محمد مفتاح الممثل المغربي الأشهر… نصف قرن من العطاء

الجسرة الثقافية الالكترونية
*فاطمة بوغنبور
المصدر / القدس العربي
هو واحد من الأسماء الفنية المغربية القليلة في السينما والدراما التي يعرفها الجمهور العربي من الخليج والشام ومصر إلى الرباط، يفخر بأنه نجم في المغرب كما في سوريا وشوارع القاهرة حيث يوقفه المارة ويطلبون صورا معه. عبر رحلة فنية قاربت النصف قرن منذ سنوات طفولته الأولى التي ذاق فيها مرارة اليتم حيث قتلت سلطات الاحتلال الفرنسي والدته في مظاهرة ضد نفي الملك الراحل محمد الخامس. ينتمي إلى الحي المحمدي أحد أشهر وأعرق أحياء مدينة الدار البيضاء مهد الكثير من رموز الرياضة والفن والثنائيات الفنية والفرق المسرحية والغنائية كـ»ناس الغيوان» و»المشاهب» و»تكادة» وفرقة مسرح الحي وغير ذلك. يقول محمد مفتاح إنه لا يتذكر على وجه التحديد دوره الأول ولا يستطيع عد أعماله ولم ينل أفضل أدواره بعد، لكنه يعتز بمرحلة الدراما السورية منذ مسلسل «الفصول الأربعة» «صقر قريش» «ربيع قرطبة» وغير ذلك وصولا الى مسلسل «عمر». في هذه الدردشة شذرات من بعض محطات حياته الفنية والبعض من همومه وانشغالاته.
■ حوالي نصف قرن من العطاء الفني. كيف تقيم كل هذا المسار؟
□ كما يفعل ذلك كل إنسان في الحياة. يتأسف على أشياء مرت في حياته ويحن لأخرى، أحن لزمن الستينات والسبعينات كانت هناك متعة فنية أكبر في الآنتاج والأداء الآن أشياء كثيرة تغيرت حتى في الغناء مضى زمن «ناس الغيوان» و»المشاهب» و»جيل الجيلالة» و»حل زمن الراب»، أيضا في ذلك الزمان علمونا أن المال وسيلة وليست غاية كنا مصدقين لهذا الكلام وبعد امتداد العمر وخروجنا للحياة العملية وجدنا العكس، وأنا لا أعتبر نفسي قد حققت شيئا، الأجمل والأفضل لم يأت بعد. ما مر على جماليته نسيته والآن أنتظر الأفضل.
■ ما هو الأفضل الذي تنتظره؟
□ انتاج ما أطمح إليه، لأن الإنتاجات الآن في المغرب هي استهلاكية ما تشاهده اليوم تنساه غدا، الفن ما يرسخ في الذهن وإن كان مجرد حركة أو إيماءة فيها إبداع. العبرة ليست بكثرة الحضور ولكن بقدرتك على إحداث الأثر والخلود في ذهن المشاهد، بعض ممثلي اليوم، يعملون لأجل أجر فقط ويختلفون عن الفنان الذي يبدع ويختار ويدقق ويفكر في جمهوره قبل التفكير في نفسه.
■ جزء من شهرتك جاء من الأعمال السورية. ماذا تعني لك التجربة السورية في مسارك؟
□ شهرتي ابتدأت من الغرب مع أوروبيين وأمريكيين أولا ومغاربة كثر تعرفوا علي من خلال الإنتاجات الغربية، ثم بعد الغرب خضت المجال الفني المغربي لكن للأسف عبر إنتاجات بدون أثر، ثم جاءت مرحلة سوريا التي كانت أقوى وأهم بأدوار ما كنت لأقوم بها في المغرب عبر كل ما تبقى من حياتي وهي أعمال ضخمة ميزانية وإخراجا وتمثيلا، مدروسة وذات رسالة وفرجة وتأثير على المتلقي وهكذا كانت حصيلتي في الشرق تسع مسلسلات سورية ومسلسلين من الأردن ومسلسلين من الإمارات ومسلسل مصري مع محمود عبد العزيز وهو «باب الخلق»، وأتأسف أنه وبالطريقة التي تشتغل بها الدراما المغربية من الصعب أن تفرض وجودها في الساحة العربية. والشيء نفسه ينطبق على الأغنية والسينما ولو أن هذه الأخيرة وبدعم من الدولة استطاعت الوصول للمهرجانات الدولية، لهذا نحتاج الآن لنقاش واضح وصريح حول الدعم الممنوح للتلفزيون فهناك اشخاص مستفيدون منه لكن البلد غير مستفيد فنيا.
■ جل من حاورناهم من الفنانين جسدوا مكمن الخلل في رداءة الكتابة والسيناريو؟
□ لدينا أدباء ومبدعون في الكتابة لكن التلفزيون في المغرب يختار نوعا محددا من الخطابات. هناك استراتيجية محددة الملامح لا تقبل إلا بنوع واحد من الكتابة لهذا الخلل هو في إدارة التلفزيون، هم لا يبحثون سوى عن قصص الحب والغدر والخيانة في العلاقات الإنسانية بين الأزواج والجارات والناس بعضهم مع بعض بسطحية شديدة على أن تكون الدولة دائما بعيدة جدا عن كل هذه التشابكات، مع أننا نمتلك كتابا فلو اشتغلنا فقط على الأديب محمد الزفزاف لما انتهينا منها سنوات لأن كل أعماله الأدبية ورواياته صالحة لتكون دراما تلفزية مغربية قوية جدا، أعمال الروائي مبارك ربيع أيضا قادرة على رفع الدراما المغربية إلى الأعالي، ولو حولنا وجهتنا نحو الشخصيات التاريخية في المغرب سوف لن تكفينا 50 سنة لنشتغل عليها جميعها بل وبمستطاعنا انذاك أن نصدرها للعالم العربي، البطل عبدالكريم الخطابي الذي حارب أوروبا لوحده يستحق أفلاما ومسلسلات ومعركة أنوال مثلا لن تجد لها مثيلا في تاريخ البلدان الأخرى، لا أحب كثيرا الحديث في هذا الموضوع لأنه مؤلم بالنسبة لي كفنان.
■ كيف تجد الوضع الفني في حكومة يسيرها إسلاميون؟
□ هناك تغيير نحو الأسوأ، الآن أصبح كل شيء عيب وحشومة والجميع متحجب والكل يمتلك مقصا ورقابة ذاتية بما في ذلك الكاتب وهذا اسوأ ما في الأمر لأنه يعني أن الأنظمة قد تغلغلت بالفعل الى أعماق الفكر، مع أنه كما هنالك معارضة سياسية وبرلمانية تحصل على أجرها مقابل عملها المتجسد في معارضة الحكومة ينبغي أيضا السماح لفن معارض ومنتقد بالتواجد والعمل.
■ كيف تتابع الوضع في سوريا التي شكلت جزءا من تاريخك الفني؟
□ ما يقع في سوريا ظلم وجور في حق الشعب السوري، ولا نرضاه حتى للأعداء. سوريا لم تخلق للحرب والفتنة لأني أعرف السوريين، وما يقع دخيل ومناف لطبيعتهم، لكن الفن والفرح لن يتوقفا في سوريا مهما تعالت أصوات الحرب والفتن وحتما ستنبثق إبداعات من هذا الألم والمعاناة.
■ كيف عشت فترة الربيع العربي وما كان تأثيره على الفن والإبداع؟
□ حصل في المشرق العربي وليس في المغرب، لأن الفن دار لقمان المغربية دوما على حالها، لكن مع كل نظام جديد يأتي عبر ثورة أو انقلاب يتجه الفن فورا نحو انتقاد وكشف عيوب من سبق. ولو تحدثنا عن المغرب فنحن لدينا أصلا جوانب مظلمة في التاريخ المغربي البعيد ولا نعلم تفاصيلها خصوصا من القرن 12 الى 18 مثلا هناك خيانة في موت السلطان الحسن الأول لم تتوضح في كتب التاريخ والمقررات الدراسية ولو كنا نتوفر على دراما قوية وإنتاجات ضخمة لأمكننا توضيح الكثير من الضبابية التي تطبع مجموعة من الأحداث التاريخية عبر القيام بدراسات وترجمات للكتب والوثائق التاريخية في فرنسا وإسبانيا.
■ اشتغلت في إنتاجات متنوعة في كثير من الدول شرقا وغربا، كيف تقارن بين هذه التجارب؟
□ أولا يستحيل مقارنة الوضع في المغرب مع باقي المدارس. لأن من تعاملت معهم قطعوا اشواطا مهمة وسنوات ضوئية عنا والتلفزيون المغربي يتعاون مع شركات إنتاج صحيح لكنها تشتغل تحت إمرته ووفق شروطه، أي ليست هناك خصخصة كاملة لأن الشركة بالعمق تنفذ إنتاج أموال تابعة لتلفزيون مملوك للدولة مع ما يشوب ذلك من تفضيل شركات دون أخرى.
■ نسبت لك تصريحات حول رأيك في التكريمات تقول إنها مضيعة للوقت ولا تفي الفنان حقه؟
□ لم أعط تصريحات بشكل مباشر حول هذا الموضوع، كنت أكلم مجموعة من الأصدقاء في جلسة خاصة ولم أنتبه لوجود صحافيين. لهذا أزعجني أن أقرأ عنوانا عريضا يقول إن فلان صرح لنا بأن التكريم مضيعة للوقت وهو ما لم أقله حرفيا. وما قلته تحديدا أن تكريم فنان أو أديب أو مبدع ينبغي أن يكون بأشياء تعود عليه بالنفع قطعة أرض مثلا وليس «إبريق شاي» هذا احتقار للشخص المكرم ومعيبة في حق الجهة التي تقوم بالتكريم.
■ تحلم بتجسيد شخصية البطل التاريخي عبدالكريم الخطابي، هل من مشروع في هذا الإتجاه؟
□ قبل ثلاث سنوات أثناء تصويري مسلسل عمر، كلمني المخرج السوري حاتم علي بهذا الخصوص بعد أن أخبره مغاربة يعيشون في ألمانيا وهولندا رغبتهم في إنـتاج مسلسل عن البطل عبدالكريم الخطابي. كنت سـعيدا جـدا للـخبر وظنـنت أن الحـلم سيتـحقق. لكن المشروع للأسف لم يتم، فيما أنا صرت أفقد هذا الحلم سنة تلو الأخرى لأن الزمن يمر ونحن نكبر يوما بعد آخر وملامح الوجه تتغير والقوة البدنية تنقص وعبدالكريم الخطابي شخصية ليست بالهينة لأنه قوة فكرية وجسمانية وفارس حقيقي امنت بأفكاره شخصيات عالمية كثيرة كتشي غيفارا وفيديل كاسترو وهوشي مينه الذي أرسل له رسالة إعجاب لأنه لقنهم مبادئ الثورات وأسلوب حرب العصابات.