مارك رافالو: البساطة والصدق سر نجاح الفنانالممثل الهوليوودي الذي وقف بصمود مع الشعب الفلسطيني

الجسرة الثقافية الالكترونية
حسام العاصي*
المصدر / القدس العربي
عندما شنت إسرائيل الحرب على غزة الصيف الماضي، كان هناك عدد قليل من نجوم هوليوود الذين تجرأوا على انتقادها وفضح جرائمها، تصدرهم الممثل الهوليوودي مارك رافالو الذي عبّر عن استنكاره لقصف المستشفيات وقتل الأطفال على موقع التواصل الاجتماعي، «تويتر»، قائلا « كنت أظن أن قصف المستشفيات كان أمرا كل الإنسانية توافق على أنه مرفوض».
وفي رد على الصهاينة الذين اتهموه بمؤازرة حماس، التي ادعوا أنها كانت تستخدم أطفال شعبها كدرع بشري، تساءل «بصدق، هل تؤمنون أن هؤلاء الاخوة في البشرية يستخدمون أطفالهم كدروع بشرية؟ افتحوا قلوبكم».
وأخبرني ذلك الوقت بأنه تعرض لهجوم شنيع من مؤيدي اسرائيل الذين اتهموه باللاسامية. «علينا أن لا نصمت وأن نستمر في حملتنا لتحقيق العدل ورفع الظلم عن أهل غزة،» قال لي متحمسا.
الحقيقة أنه قلما أقابل نجما هوليووديا يتكلم بهذه الصراحة عن دعمه للقضية الفلسطينية، لأن هذه مخاطرة قد تلحق ضررا بسيرته المهنية وعمله في هوليوود، التي يسيطر عليها زملاء اسرائيل. ولكن رافالو لا يأبه بهذه التهديدات اذ أنه كان من الأقلية التي انتقدت بشدة حرب العراق عام 2003، والتعذيب في غوانتانامو بي، وحكم جورج بوش. كما أنه شكك في لجنة تحقيق 9/11، متهما اياها في التعتيم وعدم سبر الحقائق من أجل تبرير قوانين خنق الحريات في الولايات المتحدة. ويقوم النجم أيضا بحملات في مجالات إنسانية عدة، مثل خلق طاقة نظيفة ومناهضة حفر وتكسير الأراضي الزراعية من أجل استئصال الغاز الطبيعي، والدفاع عن حقوق المثليين.
وفي مقابلة أجريتها معه قبل أيام في ستوديوهات «وولت ديزني» في لوس أنجليس، قال لي إن حرية التعبير والنقاش هي مغروسة في الحضارة والهوية الامريكية. «ولكن هناك بعض القوى التي تريد أن تكبحها وتمنعنا من الحديث،» يضيف رافالو «هذا ليس جزءا من الحضارة والهوية الأمريكية. لهذا أنا لن أتوقف بما أفعله، ويؤسفني أن البعض يخضعون للتهديدات ولخوفهم من العواقب.»
وذكّرني أن في عام 2003، عشية حرب العراق، تم تخويف نجوم معارضين للحرب بادراجهم في قائمة سوداء. وكان هو الوحيد الذي سخر من تلك التهديدات وانتقد بشدة الحرب ومؤيديها على شاشة «سي أن أن» الخوف من الأفكار في أمريكا أو منع الحديث عن أمور معينة أو كونك ممثلا يجعلك غير مؤهل للتعبير عن نفسك أو فهم الواقع، كلها أمور تناقض الحلم الأمريكي والهوية الأمريكية. فأنا وجدت أن تصريحاتي على مواقع «توتير» و»تامبلر» تثير النقاش الموضوعي، وتستقطب الملاحظات التي تكون أغلبيتها إيجابية، 2٪ منها فقط تكون سلبية». يقول رافالو.
يبث آراءه ومواقفه لمتابعيه الـ 1.5 مليون على حسابه في موقع «تويتر»، ولكنه يحاول أيضا أن يسلط الضوء على قضايا اجتماعية وسياسية مهمة من خلال المشاريع السينمائية التي يشارك فيها. «انا أعمل في عالم الترفيه. أحيانا مهمتي هي الترفيه وأحيانا علي أن أثير اهتمام الناس بأسألة ذات عمق أو انورهم أو أسلط الضوء على جزء من التجربة الإنسانية التي لم تكن مألوفة بالنسبة لهم»، يقول رافالو.
فعلا فإن كثيرا من أفلام رافالو تتناول مواضيع اجتماعية مهمة ومثيرة للجدل، مثل فيلم «الأطفال كلهم على ما يرام (2012)» الذي جسد فيه دور متبرع سائل منوي يتعرف على أبنائه البيولوجيين بعد 15 عاما من ولادتهم لسيدتين سحاقيتين تعيشان معا. ونال رافالو ترشيحة أوسكار عن هذا الدور. كما حقق ترشيحة أوسكارا أخرى هذا العام عن أداء دور المصارع، دافيد شولتس، الذي لقي مصرعه برصاص الرجل الثري جون دوبان في فيلم القصة الحقيقية، «صائد الذئاب». وفي العام الماضي حاز على جائزة «الأيمي» للتلفزيون عن دور نيك ويد، الناشط المثلي ومؤسس مؤسسة مناصرة المصابين بمرض الأيدز عام 1982 في فيلم «القلب العادي». وفي فيمله الجديد «انفينيتلي بولار بير» يلعب دور أب مصاب بالهوس الاكتئابي توكله زوجته بالإعتناء ببناتهما عندما تلتحق بالجامعة.
«يمكن أنك لا تعرف شيئا عن نمط حياة زوجتين سحاقيتين، ولكن مشاهدة الفيلم تساهم في فهمك لهذا النمط، وتتساءل «ربما هؤلاء الناس لا يختلفون كثيرا عني وعن نمط حياتي. وهذا ما يثير اهتمامي ويحمسني للقيام بهذه المشاريع. فنعم، أحيانا أشترك في أفلام تتوافق مع مبادئي وقيمي»، يقول رافالو.
ولكن رافالو لم يكسب شهرته العالمية من أداء أدوار في أفلام فنية وإنما بفضل تجسيد دور بروس بانار أو الرجل الاخضر (الهالك) في فيلم أبطال القوى الخارقة «المنتقمون» عام 2012، وهو ثالث أكثر الأفلام ربحا في تاريخ هوليوود. في ذلك العام وصل دخل رافالو ما يعادل 96 مليون دولار وقوبل أداؤه بالمدح والتبجيل من قبل النقاد. وقام بأداء الدور مرة أخرى في الجزء الثاني وهو «المنتقمون: عصر ألترون،» الذي سينطلق نهاية هذا الأسبوع في الولايات المتحدة ودول أخرى.
في هذا الجزء الجديد من سلسلة «المنتقمون»، يفعِّل طوني ستارك نظام حفاظ سلام خامد، ألترون وهو آلة ذكية، ذات وعي وقدرة على التعلم من أجل التغلب على الأشرار. ولكن الخطة تلقى فشلا ذريعا،عندما يقرر ألترون أن البشر هم الأعداء ويعتزم سحقهم من على وجه الأرض، مجبر المنتقمون وهم الرجل الحديدي، كابتن أمريكا، ثور، الرجل الأخضر، الأرملة السوداء وهاكيوي على خوض معركة ضارية للقضاء عليه.
بروس، الذي يتحول الى الرجل الأخضر عندما يغضب، ليس بطلا قويا خارقا، حسب رافالو، بل هو والأرملة السوداء، التي تربطه بها علاقة خاصة، أكثر قربا من الناس العاديين. «إنهما هناك فوق إرادتهم. إنهما لم يخططا أن يكونا أبطال قوى خارقة، ولهذا نجدهما في لحظات رائعة ذات روح عائلية. يجلسان معا للحديث والشرب وتشعر أنهما عاديان وتفكر أنهما سوف يرتبطا بعلاقة رومانسية ويبنيا حياة معاً. ولكن هذا الخيال يتكسر عندما يضربه واقعهم وماهيتهم. هذه هي نظرتي تجاههما. هما متوافقان وفي النهاية سوف يرتبطان معا»، يضحك رافالو.
يدرك أيضا أن هذا النوع من أفلام هوليوود يخلو من القيم الفنية والمضامين المهمة التي تتسم بها أفلامه المستقلة ويكشف بصراحة أن هدف اشتراكه في هذه الأفلام هو الأجر السخي الذي يفوق بعدة مرات ما يحصده في الأفلام الفنية، وهذا ما يمكنه من تأمين الدخل لزوجته ولثلاثة أبنائه ويمنحه الفرصة للقيام بمشاريع أخرى تهمه. «أنا لم أتخل عن أي شيء من أجل القيام بهذا العمل»، يقول «إنه شعور جيد أن تعرف أنه سيكون جزءا آخر من «المنتقمون» سنة 2017. إن برنامج حياتي مخطط حول هذا الحدث. هكذا أعرف أن شيكا ضخما سوف يدخل الى حساب بنكي وهذا يمكنني من الذهاب الى عطلة طويلة مع عائلتي لأن قضاء الوقت معهم مقدس. كما أنه سمح لي بانتاج أفلام صغيرة تهمني وهذه نعمة.»
وُلد رافالو في مدينة كينوشا في ولاية ويسكونسينت الامريكية عام 1967 لأب بهائي من أصل إيطالي ولأم من أصل كندي فرنسي وإيطالي. وقضى طفولته في ولاية فيرجينيا، حيث تخرج من المدرسة الثانوية قبل أن ينتقل الى لوس أنجليس مع عائلته. ثم التحق بمدرسة ستيلا ادلار للتمثيل، وشارك في تأسيس فرقة مسرح أورفيوس وقام بكتابة إخراج وبطولة مسرحيات عدة، بينما كان يكسب رزقه كنادل لمدة 9 سنوات.
وبدأ سيرته المهنية في هوليوود بأدوار صغيرة في أفلام مثل «طبيب الأسنان (1996)» و»رجال آمنين (1998)» حتى لمع في دور أخ لورا ليني الطائش في الفيلم المرشح للأوسكار «يمكنك أن تعتمد علي» عام 2000، الذي ناله مديح النقاد، والذين قارنوه بالممثل الهوليوودي العملاق، مارلون براندو. واستمر رافالو بتقديم أداءات رائعة في أفلام مهمة، مثيرا اهتمام وإعجاب النقاد ورواد السينما، بفضل قدرته على التقمص التام والتعايش الكامل مع الشخصيات. ولكن رافالو ينكر أنه يتحول الى الشخصية التي يجسدها أو أنه ينتمي لإسلوب «الأداء الصادق»، وإنما يستخدم خياله لاستحضار تجارب مَرَّ بها في حياته الخاصة. «في داخلنا كل تجربة يمر بها كل إنسان عبر الزمن أو نُسَخ منها، ربما تكون بشكل صغير جدا، ولكن يمكننا أن نستخدمها ونستلهم منها».
يقول رافالو، مضيفا أنه ايضا يركز على الخصائص الجسدية للشخصية وحياتها الظاهرية: مظهرهم واسلوب مشيهم ونمط تصرفهم وتفاعلهم مع الآخرين. «أنت تعرف شخصا ليس فقط من خلال أقواله وانما من خلال افعاله. وهذا كان دائما مثيرا لي في تعاملي مع الشخصيات». كما أنه يعزو نجاحه في الأفلام لخلفيته في المسرح، حيث كان عليه أن يتمكن من كل انماط التمثيل إن كانت كوميديا، دراما او تراجيديا. «هذا ما علمونا هناك. عليك أن تمثل كل شيء وأن تحاول أن تمثل كل شيء وأن توسع آفاقك. تبعت هذا الأسلوب وأخذني الى رحلة مثيرة في حياتي المهنية،» يختم رافالو.