سنتها الأخيرة 1945، حيث يقوم طبيب عسكري يدعى ديسموند دووس بمحاولة إنقاذ 75 جريحا. وفي الفيلم البريطاني «جواسيس من السماء» لجافين هود، تسعى بطلة الفيلم الكولونيل كاترين باوريل إلى مطاردة مجموعة من الإرهابين الذين يسعون للقيام بعملية انتحارية انطلاقا من نيروبي. وفي مزج البعد السياسي بالاقتصادي يأتي فيلم «الرهان الكبير» للمخرج آدام مكاي، وبطولة براد بيت، حيث يكتشف أربعة أشخاص الأزمة التي ستعصف بالاقتصاد العالمي عام 2008 وقد رفضت البنوك الكبرى ومعها الصحافة والحكومة الاعتراف بكارثة هذا الانهيار.
الواقعية مرّة أخرى
من بين الأفلام الاجتماعية التي تميزت هذه السنة بحضورها الفني القوي الفيلم الإيطالي الفرنسي «وأماه» للمخرج ناني مورتي. يحكي الفيلم عن مارغريتا مخرجة سينمائية تصور فيلما مع ممثل أمريكي مشهور هو باري هوكنز. لكن خارج مدارات التصوير تجدها نفسها في معضلة حقيقية أمام ابنتها المراهقة المتمردة، والمرض العضال الذي تتعرض له والدتها، وعليها أن تواجه هذه المشاكل وما يتطلب عملها من تضحيات. كذلك فيلم «أنا دانييل بلاك» للمخرج الإنكليزي المخضرم كين لوتش، الذي يُدين نظام التقاعد والمساعدة الإجتماعية وعدم جدواه، إدانة صارخة يترجمها موت النجار وسط مبنى التضامن الاجتماعي واتجاه المرأة للسرقة وممارسة البغاء. هو النظام الاجتماعي الفاسد ونتائجه، ودفع الفقراء لارتكاب الأخطاء والتنازل عن إنسانيتهم وكرامتهم، على أمل تجاوز وضعياتهم الاجتماعية والاقتصادية المنهارة. ويأتي فيلم «سبوت لايت» للمخرج توم مكارثي، الذي يناقش قضية الاستغلال الجنسي للأطفال داخل الكنيسة الكاثوليكية، من خلال تحقيق مجموعة من المحققين الصحافيين. نالت الرواية المأخوذ عنها الفيلم جائزة البوليتزر. وحظي فيلم «الغرفة» للمخرج الإيرلندي ليني أبرهام سون بعدة جوائز سينمائية عالمية، إضافة إلى ترشحه لأربع جوائز أوسكار (2016)، وفوزه بجائزة غولدن غلوب عن أفضل دور لبطلة الفيلم بري لارسون التي جسدت دور الأم، حيث يحكي الفيلم عن اغتصاب أم في ريعان شبابها وسجنها صحبة طفلها جاك الذي يبلغ من العمر خمس سنوات، الذي يحتفل بعيد ميلاده بلا شموع في غرفة السجن الضيقة.
الأفلام السيريّة
شهد العام الماضي العودة إلى السينما السيريّة، التي تتناول حياة الشخصيات الشهيرة، التي طبعت تاريخ القرن العشرين وخلفت وراءها صدى وتأثيراً كبيرين في محيطها، سواء في الحقل الأدبي أو الموسيقي أو عالم الاختراعات الإلكترونية. مثال فيلم «شارع الغناء» للمخرج جون كارني وهو إنتاج مشترك إيرلندي/أمريكي/إنكليزي يحكي عن العاصمة الإيرلندية دبلن سنة 1980، حيث الانكماش الاقتصادي يجعل كونور يترك مدرسته والاتجاه إلى تكوين فرقة موسيقية ومحاولة إكسابها شهرة كبيرة رغم الظروف الصعبة المحيطة به، لتتجلى قدرته الكبيرة في إبداع موسيقى الروك. كذلك فيلم «العبقري» للإنكليزي مايكل غروندج، حيث العلاقة بين محرر أدبي ومؤلف روائي، والتباين الحاد بين شخصية كل منهما، وطبيعة عمل المحرر حتى يصبح النص جديرا بالقراءة، من خلال خلفية الثلاثينيات من القرن الماضي، وحالة الكساد الكبير. كذلك الفيلم الروماني «بكالوريا» للمخرج كريستيان نونجيو. وقد حاز جائزة أفضل إخراج في مهرجان «كان» السينمائي دورة 2016. ويحكي قصة طبيب رفقة ابنته التي تستعد لاجتياز امتحانات البكالوريا، يعيش الرجل حياة صعبة ومعقدة، وتورطه في مشكلات تكاد تقضي عليه، ويرى أن في مساعدته لها واجتيازها الامتحان يبدو السبيل الوحيد للخروج من هذه البلده. أيضاً فيلم «ستيف جوبس» إخراج داني بولي. فيلم عن التقنية وعوالم الكمبيوتر واختراع الماكنتوش الذي غير حياة الملايين من البشر. عن رحلة هذا المخترع منذ عام 1984 إلى عام 1989 وهو يقحمنا في قلب الثورة التقنية من وجهة رجل يؤمن بما يفعل.
وأخيراً فيلم «المنبعث» للمخرج أليخاندو غونزاليس، بطولة ليوناردو دي كابريو. ويحكي الفيلم عن تعرض البطل للخيانة من طرف فريقه في وسط غابة، حيث الطقس البارد القاتل. فيستطيع مقاومة الطقس القاسي والقبائل المتناحرة والانتقام لتركه مهجوراً بمفرده مواجهاً الموت.
(القدس العربي)