في المعرض السادس للنحات العراقي محمد ناصر الزبيدي: «رموز الديانات» محاولة للولوج إلى الروح بعد العنف الذي أظهره معتنقوها

الجسرة الثقافية الالكترونية
*صفاء ذياب
المصدر / القدس العربي
كيف يمكن أن يتحول رمز ديني إلى عمل فني؟ وما الذي فعله المتدينون الأوائل لكي يقدموه كتعبير عن هذه الديانة أو تلك؟ ربما يبرز هذان السؤالان وغيرهما بعد زيارة للمعرض السادس للنحات محمد ناصر الزبيدي في مدينة البصرة، الذي سماه «رمز الديانات»، فقد قدَّم الزبيدي أكثر من 50 عملاً نحتياً انقسمت بين رموز مباشرة للديانات الإسلامية والمسيحية والصابئية والإيزيدية، وأعمال فنية استلهمت روح تلك الديانات، أو بحثت عن الإنسان داخلها، وهو ما قد يعبر عن رؤية فنية متميزة لهذا الإنسان وسط صراعه مع المعتقد أولاً، ومع الطبيعة وتحولاتها ثانياً.
ربما لو لم تدخل تلك الديانات إلى مناطق حرجة بسبب الظروف التي يمر بها معتنقوها على يد بعض الجماعات الإرهابية من جهة، وما يعرف بـ»داعش» من جهة أخرى لم يكن لهذا المعرض أن يكون، لكن بعد تدمير «داعش» للمراقد والجوامع الدينية في الموصل وسهل نينوى وغيرها من المدن العراقية وتدمير البنى التحتية لهذه المدن، واختطاف نساء مسيحيات وإيزيديات كجوارٍ وقتل الأطفال واستباحة دماء معتنقي تلك الديانات، كل هذا جعل من الزبيدي يفكر بمعرض يمكن أن يدافع عن الإنسان وتحولاته وسط تلك الصراعات.
البحث عن الروح
الفنان الزبيدي يقول إن المعرض ينم عن رموز قدمتها الديانات منذ بداية تشكلها، فاختار منها رموزاً للإسلام والمسيحية والصابئة والإيزيدية، إضافة إلى جدارية تلم كل ما مر من دمار على العراق.
والإنسان الذي التفت عليه الخيوط من كل جانب يمثل الإنسان داخل كل هذه الديانات.
مبيناً أن فكرة المعرض كانت للالتفات للديانات التي تعد أقلية في العراق، عاشوا منذ زمن طويل في هذا البلد وكانوا يتمتعون بكل صفات الإنسانية، وكانوا متحابين ومتآلفين معنا.
«لهذا التفاتة مني ومحبة بهذه الديانات، وإيماناً مني بأن الإنسان المسلم وغير المسلم يجب أن يحترم الآخر؛ لا على أساس شكله أو لونه أو عقيدته، بل على أساس إنسانيته، فهو إنسان كما أي شخص آخر، لهذا يجب أن نتعامل مع المكونات الدينية جميعاً بحب».
وعن الأسباب التي دعته لإقامة معرضه في ظل الظرف الراهن، وإذا كان قد تأثر بالأحداث التي مرت؟ أكد الزبيدي أن الفنان يؤثر ويتأثر، فـ»أنا أعيش في هذه الأجواء وتمر عليّ الأحداث السيئة كل لحظة، فينتابني شيء من الرعب وعدم الطمأنينة، وربما ما حدث لأهلنا في الموصل وإخواننا الإيزيديين والشبك وغيرهم سيحدث لي شخصياً، انطلاقاً من هذا المبدأ اشتغلت على هذا المعرض».
الزبيدي أشار إلى أنه استخدم الألوان الزيتية في منحوتاته للمرة الأولى بعد خمسة معارض سابقة، وقد جاء استخدامه للألوان نزولاً عند رغبة هذه الأقليات الذين لم يعتادوا على أن يروا رمزهم مجرد قطعة خشبية مدهونة بأصباغ الخشب، وإذا لم تلون لن تقترب لذاكرتهم الجمعية. مبيناً أنه يبدأ منحوتته على أساس شكل وفي بعض الأحيان يبحث عن الجوهر لإكمالها. «أما روح الرمز فاشتغلتها على أساس مفاهيمي ومرجعياتي وقراءاتي في الفن، لم أذهب للأكاديمية، بل حاولت أن أكون كلاسيكياً قريباً لأجواء تلك المكونات العراقية».
وفيما إذا كانت هناك تخطيطات مسبقة لتلك المنحوتات، ومن ثمَّ سكيجات ينطلق منها ليبدأ بالحفر على الخشب؟ بيَّن الزبيدي أنه لا يوجد أي تخطيط مسبق لأي عمل فني، الأشياء تأتي بالسليقة، في بعض الأحيان نخطط الكثير من السكيجات لكنها تهمل في النهاية، وربما نعمل على سكيج معين وعند التنفيذ يأخذ مديات أخرى، الفكرة تبدأ بداخل عقل الفنان بشكل هلامي ترقص في الفضاء، ومن ثمَّ توضع على الورق، لتتحول من الهلامية إلى المادية، ومن ثمَّ تدخل عليها مراحل كثيرة من التهذيب والشطب والحذف والإضافة، لتأتي في النهاية عملية الإنجاز…
المعرض بعيون آخرين
يرى الفنان ياسر البراك أن فكرة المعرض في هذا الظرف بالذات فكرة مهمة، لأن المشكلة الآن في العراق مشكلة دين، وهذا الدين يتمثل بشقين: صراع على السلطة وصراع على الثروة والمال، يتلبس بهوية الدين، وبالتالي فإن الفن عندما يدخل إلى هذا الفضاء فلا بد أن يقول شيئاً جديداً مختلفاً عما يقال الآن، خاصة على مستوى الخطاب السياسي والديني، ومن ثمَّ فإن أي فنان عندما يقتحم هذا الفضاء لا بد أن يكون أمام خيارين: الأول أن يقدم الرموز كما هي بوصفها إيقونات، وهذه تعبر أو ترمز للديانات المتعددة في العراق، أو يسعى لإيجاد رؤية خاصة به في محاولة لما نسميه بتثوير الرمز من الداخل.
ويعتقد أن هذا المعرض واحد من المعارض التي تعاني لما يسمى بالقلق الأسلوبي، بمعنى أن الفنان يريد أن يكتشف ذاته قبل أن يكتشف واقعه من خلال المنحوتات التي يقدمها في هذا المعرض.
يمكن أن نصف المعرض بمعرضين وليس واحداً، الشكل الأول هو الرموز الدينية المنتشرة فيه.
البراك يرى أن هناك ازدواجية في النظر لهذا الموضوع، أولاً نرى في بعض المنحوتات مستوى عاليا من التجديد، ونرى الآخر واقعيا يصل إلى المباشرة، وربما يعدّ هذا جزءاً من قلق الفنان نفسه إزاء ما يمكن أن يقدمه، لكن عموماً هناك احترافية في التعامل مع خامة الخشب، على اعتبار أن الفنان يحاول أن يتعامل معها ويطوعها، من أجل خلق أشكال يعتقد هو أنها يمكن أن تؤثر في الجمهور وتسهم في التعبير عن قدراته الفنية. ويؤكد البراك أن المعرض إسهامة مهمة في هذا الوقت، خصوصاً أن البصرة تشهد جذباً كبيراً في ميدان النحت.
من جانبه أشار الفنان رعد عبد الرحمن إلى أن الزبيدي اختار جزأين في المعرض، في الأول وضع رمزاً لكل ديانة، وهذا لا يعد عملاً فنياً بحدِّ ذاته، بل وضعه للتآلف الموجود في المجتمع العراقي. الجزء الثاني من المعرض كان موضع الإبداع للفنان، فتقرأ فيه هموم بصرية وعراقية وأشكال جمالية، تمكن من تطويع مادة الخشب لإنجاز هذه الأعمال.
أما الشاعر واثق غازي فيرى أن هناك تبايناً بين الجدة والعفوية في تشخيص القاعدة البصرية، فهناك نشاز في بعض القواعد، ورقي في قواعد أخرى. أما معرفة الرمز كشكل، فكان عليه أن يذهب إلى معرفة الدين، فقد ذهب الفنان إلى المعرفة الشكلية للدين وليس للمعرفة الروحية، فلم نجد في هذه الرموز ما يدل على روحية الرمز، بل كان شكلاً فقط، وهذا يتساوق مع الآيديولوجية القائمة التي تفهم رموز الديانات كمادة للتداول العام وليس روحية، فابتعد عما هو روحي واقترب أكثر لما هو شكلي.
مضيفاً: في بعض المنحوتات كانت هناك حرفية وتقنية عالية، وفي الكثير منها كانت دون المستوى، مثلاً في منحوتة الكرسي، كان هناك تسلسل زمني للصراع على السلطة اشتغلها الفنان بحرفية وتقنيات عالية جداً، أما في أعمال أخرى فكانت ثيمتها الانحناءات، التي هي أصلاً وليدة الطبيعة، فلا تجد شكلاً جديداً في هذه الأعمال…