لينا خطاب ويارا سلام والكوليبري

الجسرة الثقافية الالكترونية

*سميرة المنسي

المصدر / القدس العربي

بين لينا في سجون الاحتلال، وبين يارا في سجون حراسه مر طير الكوليبري . في المرة الاولى… رد السلام واعتذر عن اسئلتهما بسؤال ، عما ان كانتا حفيدتي من وعد اللغة باختراع الكتابة ونسي ذاكرته في فم الغزاة ، ثم عاد واصلح اعتذاره بحمل الندى الى عنوانين كانتا قد كتبتاها الى الفصول في أغانيهما الصغيرة وفي المرة الثانية …
حط على كتف السجان وسأل الياسمين عن تهمته ، فطالعه حلما يعلو على مهله وفي غيمة لا تنتظر غدا قالتا له ، ارسل هذا النشيد ولا تنس التحية هفا ساعي البريد على الزهر وبكى و طار يقرأ ما لم لم تنشره الجريدة فلا شيء غائب في الغياب ، ولا شيء يصل الموصل ببوابة بن رغال ولا شيء يزيد عن حرق كتب الآلهة بنار إلاله ، ولا شيء يزيد عن وأد أشور ليصعد الثور الى الفردوس، ويشرب من حليب بنات آوى كي تسرح في ارض العرب غزلانا ترعى الخريطة وفي الثالثة…
حلق بجناحيهما عاليا ولم يقل رأيت مئذنة تتوضأ بالدماء واخا يلتهم أخاه ليدفنه بيوم طاهر من الامس في التاريخ فلا حواء افريقيا سكنت وانما باريس ، ولا الكتابة في العراق كتبت وانما في تكساس ولا الهة سومر بالنخيل حبلت وانما عاصفة الصحراء، ومن قال انها ولدت وهي في انتظار قتل الراعي عشقا بخيوط نهار ليلة ظلت النجوم فيها العاشق تعشق ، لا زال لم يولد وان ولد سوف يجرفه الطوفان.
فهل قال كل ما رأى لنرى طرد النجوم من ليالينا الطويلة ام نريد ان لا نرى الامر بالمعروف وقد احرقت كل ما كتبت يد الرسول وفي يوم شرعي الوجوب اعادت اكتشاف مكة وسلمت مفاتيح عكا واطلقت مزامير الخروج خلف اشباحنا الاخيرة وقبل ان يكتمل كل ما رأى فيما قد نرى فتح الرياض ابواب البصيرة لتترجم المومياءات نفرتيتي وتحنط الجنرال خوفا على خوفو اعاد الى قلب يارا جناين مصر و حط في عيون لينا كفوف الشمس واكتفى بحكاية قصته القديمة : كانت هندية حمراء اسمها زهرة ، عشق عيونها الجميلة شابا جميلا إسمه أخيل ، وتحت سماء لا تحمل بغير المطر رقصا فوق سحابة فجرحت خفتهما الارض وصارت الارض أما لكل من يمشي عليها .
وفي يوم شاهدت الوديان حبهما فرق قلبها على الصخور ، و نسيت في غمرة البوح تذكير الجبال ان عليها نوبة حراستهما ، فتثائب النهر وغفى البحر على نعاسهما .
كانت الاشجار في ذلك الوقت تواسي حمامة نسيت فرخها في حضن الفجر، فلم ترى سفن ترسو ، ووحشا يدنو ثم يعدو ، فما بدى من جمال لمع واشتد لمعانا ، وظل يطارده الى أن لفظه دفعة واحدة على سيوف ملوكه.
نظر الملوك في بياض مرآتها ، فرأت في جديلة زهرة مفتاح الذهب، وفي الحال ارسلت من يقصها ويشدها بمرساة السفينة.
تسلل في غفوة زهرة نواح الريح ، خافت وردة كانت في يدها وهربت جارحة كفها ، فسال على التراب أنين أجدادها ، خجلت من النوم فوق الغمام وقدمت لهم اعتذارها.
وعندما طال صمتهم في السماء احتارت بمن يقف فوق الهضاب، هل هو قوس قزح ام حبالا تنشر اجساد أطفال سهت امهاتهم عن تقديم القرابين للحضارة اللائقة .
غضبت من جرأة نجمة غادرت في غير وقتها وتركت الوحوش تحوم حولها ، استدارت لتسأل اخيل اذا كان قد حلم بمثل حلمها ، فأدارها صليب يعتلي صهوة جواد ، في البدء ظنت الصليب إختصار إعتذار ، وأن الحصان ما هو الا احد الالهة ، فهل تسجد له سألت نفسها ؟ وقبل ان تميل على اخيل امالت السلاسل قدميها .
وعندما نادت ولم يردد ندائها سوى صدى العتمة ، هزت قدميها حتى تظل تسمع احتكاك السلاسل وحتى لا تنسى الشمس إخبار أهلها ان يحذروا من الحصان لان الحصان لا تسكنه روح أي من الآلهة ، فما من إله تسوقه بوصلة .
وفي يوم دنى منها راهب ترك خلفه النجوم على الاشجار معلقة، بشرها بالنور وقدم لها ربا مقطوعا من لحاء الشجر وخطايا محفورة على حجر ، ولما بحثت عن ربه في عينيه سألته بعيون دامعة: وهل كان دينك سيرسلني الى الجحيم قبل ان اعرفك ، قال لا ، فقالت : إذا لماذا أخبرتني ؟ فقال : كي ينقذك الله ولكي تشكري .
استغربت من رب يرفع الاجساد على فولاذ السيوف كي تتذكره الارواح و تشكره، وناجت احلام العجائز ان ترسل لها الرب في تجاعيد النهر ليغسل في هدأة الليل روحها ومن يومها ظلت تهز قدميها حتى لا تنسى الطريق وظلت تغني حتى لا تنسى صوتها ومنذ ذلك الحين غابت زهرة عن عيون اخيل وغاب اخيل عن عيون زهرة .
وفي أحدى الليالي همس القمر في أذن أخيل : بالامس رأيت زهرة تبكي بكاء مرا ، وترجو الشمس ان تأخذ روحها ، حنَت الشمس عليها وانحنت وقبل ان تغيب حولت زهرة الى زهرة ، و هذا كان آخر ما أخبرني به صديقي الريح والى اي الزهور ، تحولت حبيبتي ؟ التاع بالسؤال أخيل، فأجابه القمر : هذا ما لا أعرفه أيها المسكين لا أنا ولا صديقي الريح.
سلب الوجد قلب أخيل ، وراح يبحث عنها ويمشي في ظلها، و صار يلاحق الشمس تارة وصارت الشمس تلاحقه تارة اخرى ، لوحت له في مرة بجديلتها، فهوى على جسر مرفوع بالجماجم والحرير من كل جانب يلفها ، و عندما همَ بسؤال الازهار لماذا ترسمها الجدران ما دامت الاشجار مدفونه تحتها سحبه طواف يطوف في صلاة تمسح الخطايا وتنادي الحروب بدموع ملاك محشوا بالذهب ، فترد الحروب : ما انا سوى طريق الله لاكتشاف الجغرافيا وكل ما رسمته الريح قبل هذا التاريخ قد ولى عن الارض و ذهب .
ثم تاه على متن سفن نسيت كم مرة شحنت من افريقيا العبيد ولكنها لم تنسى كتابة اسماء المسيح والعدالة على ظهرها.
لم تخبر الشمس اخيل بأية زهرة حولت له زهرة ، ولم تخبره انه في طريق النهر فيه قد أضاع المجرى، ولكنها اخبرته بان النسر قد اصطاد من النجوم النجمة التي اعتادت افتتاح التقويم كلما تقدمت اليها الارض بشكوى، ثم ارسلت وهي تغيب الغابة معه كدليل ، فطوى البحر وابحر .
وفيما كان يرسم وجه حبيبته على وجه الريح ، ويرجو الريح ان تسأل الشمس في اي الزهور خبات له زهرة ، سمع صوتا يقول : لم نسمع يوما بموجة تعاتب صباح لانه لم يمشي في جنازتها ، ولم نسمع يوما بشعب باع حقولا تعمها خطوات اطفاله وهواء يهمس بغناء اجداده ويعاتب القراصنة لانهم استباحوا الارض واغتصبوا ذاكرتها .
ولكنا سمعنا ان القراصنة لا يتذكرون انهم ابادوا شعبا ولكنهم يتذكرون تخليد ذاكرته على شكل اشباح يطلقونها لتعاتب ذاكرة شعوبا اخرى ، فما تسمونه توابل هو لحمنا المجفف ، وما تسمونه هنديا هو سهوة البحر بين فكي الاتجاه، وما تسمونه احمرا هو دم العصافير في حضن السماء وما تسمونه بطائرات الاباتشي هو اعترافكم بالموت خوفا من ارواح شعب الاباتشي التي لا تزال تحوم في الكون وتتبدل .
فتش اخيل عن مصدر الصوت في عشب البحر فقال المحار :لقد سمعت ورايت ما فاتك وأكثر ، اسرع الى البراري فهي وحدها تحفظ ما قاله الهندي الاحمر قبل مسحه في خرائط الرجل الابيض صعد الى التلال وبكى، ركض خلف خيول تجر غزلانا لأنها غازلت فراشا لم يعد ملكا لها وعندما شعر بقدميه تعلو وتعلو خلفه دقات الطبول ، توقف ليعرف كم من الوقت جرى ، فوجد الوقت نفسه لا يعرف من سرقه ومضى ، وعندما صاح بكل قوته كفى ، اكتفت الطبول بان يخرج من عينيه الشيطان ومن جسده الخارجون عن القانون ، وصاحت : وحتى يتم بك القبول يجب ان تعزف في عيد الشكر لحن الاسطورة وان تبقى في القفص تدور ، فما من شكر يسمو على شكرنا ويفوق على منح الاشباح حق الحياة في محميات الطبيعة وحفظ الاصول .
نظر اخيل الى التلال و مرة اخرى بكى ، كانت الشمس ترنو اليه من بعيد ، فدعاها ان لا تغيب فطلت عليه واشفقت ، ثم سمحت له ان يطير بأجنحة جميلة وملونة ، وقالت للريح : إطلقيه في البراري يبحث عن قبلات زهرة في رحيق كل زهرة .
وحسب ما قاله القمر على لسان الريح : ومن يومها لا زالت زهرة تلثم بقبلاتها الازهار في كل ربيع ولا زال أخيل يلمها وينثرها أغاني كي تظل حبيبته تهز قدميها وكي لا ينسى من يسمع اهتزاز السلاسل ان يدله على صوتها

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى