كتاب يطلقون «الرواية العراقية الجديدة» وآخرون يؤكدون تبعيتها الكلاسيكية

الجسرة الثقافية الإلكترونية
المصدر: القدس العربي
في الوقت الذي يبحث فيه الكتاب العراقيون تحديداً، والعرب عموماً، عن الأساليب الجديدة التي يمكن أن تنجز فيها أعمالهم الأدبية، يسعى البعض الآخر لعدم الخروج على الأطر المعروفة، مفضلين أن يكونوا ضمن سياقات الثقافة العربية الراسخة، مبتعدين عن التجريب والمغايرة.
هذا التجريب هو ما دفع بعض الروائيين العراقيين إلى إطلاق ما يشبه البيانات تحت مسمى «الرواية العراقية الجديدة»، وكتب بعضهم مقالات حول هذا المشروع، لكن هل هناك فعلاً أعمال تمثل هذا الاتجاه؟ وما الآليات التي تشتغل عليها؟ وكيف نتمكن من تمييز أعمال كهذه عن سواها من الروايات التي أنجزت خلال السنوات الماضية والتي ستنجز في المستقبل القريب؟
مراحل ومتغيرات
يسرد الروائي خضير فليح الزيدي؛ وهو من المنادين بهذه التسمية، المراحل التي مرَّت بها الرواية العراقية، موضحاً أنها مرت بمرحلتين فاصلتين من حيث البنية الفنية والمضامين.. المرحلة الأولى مرحلة ما قبل 2003، رغم شحوب ملامح روايتها، فقد كانت تغلف نفسها وتثقلها بالرموز وتشتغل على توظيف أساطير وتتماهى مع الميثولوجيات المحلية والعالمية مستفيدة من تجارب الرواية العالمية في الواقعية السحرية وتيار الوعي والسرديات الحديثة، لذلك كان منجزها متواضعاً من حيث التأثير والنوع الصامد والكم، الذي يشكل ملامح المرحلة. ما بعد 2003 تغير منحى السرديات بشكل عام تغيراً جذرياً في اﻻتجاه، محاولة في إعادة كتابة تاريخ الأفراد، لذلك أنتجت المرحلة مشروع الرواية الجديدة، رغم اعتراضات البعض من المتابعين والدارسين على هذا المصطلح، اعتراضات على صيغة المصطلح ويطالب بعودة مصطلح (رواية التغيير) أو ما بعده، أو رواية ما بعد 2003.. وكلها محاوﻻت ﻻ تخدم هذا المشروع للتبلور واكتمال الملامح.. الرواية الجديدة ليست نشرة جدارية لتدوين المذكرات الشخصية وﻻ حبل غسيل الهموم الذاتية، بل أنها محاولة جادة لإعادة العلاقة بين القارئ العراقي وروايته، بعد فترة الطلاق والهجرة القسرية إن صحت العبارة.. ويحدد الزيدي معنى (جديدة) بأنها ليست بمعنى ثوبها الجديد، إنما باختراع آليات كتابة سردية تتمثل فيها الروح العراقية الخالصة.. العراقية ظاهرة مختلفة قدرة تحمل تفوق التصورات، حتى بات مشروع الفانتازيا العراقية تفوق فانتازيات العالمية بجديدها وقديمها، لذلك، وإن تأخرت الدراسات المواكبة لحركة أو تيار الرواية الجديدة، غير أن المستقبل سيبلور الرؤى المصاحبة وتفرز الرواية الجديدة كتيار مجدد.
ويكشف الزيدي أن ليس كل ما كتب من كراريس وكشاكيل هي رواية جديدة، وإن كتب على غلافها رواية، «في الأشهر اللاحقة سنطرح بقوة إعلان وﻻدة تيار «جماعة الرواية الجديدة»، وسنعمل بيانا يضم كل التصورات والرؤى والمضامين، هذا الإعلان يرافقه لوغو لكل روائي يجد أنه يتطابق مع هذا المشروع.. الكثير من الزملاء يشككون وينظرون بعين اﻻرتياب لكل تجديد بحجج واهية وضعيفة، ﻻ أود التطرق لتخرصاتهم.. نعم سيكون هناك بعض اﻻرتباك في قبول ورفض بعض الروايات، لكنه في النهاية سيتبلور بعيداً عن المؤسسات الحكومية أو الجهوية الراعية.. هو مشروع نهضة وليد بحاجة إلى دعم الأفراد العاملين في الحقول الأدبية قبل الجماعات المؤسساتية».
مرويات جديدة
من جانبه يشير الروائي حميد الربيعي إلى وجود رواية جديدة في العراق تنمو الآن، خاصة خلال السنوات الخمس الأخيرة، مبيناً أنه لابد بعد كل كم عددي أن يحدث تغيير نوعي، إذ بدأت تتبلور لدينا بعض الأسماء بهذا المجال وتفرض إنتاجها في مساحة السرد. مضيفاً أن الرواية العراقية الجديدة كمفهوم ما زال في بداياته، إذ انطلق منذ عدة أشهر من قبل مجموعة من المشتغلين بهذا الحقل، وهو في مرحلة النقاش والحوار ولم يتبلور بعد على هيئة بيان أو تجمع، «الحوارات مستمرة وأعتقد أنها لابد أن تثمر خلال نهاية هذا العام بطرح البيان».
مكملاً: تعتقد مجموعة الرواية الجديدة أنه لابد من تغيير البنية الخطابية إلى شكل جديد من خلال الاشتغال على اللغة والقيمة الفنية للسرد، فطالما الرواية قد انتقلت بفعل الظروف العامة من حضن مؤسسة الدولة إلى حضن المجتمع، فلابد لها من الاشتغال على آليات جديدة، تغير بموجبها الحاضنة الاجتماعية وتكون أقرب إلى إقامة مفاهيم جديدة، قيمتها ومصدرها الإنسان كذات فاعلة ومتشظية بفعل الضغوطات الحياتية.
الرواية الجديدة تدعو إلى تجاوز المرويات الجمعية، التي شكلت بنية المجتمع سابقا وأوصلتنا إلى حافة الانهيار، تغيرها إلى سرديات حديثة، يتشكل منها وجدان المجتمع بأفقه الإنساني الرحب، الذي من أولوياته القبول بالآخر وتعدد الهويات الثقافية والحضارة الإنسانية. عملية تمييز هذه الأعمال تتطلب صبراً وجهداً ومثابرة، أولاً في سبيل الاتفاق وترسيخ المنطلقات الجديدة، وثانياً بالاشتغال عليها وترويجها بشكل فاعل بين الناس والحقل الأدبي.
البحث عن الإنسان
ويطمح الروائي محمد علوان جبر من الرواية التي يشتغل عليها أصحاب المشروع الجديد لأن تتنفس الواقع برؤية معاصرة/ مستفيدة من فضاءات الثورة المعلوماتية، وهي تصنع بصمتها وتعلن وجودها عبر ميديا خاصة بها تخلقها، بل تحفرها وهي تستفيد تماماً من التقنيات الحديثة في الوصول إلى القارئ عبر التسويق والترويج لنفسها لتغدو مؤثرة حقاً، فهي فضلاً عن كونها ثقافة فهي صنعة شأنها شأن السينما التي تستطيع أن تصل إلى الناس مستفيدة من المتاح محلياً وعالمياً، فيما يتعلق بالطباعة والتوزيع وحقوق النشر.. الرواية العراقية تمتلك المناخ الخصب الذي أتيح أمام تيارات الرواية الحديثة الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، فقد حدث في المجتمع العراقي والعربي الكثير من الزلازل التي أسقطت رموز وعلامات راسخة كان ينظر إليها كمسلمات خالدة، بسقوط هذه العلامات يفترض أن تقوم آليات السرد على استخدام تقنيات لغوية وشكلية تستطيع أن تستوعب هذا الكم من الأحداث القائمة على الغرابة والقسوة والغموض.. لذا يتطلب من الرواية أن تقوم على فك تلك الشيفرات المتطايرة من واقع ضبابي يشبه يوماً من أيام الجحيم، وكذلك يفترض أن تقوم الرواية الجديدة قدر ما تستطيع بتجاوز مهيمنات ومحرمات وتابوات الواقع، وإعادة خلقه سردياً وجمالياً، ولذا يتوجب إزالة وتجاوز مرويات ورؤى شكلت ثفافة سادت طوال حقب ماضية، عبر طرح سرديات جديدة تقترب من الإنسان ذاتاً وتنوعاً وتفهماً وبناءً.
نزوة متأخرة
يعتقد القاص والروائي سعد محمد رحيم أن فكرة الرواية العراقية الجديدة التي يتكلم عنها بعض الروائيين ليست أكثر من رغبة أو أمنية لا واقعة متحققة. والرغبات والأمنيات لا تخلق الحركات والتيارات الفاعلة، بل أن ما يخلقها هو مفاعيل ثقافية واجتماعية ترتبط بمراحل تحوّل، أي أنها تنضج في سياق تاريخي معين، خلال سنوات أو عقود عديدة. وتكتسب ملامح فنية جوهرية مختلفة عن السائد. وإذن ما هي المسوغات الفنية التي تجعلنا نقر بوجود رواية عراقية جديدة يمكن القول إنها تجاوزت أعمال السابقين؟ «زملاؤنا لا يجيبون بوضوح عن هذا»، حسب ما يؤكد رحيم.
ويضيف: فعلياً، لا يمكن إنكار حقيقة أن من بين جبل الروايات الصادرة بعد 2003 ثمة أعمال لافتة، وبعضها يعد إضافة نوعية بالمعايير الفنية إلى المنجز الروائي العراقي. لكن هذا لا يعني ظهور حركة جديدة، يجب أن يكون لها بيانها.. وبهذا لا يريد رحيم أن يحبط مسعى أصدقائه، بل يقول: «الأجدى أن يعمل كل منهم ضمن مشغله الخاص ويبدع، لأن الكتابة أكثر المهن عزلة في العالم بتعبير ماركيز. وحين تتوافر شروط ومقدمات ظهور حركة فإنها ستفرض نفسها تلقائياً على المشهد الثقافي والأدبي».
ويكمل رحيم حديثه قائلاً إن الحركات الأدبية لابد من أن تكون أصيلة، متجذرة في واقع ثقافي اجتماعي وليست مستعارة. وما زالت روايتنا تستعير أشكالها من الآخر، حتى إن كانت تضفي عليها بصمتها الخاصة.. أن نقول إن في روايتنا عناصر من أساليب ما بعد الحداثة وما وراء السرد لا تمنحنا امتياز خلق تيار جديد. فمثل هذه العناصر يمكن إيجادها حتى في نماذج من الرواية العراقية المكتوبة قبل عام 2003.
ويحدد رحيم كيفية تشكل الحركات الأدبية والفنية، مبيناً أن الذي ينشئها، تاريخياً، جيل جديد من المبدعين الشباب الذين يمتلكون روح التمرد على من سبقهم ولديهم هاجس تحديث رؤاهم وأدواتهم وأساليبهم ولغتهم، ولهم مشتركات في ذلك. أما أن تأتي الدعوة من أدباء تجاوزوا الخمسين من أعمارهم ينتمون لجيل سابق ولهم منجزهم القار ويختلفون في الرؤى والأساليب واللغة بعضهم عن بعض، فالأمر في هذه الحالة إن لم نقل إنها نزوة متأخرة فهي توق لشيء لم تتوافر بعد شروط ولادته تاريخياً وفنياً.
روائيون باحثون
يعترف الناقد علي سعدون بأن الرواية العراقية المكتوبة بعد عام 2003 تتصدر المشهد الثقافي بقوة لافتة، الأمر الذي يسوغ للعديد من الروائيين العراقيين (الجدد على الأقل) من نعتها بالظاهرة الجديدة، هذا الموضوع مفهوم وله مبررات عديدة. لكن وجود الظاهرة الثقافية (أي ظاهرة) ستحتاج إلى مجموعة من السمات والملامح المشتركة التي ستشير إلى وجودها وتهيئ للدارس والباحث الخوض في اجتراحٍ مثله. هذا لم يحصل مع الرواية العراقية الجديدة.. إذ ثمة تجارب فردية عملت بجهد شخصي على بلورة سحنة خطاب مختلف قدم نماذج مهمة ومغايرة للخطاب القديم، خطاب الرواية العراقية ما قبل ذلك التاريخ.. الأمر الذي سيدفع بنا إلى حراجة سؤال من قبيل: ألم تكن الرواية العراقية قبل ذلك التاريخ معنية بالكشف والاستقصاء والمعرفة والتعالق مع التاريخ والمهمل من الحياة؟ سعدون يبين أن الإجابة عن هذا السؤال ستأخذ حيزاً طويلاً لا مجال للخوض فيه هنا. لكن الأهم يكمن في أن تأثير التحولات السياسية الهائلة في العراق والضغوطات الاجتماعية الكبيرة دفعت بالرواية العراقية إلى الاستفادة من كل ذلك بشكل واسع، الأمر الذي جعل منها بحوثاً في السوسيوثقافي بمعنى من المعاني، وهذه الإشارة هي واحدة من مميزات رواية ما بعد عام 2003.
قواسم مشتركة
وبحسب الروائي ضياء الخالدي، فإن ما هو جديد في الرواية العراقية، أنها قلصت الفجوة الكبيرة ما بينها، وبين قارئها المحلي، ويمكن الاستدلال على ذلك بسهولة، وهو ما يدفعنا إلى تلمس العتبة الأولى في تفكيك بنيتها وخطابها للوصول إلى ملامح وسمات خاصة بها.
ويشير الخالدي إلى أن الرواية بنت الأزمات، وما حدث في العراق بعد عام 2003 من تحولات كبرى، قد دفع الوعي إلى مساحات أوسع لفهم ما جرى ويجري. باتت الأسئلة قريبة من الإنسان، وبعيدة عن الشعارات الكبرى، والرومانسيات الثورية التي كانت تُرسم مسارات الناس في العيش.
كل ذلك، جعل الروائيين في بحث دائم عن آليات جديدة تستنطق المسكوت، وتحاور الثقافات الأخرى بهاجس الكشف، لا التقاطع. كل شيء متاح أمام الوعي والحدس لتأسيس سردية مختلفة، تطارد التفاصيل والخفايا.
قبل تاريخ التغيير بسنوات قليلة، صدرت رواية علي بدر «بابا سارتر»، وكانت مختلفة تماماً عما صدر من روايات، (أتحدث هنا عن روايات الداخل العراقي وقتها) لأنها أزالت القداسة عن الأوهام المشكّلة لثقافتنا العراقية، وعبر بنية فنية محكمة، وشخصيات محلية يُمكن تلمس ملامحها عن قرب. هذا ما نجده أيضا في راوية أحمد سعداوي الأولى «البلد الجميل»، والثالثة البوكرية «فرنكشتاين في بغداد». وعند أسماء أخرى. يبقى القاسم المشترك، للأعمال الناجحة، أنها زاملت القارئ في مغامرتها السردية، وأدركت بعمق أن كل ما يُروى هو ممتع بالضرورة، وهنا لا مجال للتوسع أكثر في تفصيل معنى التشويق، لأن الأمر مرتبط بفهمنا أولاً للفن الروائي، وطبيعة المشغل السردي الذي ننطلق منه في الكتابة.
«هكذا أرى الرواية المكتوبة اليوم، وطبعاً، نحن نتحدث عن النماذج المهمة منها، وهي كثيرة بحيث لفتت الانتباه، ودعتنا لنتفق أو نختلف حولها. كما نشير إلى دلالة شاخصة تتمثل بالكم الصادر بعد 2003، وتجاوزه ما صدر منذ تأسيس الرواية العراقية طيلة ثمانين عاماً. هذه الفورة مفيدة للغاية في دفع روايتنا العراقية إلى الواجهة».
مشاريع مغايرة
يعيد الناقد بشير حاجم تفحص مفهوم «الرواية العراقية الجديدة»، قبل الخوض في ممثلاتها وآلياتها ومميزاتها، مبيناً أنه لا بد من تأمل ولادة طبيعية بعد مخاض عسير! مضيفاً: ثمة جماعة جديدة، إذن، بينما هنالك تيار، يمثل «الرواية العراقية الجديدة»، معرّض للاستجواب: أهو «جديد» أم «قديم»؟ لذا فإن استجواباً كهذا، خطيرَ الصراع بين السابق واللاحق، سيتولاه والِدو هذه الـ»جماعة»، وهم أصحاب نماذج روائية «مخطوطة» لا «مطبوعة» فقط بعد نيسان/إبريل 2003. فهؤلاء يعتمدون قراءة عمومية (اجتماعية، إنسانية، ثقافية) للشخصيات، موضوعياً، وفي ظنهم باعتماد كهذا أنهم لاحقون «تحريكيون» أمام سابقين «تثبيتيين»! و»لئِن أُحسِن الظن بـظنهم هذا، لكونه مقبولاً على الأقل، ربما يبرهنون أن تيارهم جديد: ذو كتابة خصوصية (بنيوية، تقنية، جمالية) للأحداث، فنياً، عبر مفهومهم لـ»الرواية العراقية الجديدة». هذا المفهوم، الذي صيّر بأبسط معانيه وجود رواية عراقية قديمة، يريدون به قبالة بضعة متغيرات نيسانية هامشية بضع مغايرات أدبية متنيّة لا حكائية، توريث بل سردية تثوير لا تجريب تحت اختبار بل تجربة فوق خبرة لا انشغال بتأسيس بل اشتغال لتكريس، لا سير على سطح مكان، بل غوص في عمق زمان، لا بطلَ جزءٍ، بل أبطالُ كلٍّ…!!».
ويكمل حاجم حديثه قائلاً: على أن هذه المغايرات، وأمثالها أيضاً، لم يتجلّ منها حتى اليوم سوى بعض ملامحِها أو ملامح لها، وفقط خلال الأعوام الأربعة الماضية، 2011/2014، لاسيما في النماذج الأخيرة لذوي نماذج عديدة غالبا: «شباك أمينة» لأسعد اللامي، «راشد يحصد» لحسن عبد الرزاق، «ثلاث عشرة ليلة وليلة» لسعد سعيد، «تذكار الجنرال مود» لضياء جبيلي، «أوراق سيدة الشجر» لعبد الزهرة علي، «السيد أصغر أكبر» لمرتضى كزار وغيرهم…. كذلك نماذج أخيرة لسابقين لهم، ثمانينيين وتسعينيين، مثل «دهاليز للموتى» لحميد الربيعي، «فندق كويستيان» لخضير فليح الزيدي، «من اعترافات ذاكرة البيدق» لعباس خلف علي، «مدينة الصور» للؤي حمزة عباس وسواهم. فالنماذج هذه، لأن أصحابها: ذوو تجربة «فوق خبرة» عقب تجريب «تحت اختبار»، قد توفرت إجمالاً على أبطالِ «كلٍّ» هنا «وطن» حصراً، لا بطل «جزءٍ» هنا «حزب» مثلاً. كما أنّ فيها، لأنهم اشتغلوا لـ»تكريس» غير منشغلين بـ»تأسيس»، ثمة غوص في «أعماقِ أزمنة» أوْسع من «سير» على «سطوحِ أمكنة»، أي أنها، بحكم تجربتهم «الخبرة» مع اشتغالهم «التكريسي» هذين، مبتعدة عن الحكائية «التوريثية»، الموضوعية، مقتربة من السردية «التثويرية»، الفنية، تراتبياً: «سببا» ثم «ناتجا». بهذا الاقتراب «الناتج»، لذاك الابتعاد «السبب»، أمْكنَ تمييزها بين نماذج «راهنة» مثْلها، حاضراً، ويمكن تمييز أخرى «قادمة» بعدها، مستقبلاً، كذلك.