فوزي الطائي: الرواية العراقية تجاهد ليكون صوتها مسموعاً في ظل فوضى الحرية

الجسرة الثقافية الالكترونية

حميد عقبي: *

المصدر / القدس العربي

 

بمناسبة صدور روايته الجديدة «كان لي قلب» التي تخوض في حدث سياسي أحدت تأثيرات كبيرة في المنطقة العربية وشغل العالم ثم تلته متغيرات سياسية وزوال أنظمة كانت تظن نفسها خالدة إلى الأبد، حدث دخول العراق في الكويت وانعكاسات ذلك على المجتمعين العراقي والكويتي، هو ما عالجه الروائي العراقي فوزي الطائي في روايته.
انتهزنا الفرصة في حوار شيق لنحلق في فضاء الرواية العراقية وهمومها مع ضيفنا الروائي والأكاديمي الطائي وحاولنا الغوص في عالمه الإبداعي والعديد من القضايا المهمة.

■ ماذا أردت القول في روايتك الجديدة «كان لي قلب»، وهل هي مستقاة من حدث حقيقي، هل هي اعتذار للشعب الكويتي؟
□ « كان لي قلب» أرادت أن تقول إن الإنسان قادر على أن ينتصر على الأحزان التي تتسلل إليه من عالمه الخاص ومن محيطه ويضع خطوة أخرى ملؤها الثقة بالنفس لمواصلة مشوار الحياة بعد كل عقبة، والرواية تعالج وتنقب في حدث سياسي خطير حدث بالفعل يوماً ما وانشغل العالم به كلية، ووقف أمامه قلقاً متحيراً وحزيناً، هو مسألة دخول العراق إلى الكويت وخروجه منها، وما رافق ذلك من ملابسات وأحداث ومواقف، ثم ما تلا الانسحاب العراقي من انعكاسات اقتصادية واجتماعية خطيرة على الشعب العراقي، ما زالت تلقي بظلالها القاتمة عليه. أما هل «كان لي قلب» تعد اعتذاراً للشعب الكويتي فأقول لك الاعتذار صنعة سياسية وليست من مهمات الكتابة الأدبية. رغم أن الرواية أنصفت الكويت وأهلنا فيها..
■ يلاحظ أن بعض الكُتاب العرب في المهجر يميلون لرواية السيرة الذاتية لهم، بعضهم يصنع لنفسه هالة مقدسة وتضخيما كبيرا للذات كيف تنظر لهذه الحالة.. كيف تفسرها.. وما دلالاتها؟
□ ليس معيباً أن تكون الرواية عن سيرة ذاتية لأي إنسان، شريطة توفر الدعامات الفنية الأخرى التي تجعل منها عملاً روائياً مقبولاً، والقارئ الفطن لن تفيد معه بلطجة وادعاءات الكاتب، القارئ أذكى من الكاتب ألف مرة. لا يذهب العرف بين الله والناس. ومن يفعل ذلك ينقصه شيء ويريد أن يكمله بهذه الطريقة التي تثير الشفقة، أما دلالاتها حسبما أرى أن أكثر أدبائنا في المهجر يضيع هناك وسط الغربة وتصبح حياته هامشية معقدة وهو بعيد عن بلده يعاني الضياع والحرمان والإقصاء الإجباري والاختياري، فيريد أن يرفع يده من خلال الأمواج العاتية لعل من منقذ على الساحل يراه.
■ إلى أين تسير الرواية العراقية اليوم. وهل تجد الدعم؟
□ كتاب الرواية العراقيون اليوم محدودون بعد رحيل الروائيين الكبار: غائب طعمة فرمان، وفؤاد التكرلي، ومحسن الخفاجي…. الخ، وانزواء عدد منهم بعد ان أثروا المشهد الروائي العراقي بروايات رائعة. عبد الخالق الركابي، علي خيون، عبد الرحمن مجيد الربيعي، محمد خضير، ابتسام عبد الله، ولدينا كتاب مبدعون الآن يواصلون كتابة الرواية بدأب وأناة: أحمد سعدي وميسلون هادي ووارد بدر السالم وسلام حربة الخ.
والرواية العراقية اليوم تجاهد ليكون صوتها مسموعاً، لتلاشي الدعم وضياع الأديب العراقي والعزوف عن سماعه في فوضى الحرية التي كنا بحاجة إليها، حتى إذا أتت لم نستطع أن نلوكها فأصبحت غصة في أفواهنا. الأديب العراقي اليوم في أسوأ زمن يعيش به من عهد كلكامش لحد الآن. أمر محزن، بانتظار فرج. عبث الاستعمار في بلدي وأحاله خراباً. و«داعش» والفساد غربان تنعق في هذا الخراب.
■ في الغرب وأمريكا وبلدان كثيرة تعد الرواية مصدرا خصبا للسينما، في عالمنا العربي تركن في رفوف بإردة لماذا هذه الحالة؟ هل العيب في أسلوب الرواية، أم بسبب تخلف السينما العربية؟
□ بسبب تخلف السينما العربية بالتأكيد، ولا ذنب للرواية، وإلا قل لي كم رواية كبيرة ظهرت لمبدعين عرب وأفادت منها السينما ونجحت في تقديمها للمشاهد في شريط سينمائي؟ الجواب: قليل، إذن كل شيء جميل في بلادنا يضيع، حتى حياة الإنسان نفسها ضائعة وتعاني من الانكسار والمرارات.
■ ما المقلق في كتاباتك.. ومن اين تستقي شخصياتك.. وما الروافد الفكرية والفلسفية؟
□ المقلق في كتاباتي الجرأة في التناول والطرح، كتبت روايتي الأولى «لا نبكي غداً» عن حرب العراق مع إيران بعد زوال نظام الحكم السابق وهو ما لا يقدم عليه كاتب في الوقت الحاضر. ولاقت اقبالاً منقطع النظير، ولحد الآن لم يجرؤ كاتب على أن يخوض في موضوع حساس ومعقد مثل «دخول العراق في الكويت وانعكاسات ذلك على المجتمعين العراقي والكويتي»، مثلما عالجته في روايتي الجديدة «كان لي قلب». الأدب رسالة وأمانة تضيء جوانب الحياة.. وتبقى من شواهد التاريخ.
وشخصياتي في الرواية مستمدة من واقع المجتمع الذي نعيش ويمثلون فئاته وطوائفه وأعماره كافة، وبروافد فكرية متباينة من الإنسان البسيط إلى المثقف الواعي ومن الخادم إلى السيد ومن الفقير إلى الغني.
■ هل تجد الرواية العراقية اهتمام البحث والنقد الأكاديمي؟
□ النقاد الروائيون العراقيون حالياً يعدون على أصابع اليد الواحدة يتقدمهم الناقد ياسين النصير والناقد كمال عبد الرحمن والناقد عبد علي حسن والناقد رشيد هارون، والنقد الأكاديمي للرواية محدود جداً عندنا في العراق.
■ في عصر السرعة والنشر الفيسبوك المعتمد على النصوص السريعة والقصيرة ما مستقبل الرواية العربية.. هل تشعر بأنها مهددة؟
□ لا خوف على الرواية من الفيسبوك وغيره، فاللذة التي يصنعها الكتاب في نفس القارئ، يعجز ان يأتي بمثلها الفيسبوك، لا بديل للكتاب وسيبقى مطلوباً في المستقبل إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
■ هل يجب أن تجدد الرواية العربية في تقنياتها كي تنقذ نفسها من الاندثار وعزوف القراء؟
□ التجديد في الرواية العربية بدأ فعلاً، في المضامين والبناء، وتداخل الزمن والشاعرية، والعزوف عن القراءة يعود إلى حالة الاستلاب التي يعيشها العربي وليس إلى الرواية، الإنسان العربي في أي مكان على أرض العرب يفكر بلقمة العيش أولاً وكيف يصبح في منصب يبجل فيه وتُقَبّل يداه ثانياً.
■ هل فكرت في القارئ وأنت تكتب روايتك؟ ما هي تقنياتك لجذب القراء؟
□ يُكتب العمل الأدبي: رواية، قصة، قصيدة، مقالة للقارئ أولاً وأخيراً، والقارئ يريد بدوره من كاتبه أن يكون صادقاً وهو يقدم له الكلمة الممتعة النافعة الجميلة وهو ما أحرص عليه.
■ شعراء وقصاصون يسارع بعضهم إلى الركض لدخول عالم الرواية لتضاف صفة روائي إليهم، يعد كثيرون هذه الصفة الوصول لمرحلة عمق فكري وفلسفي ما تفسيرك لهذه الظاهرة؟
□ إن كان الشاعر والقاص قادرين على أن يكتبا رواية ناجحة فلا بأس في ذلك وهنيئاً لهما اكتساب صفة الروائي، وهي بالفعل تشكل عمقاً فكرياً وفلسفياً خلاقاً. باب الإبداع واسع ولا يجب أن يوصد بوجه أحد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى