كتب بالعربية ثم دعا للتخلص منها… وطالب بـ «لغة لبنانية» بأحرف لاتينية… وفيروز غنّت أجمل قصائده:مات سعيد عقل ولم يعتذر للفلسطينيين

الجسرة الثقافية الالكترونية

#راشد عيسى

غيّب الموت أمس الشاعر اللبناني سعيد عقل (مواليد زحلة 1912) عن عمر ناهز المئة وعامين. غاب الشاعر فأيقظ ذاكرة الفلسطينيين بكلام موجع وقاس قيل بحقهم في أكثر أيامهم حُلكة. استعادوا مقابلة تلفزيونية أجريت مع الشاعر في غضون الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 خلاصتها دعوته لمن سماه «البطل» (مناحيم) بيغن (رئيس الحكومة الاسرائيلية ذلك العام) كي «ينظف لبنان من الفلسطينيين». كما يدعو فيه اللبنانيين للقتال إلى جانب الجيش الإسرائيلي، معتبراً هذا الأخير «جيش الخلاص».
كما تناقل ناشطو الميديا الاجتماعية مقولته الأشهر، الأقرب إلى فتوى «على كل لبناني أن يقتل فلسطينياً». هذا في وقت أبرق الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى رئيس الحكومة اللبنانية ورئيس مجلس النواب اللبناني معزياً بوفاة الشاعر مشيداً «بمناقب الفقيد ودوره الكبير في إثراء الثقافة العربية».
كلمات الشاعر العنصرية والفاشية، لا يمكن اعتبارها، على الأقل لكثرتها وتعدد مواضعها، مجرد زلّات لسان أو فورة غضب، واحدة منها تشجع وتقف مع مرتكبي مجازر «صبرا وشاتيلا»، الأفظع في القرن العشرين. مع ذلك فقد أشعلت مواقفه وكلماته جدلاً كبيراً، بين من يعتبر أن «الكلام مجتزءاً من مرحلة طويلة عريضة كان اللبنانيون يذبح بعضهم بعضاً، ومعهم كل شعوب الدنيا، واللبنانيون أنفسهم من كل القبائل والأجناس والطوائف كانوا في استقبال الجيش الإسرائيلي ورموا عليه الورد»، وهناك من يعتبر أن الشاعر «جمع بين أرقّ المشاعر وأكثرها بشاعة، وبين العقل والجنون. كأنه لبنان في وجوهه وتحولاته». هذه المعركة ليس الأولى في تاريخ الشاعر الراحل في ما يتعلق بتصريحاته ضد الفلسطينيين، فقد أشعل تكريم «بكركي» (البطريركية المارونية لسائر المشرق) للشاعر عام 2011، جدلاً مماثلاً، حين تجاهلت الكنيسة دعواته الفاشية إلى القتل والخلاص من الفلسطينيين الذين وصفهم بأقذع الأوصاف.
هذه النزعة ليست ضد الفلسطينيين وحدهم، إنها نزعة لازمت الشاعر أبداً، نزعة تدعو إلى تمجيد لبنان، بل إلى «لبننة العالم»، (حتى أن مصطلح «اللبننة» يسجل باسمه في أذهان الكثيرين) معتداً بأن «عرش الله مصنوع من خشب الأرز الذي في لبنان». وفي إطار ذلك دعا إلى التخلص من اللغة العربية باعتبارها «كرخانة»، وإلى إحياء «اللغة اللبنانية» بأحرف لاتينية، بل أصدر بالفعل ديواناً شعرياً هو «يارا» بتلك «اللغة»، لكن أحداً لم يحفل بتلك المحاولة.
إنه شاعر كبير بلا شك، وأحد الآباء الكبار للثقافة اللبنانية. أغنى العربية، وكتب لها أجمل ما غنّته فيروز بالفصحى، «غنيت مكة» مثلاً وهو المسيحي، إلى أغنيات أخرى. كما أغنى المكتبة بأعمال من قبيل مسرحيته «بنت يَفتاح» (1935)، «رِنْدَلى» (1950)، «كأس الخمر» (1960)، وسواها الكثير.
من حق الجميع بالطبع أن يحتفي بالشاعر الراحل، لكن لا أحد بإمكانه أن يلوم الفلسطينيين على جرحهم جراء مطالبته بإبادتهم، خصوصاً أن عقوداً مضت قبل أن يعتذر الشاعر عن دعواته تلك، وما صمته إلا إصرار على ذلك، خصوصاً أن جهات طالبته من قبل بالاعتذار، ولم يكترث. رحم الله الشاعر الكبير.

….

القدس العربي ًِ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى