في رحيل محمد وفيق: النجومية بعيدا عن البطولة المطلقة

الجسرة الثقافية الالكترونية

المصدر / القدس العربي

 في مسلسل «عصر الحب» المأخوذ عن رواية الأديب الكبير نجيب محفوظ كان الاكتشاف الحقيقي للفنان الراحل محمد وفيق فقد قدم شخصية «عزت» ابن الست عين الفنانة القديرة «سميحة أيوب» وهو شاب مدلل يتسم بالأنانية وحب الذات ويهوي المشرح والتمثيل كانت المباراة في هذا المسلسل بين صلاح السعدني ورغدة والراحل الكبير على أشدها فجميعهم يدركون قيمة العمل وطبيعة الأدوار ويعرفون تماما أهمية رواية « عصر الحب « كواحدة من الأعمال الأدبية الفارقة فهي وثيقة دالة على عصر ومرحلة وشخوص.
من هذا الدور ارتبط محمد وفيق بشخصية الأناني والانتهازي ورجل الصفقات فهي الملامح الأصعب في الأداء والتعبير خاصة إذا كان الممثل في طبيعته الشخصية على النقيض من هذه الصفات ولهذه المفارقة بين الطبيعة الشخصية والدور كان التمكن عنوان الأداء ليس في مسلسل « عصر الحب « فحسب ولكن في الأعمال التي جاءت بعده أيضا وحملت السمات نفسها مثل « أبو العلا البشري» على سبيل المثال إذا كاد محمد وفيق أن يكون هو ذلك الشقيق الأكبر الذي يزوج أمه للبشري وأخته لرجل الأعمال المسن نظيم شعراوي من أجل الثراء ولا يتورع من مناقشة أحلامه ومشروعاته المستقبلية المترتبة على صفقات الزواج أو المقايضة أو البيع بكل جرأة كأن ما يفعله عمل مشروع لا غضاضة فيه إلي هذا الحد كانت درجة الإتقان والصدق في أداء الممثل القدير الذي جسد نمطا إنسانيا يعيش بيننا.
في مسلسل «رأفت الهجان» كان الوجه الأخر للفنان ضابط المخابرات «عزيز الجبالي» المكلف بإعداد العميل المصري وتجهيزه ليكون لائقا بالمهمة الشاقة والخطرة ينجح الرجل في اكتساب ثقة رأفت الهجان عن بعد فهو لم يره وجها لوجه ولكنه أتم مهمته وأقام ذلك الجسر الإنساني بينه وبين شخص لا يعرفه من خلال وسيط أخر هو الضابط محسن ممتاز «يوسف شعبان» الذي تولي التعامل مباشرة مع رأفت كان ظهور الفنان الراحل محمد وفيق قيلا في الحلقات وربما اقتصر على الجزء الأول فقط في مقابلاته مع فراو سمحون زوجة الهجان بعد وفاته « يسرا « ومع ذك كانت إطلالته القليلة مؤثرة للغاية فهي حجر الزاوية لمسيرة البطل الكاملة وبفضل رصانة محمد وفيق أداء وفنا بات دوره علامة مهمة جديرة بالذكر والتحليل وبالطبع لم يكن هذا هو العمل الوحيد وإنما جاء ضمن مسلسلات كثيرة قدمها وحظيت بالاهتمام البالغ يحضرنا منها بوابة الحلواني فهو العمل التاريخي الأشهر الذي اكسبه شهرة وساهم في انتشاره عي نطاق واسع وقد ساعده في ذلك إجادته للغة العربية ونطقه السليم لها كمتمرس ومدقق في مخارج الألفاظ والإعراب فلا ينصب مرفوعا لا يرفع منصوبا.
وبالقطع لم تكن الدراما التليفزيونية ملعب محمد وفيق الوحيد فمن قبلها كان المسرح صاحب الفضل الأكبر في تكوينه الفني والتزامه ووضح عباراته وسماته ومن بعدها جاءت السينما بتأثيرها الطاغي فتحول إليها بتوازن ومسؤولية وقدم من خلالها ما يناسبه من أفلام كان أبرزها عصفور الشرق وامرأة آيلة للسقوط ومجرم مع مرتبة الشرف وحب تحت المطر ولا شئ يهم والرسالة وقضية سميحة بدران ورغم تعدد النماذج والشخصيات والموضوعات إلا أن أدوار معينة هي التي ظلت راسخة في الأذهان لعل أميزها دوره في «الهروب» حيث قدم صورة سلبية لضابط أمن الدولة العنيد الشرس المقابلة لشخصية الضابط الأخر التي جسدها الفنان عبد العزيز مخيون والمناقضة تماما في صفاتها وخصالها وتكوينها الإنساني .
قدم الراحل صورة الضابط باقتدار مع الفنان أحمد زكي وأغلق مشهد النهاية عليهما سويا إذ لقيا مصرعهما فكان الثمن مزدوجا لمن خرج على القانون ومن تجاوزه باستغلال السلطة والنفوذ وهي النهاية التي رأى المخرج الراحل عاطف الطيب أنها مناسبة.
أما في فيلم «سعد اليتيم» فكان الأمر مختلفا هو الرجل الطيب المتقي المناهض لشقيقه الأكبر محمود مري الفتوة المستبد يلقي مصرعه ويذهب ضحية الجهل والبطش وهي صورة مغايرة وبعيدة كل البعد عما سبق ذكره من ادوار الانتهازي او الشرير أو ما شابه مثل تنوع محمد وفيق عمقا وقدرة على التقمص فليس الخروج السلس من شخصية والدخول في شخصية أخري سوي الدليل علي الموهبة والوعي بإبعاد ما يسند إليه من ادوار.
قدم الفنان أيضا على مستوي مختلف من الإجادة والإبداع أعمالا إذاعية استخدم فيها قدراته الصوتية بطبقات متباينة حيث اعتمد في نقل الشخصية للمستمع بتفاصيلها وانفعالاتها على الإحساس المرهف بها وتجاوبه معها بصوته ووجدانه فنجح كما نجح في التليفزيون والسينما ولذات الصلة بين التمثيل الإذاعي والإلقاء ساهم في تقديم أسماء الله الحسنى عبر الشاشة والميكروفون مع الفنانة مديحه المصري وأشرف عبد الغفور وسميرة عبد العزيز وذلك لما يتمتع به صوته من الإحساس بالخشوع أو إشعار المشاهد والمستمع به وهو ما يؤكد أنه كان موصلا جيدا للمشاعر والأحاسيس على اختلاف نوعياتها .
عاش الفنان الكبير محمد وفيق 66 عاما حافلة بالنجاحات والتجارب فقد قضى منها نحو 40 عاما باحثا عن المتميز والمؤثر والهادف من أشكال الفن وسائطه المتعددة ترافقه المشوار والرحلة زوجته الفنانة كوثر العسال التي كانت تؤمن به وتشاطره الحياة الفنية بحلوها ومرها ولها ذات المزاج الإبداعي والموهبة التمثيلية.
رحل الفنان وبقيت الذكري والإبداعات الجميلة كنزا لا يفنى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى