كاظم النصار: المسرح العراقي ظلَّ انعكاساً صارخاً للمشهد السياسي

الجسرة الثقافية الالكترونية

*صفاء ذياب

المصدر / القدس العربي

عرف المخرج المسرحي العراقي كاظم النصار بمشاكساته التي لا تتوقف على خشبة المسرح، تلك المشاكسات التي قدمت أعمالاً مهمة على مستوى المسرح العراقي أو العربي، فهو يرفض أن يوضع داخل قالب أو نمط مسرحي جاهز، فمنذ دخوله أكاديمية الفنون الجميلة، أنجز عدداً من الأعمال، منذ أن كان طالباً فيها، مثل «حياة مدجنة» المأخوذة عن رواية «ولم يقل كلمة» للكاتب الألماني هاينرشبل، وقد كانت من إعداد الشاعر والناقد عبد الخالق كيطان، وهي المسرحية التي حازت أربع جوائز تقديرية في مهرجان منتدى المسرح عام 1993، ليقدم بعدها بعام واحد مسرحية «أمام الباب»، التي فازت حينها بسبع جوائز، ومسرحية «عائلة كوك»…
كانت الحرب وموضوعاتها الهم الأكبر لدى كاظم النصار، فبعد أن أخرج مسرحيته الشهيرة «عرس الدم» للوركا، توالت العروض المسرحية المهمة، إذ عرض عام 1996 مسرحية «جزرة وسطية»، وهي من تأليف الشاعر خالد مطلك، وأخرج عام 1997 مسرحية «بستان الكرز» للكاتب الروسي انطوان تشيخوف، ثم مسرحية «السحب ترنو إليّ» التي قدمها النصار في مهرجان الأردن المسرحي ونالت جائزة أفضل عمل مسرحي.
وعلى الرغم من التحولات التي مرَّت على المسرح العراقي منذ تسعينيات القرن الماضي حتى الآن، وتوجه الكثير من المخرجين والفنانين للمسرح التجاري، الذي كان يعد منجماً للراغب بالمال، إلا أن النصار بقي محافظاً على توجهاته الإبداعية، فأنجز خلال العشر سنوات الماضية أعمالاً مهمة، منها «مطر صيف، و(ن)» وهي تتحدث عن محنة المسيحيين بعد دخول «داعش» للموصل، وأخيراً مسرحيته «أحلام كارتون»..
عن المسرح وتحولاته في العراق، كان لنا هذا الحوار معه:
■ منذ أول عمل أخرجته وصولاً إلى أعمالك الأخيرة، ما هي أهم التحولات التي طرأت على تجربتك المسرحية؟
□ مشروعي بدأ بحياة ما بعد الحرب، وهو مشروع أنجزت من خلاله أكثر من عرض وتجربة، أشرت إلى التغيرات التي طرأت على الفرد العراقي بعد الحرب والحصار، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، لكن التحول الأهم هو ما حدث لبلادنا بعد عام 2003 من زلزال أرخى بظلال ثقيلة على تجربتي، إذ انتبهنا إلى أننا بحاجة إلى خريطة طريق مسرحية جديدة بعد هذا المتغير الاستثنائي، وصرنا نفحص ملفات مسكوتاً عنها سابقاً، مثل الهجرة والديكتاتورية والقمع والاستبداد والعنف والإرهاب والاغتيال والإقصاء السياسي وغيرها من ملفات، ولكن من دون التنازل عن الشرط الفني والجمالي. وباعتقادي أن فكرة المثقف التقني قد تراجعت عندي لصالح المثقف الشريك، الذي يصنع الرأي العام ويحرض على الجمال ويفحص أزمات بلاده، ولكن المهم الانحياز لطرف دون آخر، فالفنان مواطن عابر للقارات والطوائف هكذا افترض… المهم أن التحول هذا هو الجديد على تجربتي وقدمت من خلاله «كونشرتو» و»خارج التغطية» و»نساء في الحرب»، ومسرحية «مطر صيف»، وغيرها الكثير.
■ حاولت منذ بداياتك الاستفادة من المناهج النقدية الحديثة في بناء النص إخراجياً، إلى أي مدى تمكنت من تطويع هذه المناهج؟
□ المناهج تتسلل إلى ثقافتنا العرضية إذا جاز التعبير من دون أن نقصد ذلك. وأنا وريث المدرسة البصرية والمعمار الجمالي التي ركز عليها وتبناها إبراهيم جلال وصلاح القصب وكل الجماليين العراقيين، وطبعا غادرنا المساطر النقدية الانطباعية والعرض الذي يتطابق فيه الدال مع المدلول… صرنا ننظر للعرض على أنه ابتكار مشهدي ورؤيوي صعب وليس هناك من شيء غير منظم ومنضبط على الخشبة، وهذا صعَّب من مهمتنا. وفوق ذلك لم تؤخذ تجربتنا وسط عاصفة المسرح الاستهلاكي والتقليدي، ولم تأخذ حقها في الظهور وفي المشاركة الواسعة، على الرغم من اشتغالنا الذي لم يتوقف، غير أن المسرح التجاري في تسعينيات القرن الماضي وتوجهات الجولة حينها، حال دون أن نكون في المقدمة، وأن نقدم أعمالنا لجمهور واسع… لكننا وعلى الرغم من هذا الإهمال استفدنا من كل التيارات الطليعية نقداً وعرضاً، حتى وصلنا إلى الوقت الحالي الذي نستطيع فيه أن نقدم العروض التي لا يمكن أن نتنازل فيها عن الجمالي والقيمي في الوقت نفسه.
■ مر المسرح العراقي بعدة مراحل من بداياته وحتى الآن، كيف يمكن أن نقيم هذا المسرح بعد كل هذه التحولات؟
□ عمر المسرح العراقي أكثر من 130 عاماً، اقصد المسرح المعاصر، وأهم مرحلة نشاطاً ومناخاً، بتقديري هي مرحلة السبعينيات، لكن مرحلة الثمانينيات هي لحظة الحداثة والقطيعة مع الماضي، فظهرت عروض استمرت حتى التسعينيات مسكت السر التحديثي وغادرت الأساليب التقليدية في العرض المسرحي… من جانب آخر ظل المسرح العراقي انعكاساً صارخاً للمشهد السياسي، فالنظام السابق ألغى بشكل أو بآخر تطور الفرق الأهلية وأهميتها، وتصرَّف على أساس تقوية الفرقة القومية وفتح فروعاً لها في المحافظات لتكون بديلاً عن هذه الفرق التي كانت أغلب أعمالها مدعومة من اليسار، وهذه المرحلة من أصعب المراحل من ناحية قوة الرقيب، ولكن المرحلة الأهم، التي ما زالت قيد البحث والدراسة هي المرحلة الحالية بعد عام 2003، وأعتقد أننا لم ننتج ما يوازي هذا الزلزال إلا ما ندر بعد مرور أكثر من عقد كامل على هذا التغيير.
■ ما زال المسرح الجاد مسرح نخبة فقط، كيف يمكن أن نجعل منه مسرحاً جماهيرياً؟
□ ليس هناك مسرح للجماهير، هناك مسرح للمتلقين، هناك من يدعو لأن يكون جمهور المسرح مثل جمهور كرة القدم وهذا طموح غير واقعي… المسرح مثل الاوركسترا ومثل الفن التشكيلي لا يفهمه الجميع… والفترة الماضية كرست جمهوراً لا يعرف سوى العروض الاستهلاكية المنتشرة في العاصمة. وأعتقد أننا نحتاج إلى خطط استراتيجية لتغيير المعادلة لصالح المسرح الملتزم على مدى عشرات السنين…. المهم أن هناك محاولات لتجسير الهوة بيننا وبين المتلقي بإشاعة عروض تقترب من محنة الناس وحتى لهجتهم وهي ما زالت قيد العروض القليلة، لكنه مع هذا طموح مشروع ومهم أيضاً في الوقت الحالي.
■ بين النص المسرحي المكتوب والنص الممثل على الخشبة كيف يتحرك كاظم النصار؟
□ أعتقد أن المخرج هو مؤلف ثانٍ للعرض، وهو يقدم رؤية مضافة ومختلفة عن النص إلا ما ندر، والعرض له نظامه ورسالته وأنا أتحرك كأمين سر لهذه الرسالة، مرة كدراماتورجي ومرة كمراقب جمالي ومرة كصانع حركة مختلفة ومشهد بصري متحرك ومغاير… الأهم كيف أدخل عكسياً لتوقعات المتلقي لا بمعنى اللعب المحض، وإنما الجمال العرضي أنا أهتم بالبيئة واهتم بالمنطوق المتقدم الساخن وأهتم بالقوة الأدائية للممثلين، كذلك أضع نفسي متلقياً أوَّلَ للعرض لأفهم إلى أين نحن ذاهبون.
■ كيف تقيم المسرح العراقي عربياً وعالمياً، هل استطاع ان يؤكد حضوره بعد تجارب عديدة لمخرجين عراقيين في الداخل والخارج؟
□ المسرح العراقي في المقدمة إلى جانب المسرح التونسي وبعض العروض العربية، لكن أزمة المسرح أننا بلا خطط وبلا استراتيجيات بسبب ضعف التمويل وضعف البنى التحتية وعدم وجود رؤية ثقافية واضحة، وهذا مقلق لمستقبل المسرح العراقي، ناهيك عن أزمة الحريات التي يمكن أن تؤثر على الناس وتلقيهم وحضورهم وقبولهم ورفضهم لرسالات العروض ومرجعياتها… حتى الآن وضعنا أفضل من الدول التي اجتاحها ما سمي بالربيع العربي، إذ لم نشهد أحداً يتصدى لنا بالقنابل والساطور، كما حدث في تونس مثلاً، بل العكس، هناك من يربت علينا وهذا مؤشر جيد.
■ أصدرت مجموعة شعرية وحيدة «قبعات الأرامل ترفرف عالياً»، لماذا ابتعدت عن الشعر؟ وهل استفدت من هذه التجربة في أعمالك المسرحية؟
□ الشعر خيار صعب ويحتاج إلى حياة كاملة… وتجربة الشعر عشتها كحياة أكثر من ممارسة كتابية، على الرغم من أنني أنجزت مجموعة واحدة، ولكنني استفدت من هذا الفضاء الساحر والصعب في تثوير عروضي المسرحية ورسالاتها وفضائها الشعري… نعم اليوم تلمس مزاجاً خاصاً في عروضي، وتلمس استجابة مختلفة وهذا مؤشر مشجع على أنني استفدت من عالم الشعر الجذاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى