محمد غني حكمت… ونشرة الأخبار

الجسرة الثقافية الالكترونية
*ليث مشتاق
المصدر / القدس العربي
لست أدري ما هي ردة فعل النحات العراقي محمد غني حكمت لو طالع نشرة الأخبار ليرى المعاول الظلامية وهي تهوي على الثور المجنح في متحف الموصل، أو عند أسوار نينوى. إلا أن قدراً ما اتاح لنا العثور على تصور محمد غني الراحل في أيلول/سبتمبر 2011 لذلك المشهد.
اثناء إعدادنا لخطة فيلم «أزميل بغداد …. محمد غني»، الذي يتناول حياة الفنان الراحل محمد غني حكمت، بالتواصل مع كريمته هاجر غني، واثناء إعدادها لملف كامل عن حياته وتصميمات خطها الراحل بيديه، منها ما نفذه فعلاً ومنها ما بقي مخطوطات على الورق عثرت ابنته هاجر على رسمين تخطيطيين مثيرين بين عشرات الرسوم.
أول ما تبادر إلى ذهني بعد الذهول أمام الرسم الأول هو من أين لمحمد غني تلك المخيلة، أو القدرة على استقراء منظر هو حتماً الأشد إيلاماً له… فإن كان مشهد تحطيم آثار آشور موجعاً بالنسبة للعراقيين، ولكل مهتم بالتراث الإنساني، فهو حتماً قاتل بالنسبة لغني. فغني الذي أفنى عمره في تتبع حضارات العراق القديمة ومحاولة المزاوجة والاستدعاء المستمر لما اعتبره تراثه وجذره في الكثير من أعماله، حتى أنه ابتكر أسلوباً لكتابة الحرف العربي برسمٍ مسماري ليحقق مصالحة بين قرون التاريخ، وليبعث ربما برسالة مفادها أن العروبة، وهي مادة الإسلام ونخاعه، التي خطت بها أحرف القرآن، يمكنها أن تحمل باعتزازٍ تراث الحضارات القديمة، لأنه وهكذا نفهم أن عظمة الديانات والفلسفات تكمن في القدرة على الاحتواء وتصويب وجهة النظر والوجدان في القلوب لا الجدران والأحجار.
وبعد سؤال هاجر في محاولة للتدقيق في تاريخ الرسم الذي أظهر رجلين يهويان بمطارق على تمثالٍ للثور المجنح …
فاذا بالرسم يعود لعام 2008، هنا كان لا بد من الوقوف أمام محمد غني الفنان الذي نحت إزميله مئات التماثيل والألواح والأبواب التي تعد تركة فنية للتراث الإنساني، وبين محمد غني الإنسان المرهف الحس القارئ للتاريخ والسياسة بعين الوطن والانتماء والتاريخ عابراً كل مستجلبات الزمن الأغبر من أفكارٍ شظّت كل ما هو غير حقيقي، وأولها الإنسان المستسلم لعقل القطيع الجمعي قبل منطق الحب الجامع، لم يعجز غني عن الوصول إلى النتائج الحتمية بعد رؤيته ومعاصرته للفعل فما عساه يكون مصير التاريخ والتراث عقب الاحتلال والاقتتال الأهلي، وبذور التطرف التي وجدت في الأرض كنفاً لها بعد أن سقيت بالتخلف بإصرار وإرادة لانتزاع آخر جذور المعرفة وصولاً إلى اللاهوية… أو الشرق الأوسط الجديد.
لم أمتلك شجاعة غني في مواجهة المصير، بل وتخيله لتلك اللحظة وتصويره لها، لكنني وربما غيري يفهم تحديداً مراده من المخطوط الثاني الذي جسد فيه نصبا تذكاريا للحذاء الذي ألقي على وجه الرئيس الأمريكي السابق بوش الصغير.