في انتظار الجوائز… رواة الرعب في مصر يؤكدون جماهيرية كتاباتهم

عبد السلام الشبلي
شهد العِقْدان الأخيران من القرن الماضي بدايةَ ظهور أدب الرعب في مصر، وقد اقترن ذلك بظهور سلسلة «ما وراء الطبيعة» للكاتب «أحمد خالد توفيق» الذي جعل بطلَه «رفعت إسماعيل» يروي في برنامج إذاعي متخيل بعنوان «بعد منتصف الليل» جميعَ ذكرياته عمّا عايشه من خوارق طبيعية خلال مباشرته لمهنة الطبّ. وقد عرفت رواية الرعب المصرية في السنوات الأخيرة انتشارا لافتا للنظر جعل معرفة آليات صناعة هذا النوع الأدبيّ ضرورة ملحة، خصوصا مع استئثاره بآلاف القراء من الشبّان المصريين سواء من الذين يبحثون عن المتعة والتشويق أو مِمّن يحاولون تأكيد شجاعتهم وتحدّيهم للإثارة التي تُحدِثها فيهم قراءة هذا النوع من الأدب. وقد تحدّثت القدس العربي – في سعي منها إلى استجلاء أسرار انتشار رواية الرعب في مصر- مع مجموعة من المبدعين ذوي الصلة بهذا النوع الأدبي، حيث بيّن بعضُهم أنّ الإقبال على هذه النوعية من الكتابة إنما هو يعود بالأساس إلى صبغتها التجارية التي جعلت منها «موضة» أدبية قد لا تُعمِّر طويلا، وكشف بعضهم الآخر عن أنّ هذا الأدب استقطب إليه جمهورًا من القرّاء يستوجب الاعتراف به، واحترام اختياراته الأدبية.
بين المازوخية والشجاعة
يعتقد الروائي المصري محمود علام أن سر انتشار روايات الرعب بين القراء، وخاصة منهم القرّاء الشباب، يعود إلى نهوض تلك الروايات على نزعة مازوخية لتعذيب الذات، والسعي إلى بلوغ الإثارة والتشويق في أقصى حدودهما، وهو ما يبحث عنه القارئ الشاب في هذه الأيام.
ويذهب الروائي أيمن العايدي إلى القول إنّ روايات الرعب تُحرّك في القرّاء الشباب نزوعَهم إلى الشجاعة، وتمثّل قراءتُها بالنسبة إليهم تمرينا على تحدّيهم ذواتهم، ومحاولة إخافة النفس. ويشير إلى أن حجم الإثارة والغموض في هذا النوع الأدبيّ، وتقديمه معطيات تحتاج إلى تفسير، ناهيك عن جذبه انتباهَ القارئ الذي يبحث لا إراديا عن حلول لما في تلك المحكيات من ألغاز، إنما هي عناصر تجتمع لتصنع جمالية النص المرعب، خصوصا إذا كانت تلك الحلول عكس ما يقدمها الكاتب في النهاية، وهو ما يزيد من منسوب الإثارة لدى قارئ يخال نفسه جزءا من القصة التي يقرؤها.
الهروب من الواقع
تعتبر الروائية المصرية صفاء العجماوي أنّ إن رواية الرعب هي هروب من الواقع عبر سرد أحداث غير حقيقية مستوحاة من الخيال، تمنح كاتبها وقارئها -على حد سواء- مجالا لتفريغ الطاقات السلبية، وشحنات الغضب التي فيهما، ليعود كلّ واحد منهما إلى حياته العادية أكثر تقبلا لظروفها. وتؤكّد صفاء العجماوي أن روايات الرعب تتيح لقارئها إمكانية تقمص دور البطولة بما يمنحه قدرات خاصة لفعل ما لا يمكنه فعله في الواقع، مشيرة إلى أن كثيرا ما يتقمص القارئ دور الكاتب أيضا، ويعدل عن النص الأصلي في أوقات كثيرة. كما أن جمهور الرعب أصبح كبيرا جدا في مصر، وجلُّه من الشباب والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 -25 عاما، وأغلبهم لا يقرأ إلا رعبا متعمِّدا ذلك نظرا لما يقدمه له من إشباع رغباته السادية العنيفة الناتجة عن تنامي العنف المفرط ومشاهد التعذيب والقتل التي تذيعها محطات التلفزة، إضافة إلى المسلسلات التي تقدم أدوار البلجطة، والأفلام التي تحمل عنفا غير مبرر، هذا فضلا عن ألعاب العنف التي هَوِسَ الشباب بممارستها عبر الهاتف والحاسوب.
تقليد وسرقة
لا تنكر الروائية المصرية منال عبد الحميد، المتخصصة في أدب الرعب، وجود العديد من روايات الرعب المأخوذة من أفلام وروايات أجنبية بطرق غير شرعية، إلا أنها تحاول التفريق بين رواية أخذ كاتبها فكرة معينة من أثر روائي أو سينمائي وعمل عليها بشكل جديد ومختلف، وهنا لا يمكن الحديث عن السرقة على حدّ رأيها، وبين روايات أخرى يتم سرقتها بشـــــكل كامل دون وجه حق. وفي الشأن ذاته لا تشكّ الكاتبة صفاء العجماوي في وجود عشرات السرقات لجهود الآخرين وأعمالهم وتحويلها من قبل بعض الكتّاب إلى روايات أصبحت معروفة في السوق من خلال اعتلائها قوائمَ «الأعلى مبيعا»، وهذا لا يمنع وجودَ أعمال أصيلة، هي من بنات أفكار كُتّابها.
أما الروائي المصري عمرو المنوفي، صاحب رواية «شمس المعارف»، فيؤمن بأن كل الأفكار تمت كتابتها ولا توجد فكرة أصيلة، ويُشير إلى أن الاختلاف يكون دوما بمعالجة الفكرة وطريقة تقديمها للقارئ، مؤكدا في الوقت نفسه أن البعض يقع فعلا في فخ التغريب وتقليد ما هو أجنبي، خصوصا أن روايات الرعب في هذه الأيام لم تعد تقتصر على الجان والعفاريت وإنما أصبحت مرتبطة بالتكنولوجيا والأسلحة المحرمة دوليا والجينات وغيرها من أساليب الإثارة، ولو قدمت تلك الأفكار بطريقة مناسبة فلن تكون سرقة بل تصير أعمالا ممتدة بفكرة واحدة ومعالجة مختلفة.
تجارية أم جماهيرية
لا يرى الكاتب المصري الشاب عماد الدين عدوي الذي صدرت روايته التاريخية «أرض الموحدين» بداية هذا العام أن روايات الرعب تتعدى حيّز التجارية في تصنيفها، معتبرا أن معظمها لا يحمل أي قيمة أو مضامين أدبية أو إنسانية، كما أن القليل منها هادف ووجيه، يمكن أن يكون له حضورٌ بين الأنواع الروائية الأخرى. أمّا منال عبد الحميد فتؤكد أن كاتب الرعب، إن أراد أن يخرج بمروياته من صفة «الكتابة التجارية» فعليه أن يقدم فيها مضامين جديدة، وأفكارا ذات إبداع وابتكار تكسر حالة الاستهلاك التي تعيشها معظم روايات الرعب الحالية، هذا فضلا عن ضرورة الابتعاد عن القص واللصق والرعب السادي غير المبرر والأحداث التي لا تمنح أي قيمة للعمل، إضافة إلى الأفكار الطفولية التي تثير السخرية بدلا من الرعب الحقيقي المرجو من هذه الأعمال.
ويتحفظ عمرو المنوفي على عبارة «الكتابة التجارية» داعيا إلى ضرورة تبديلها إلى «كتابة جماهــيرية»، مؤكدا أنّ طرفيْ معادلة أدب الرعب ـ وهما الكاتب والجمهور ـ مخلصان لهذا النوع من الأدب. وأن على الكاتب أن يحاول دوما كتابة ما يتلاءم مع العصر ليستطيع تكوين جمهور جديد، لأن خسارة الجمهور هي بداية النهاية لأي شيء وبالتالي فإنه من الضروري أن تتغير نظرتنا لأدب الرعب وأن يكون هناك إدراك لما يبذله كتابه من مجهود خيالي واسع، وعندها فقط يمكن أن تتغير طرائق تقويم هذا النوع من الكتابة.
في انتظار الجوائز
يقارن الروائي المصري محمود علام بعض الأعمال المصرية في أدب الرّعب بأعمال عالمية دخلت في إطار روايات الجوائز مثل صمت الحملان والتنين الأحمر لتوماس هاريس وطارد الأرواح لوليم بيتر بلاتي، معتقدا أن هناك العديد من روايات الرعب المصرية صارت تستحق الدخول في قوائم الجوائز مشيرا في الوقت نفسه إلى أن ظلما نقديا تتعرض له هذه الأعمال رغم استحقاقها الثناء والتقدير. ومن جهته يراهن عمرو المنوفي على أن الوقت كفيل بأن يُحوّل أدب الرعب إلى أدب يستأهل الجوائز، قائلا إن الكثيرين قد اعتقدوا أن هذا النوع من الأدب هو «موضة « ستنتهي قريبا، غير أنّ المجهود الذي بذله العديد من الكتاب أدى إلى تثبيت أقدام رواية الرعب في المشهد الأدبي، وهو ما سيجبر النقاد قريبا على احترامها والتحدث عن أقلامها الناجحة، ليكون لها في الوقت القريب جوائز تعادل الجوائز الأدبية الخاصة بروايات الرعب في الغرب.
(القدس العربي)