مدينة «سوشيميلكو» العائمة… قصة الفلامنكو والجذور الاندلسية والاسلامية لمدينة الزهور

الجسرة اثلقافية الالكترونية
محمد محمد الخطابي *
المصدر /القدس العربي
فى مقالنا الذي يحمل عنوان»الفراشات العاهلات.. أزهار من نور تطير في الفضاء» («القدس العربي» 13 كانون الثاني/يناير 2015 عدد7983 ) وعدنا القارئ الكريم بموضوع مثير وطريف آخر حول مدينة سوشيميلكو العائمة التي ورد ذكرها في المقال أعلاه، التي يعتبرها الإسبان الأوائل الذين غزوا المكسيك، كما يعتبرها الكثيرون اليوم بندقية المكسيك، الطريق المؤدية إلى مدخل هذه المدينة تسمى «الهندي الحزين».
ظلت سوشيميلكو حصنا منيعا ضد الغزاة الأزتيك من داخل البلاد، ثم الإسبان من خارجها في ما بعد، وأخيرا وقعت في يد هؤلاء، وسقطت في قبضة أولئك فحزن السكان على ضياع مدينهم الجميلة الجوهرة النباتية، وتغيرت معالمها، التي تحكي لنا كتب التاريخ أنها كانت من أجمل الثغور والمراتع في هذه البلاد الواسعة. كان يطلق عليها مدينة الزهور، أو منبت الزهور، أو حقول الزهور الخصبة، إنها مدينة تقوم على المياه وتحيط بها البساتين الغناء، والحدائق العائمة من كل جانب. وهي تبعد عن العاصمة مكسيكو سيتي بحوالي ثلاثين كيلومترا ناحية الجنوب، وتعتبر من أجمل أرباضها ونواحيها، وقد أطلق عليها بعد الغزو الإسباني لهذه البلاد اسم «بندقية المكسيك».
مدينة الزهور
هذه المدينة « الزهراء» أو المزهرة تمر بها قنوات وروافد الأنهار التي تجري بين الحقول الخصبة والغابات الكثيفة والأشجار الباسقة. واسم هذه المدينة مشتق من كلمة « سوشيتل» التي تعني في لغة الهنود الأصليين «الزهرة»، ويقال إنه لا تتجلى التقاليد المكسيكية القديمة مثلما تظهر في هذه المدينة، حيث كان نبلاء الهنود والإسبان في ما بعد يقصدونها للنزهة والترفيه والراحة والاستجمام والتسرية والتسلي، وهم يمخرون هذه الغابة من الأنهار المتعددة الروافد والفروع بواسطة الجنادل أو الزوارق التي تسمى عندهم بـ»شالوبا» او «طراخينرا»، ويقومون بنزهات داخل أحد روافد النهر الهادئ المنساب في سكون، وهم يستمتعون بالمناظر الطبيعية الخلابة المحيطة بهم، ويستمعون إلى أعذب الألحان، وأرق الأوزان، وهم يتناولون المأكولات المزة والمشروبات المرة والحلوة في آن، كل حسب مزاجه وسنه ورغبته، وجيبه. ولقد قمت بزيارة هذه المدينة الساحرة العائمة على غرار أهلها في العديد من المناسبات، كلما زرت أو عدت إلى هذا البلد الأزتيكي الجميل المترامي الأطراف.
هناك حوالي خمسة آلاف جندل، تقاد على طريقة أهل مدينة البندقية الإيطالية بواسطة أعمدة طويلة من خشب تغرز في قعر اليم. والغريب أنه على الرغم من كثرة المراكب، فإنه نادرا ما تحدث اصطدامات في ما بينها، كما أن هناك سبعة مرافئ أو أرصفة ترسو فيها هذه المراكب، أكبرها يسمى «العين» أو «الينبوع» نظرا لتقاطر وتكاثر المراكب الراسية فيه والخارجة منه، أو الداخلة إليه.
إلى جانب تلك المراكب أو الجنادل نجد زوارق هندية تقليدية صغرى للباعة العائمين الذين يقدمون للزوار مختلف أنواع الأطعمة والفواكه ونوادر المصنوعات التقليدية العجيبة، بعض هذه الزوارق لا تبيع سوى سلال صغيرة من الزهور المختلفة الأشكال والألوان، فلا عحب فالمدينة تحمل اسم الزهور، بل وجميع أسماء شوارعها وأزقتها وممراتها تحمل أسماء الزهور كذلك، مثل حي شهير وكبير يوجد في مدينة الرباط المغربية يسمى «حي الرياض»، إلا أن هذا الأخير لا أنهار ولا روافد ولا جداول ولا بحيرات تخترقه !
بسوشيميلكو هناك كذلك مراكب خاصة بفرق وأجواق موسيقية تسمى بـ»المارياتشي» لها جذور من تأثيرات غناء (الفلامنكو) الذي ينحدر بدوره من أصول عربية أندلسية (يرجح أن يكون أصل الكلمة من « الفلاح المنكوب») وهذه الفرق أو الأجواق مستعدة لتلبية رغبة أي زبون أو زائر أو سائح لتنطلق حناجرها بالشدو والطرب والغناء وعزف أحلى الأنغام وأشجى المقطوعات الغنائية الجميلة، حيث تختلط أصواتها وموسيقاها بصوت خرير المياه وانسيابها، وهفهفة حفيف الأشجار واهتزازها، بعد أن تدنو من المراكب المؤجرة، وتسير بمحاذاتها بشكل متناسق بديع. هناك كذلك العديد من المصورين «العائمين» الذين يلتقطون بدون انقطاع الصور التذكارية لتخليد هذه اللحظة وهذه النزهة الرائعة.
جميع المراكب التي تمخر مياه هذه المدينة الساحرة منمقة بشكل يدعو للإعجاب حقا، وهي مزينة ومغطاة ومزركشة وموشاة بأشكال مختلفة من الزهور المتعددة الأشكال والألوان، وكل مركب غالبا ما يحمل اسما مصغرا لامرأة أو طفلة، من باب التلطف، أكبر هذه المراكب يسع لثمانية أشخاص، وأصغرها لشخصين اثنين، أي هناك مراكب جماعية أو عائلية، وأخرى فردية حميمية خاصة، وهي تنتقل من مكان إلى آخر، وفي رمشة عين تحملك المناظر الطبيعية الخلابة المحيطة بهذه القنوات والروافد إلى ماضي المكسيك قبل الوجود الإسباني بها، حيث تتراءى للناظر أو الزائر جبال شاهقة، وأدغال كثيفة، وخضرة متنوعة ترتاح لها العين، وتذهب الحزن والشجن عن القلوب.
أوصاف الرحالة
الرحالة البريطاني العالم ويليام بولوك عند زيارته للمكسيك عام 1823 أشار في مذكراته واصفا هذه القنوات الرابطة بين سوشيميلكو ومدينة مكسيكو فقال: «عند المساء في غير مواسم الأمطار بالخصوص تقدم لك المدينة منظرا فريدا فيه جلبة وضجة وصخب وسعادة وحبور، حيث تتجمع عشرات الجنادل والزوارق من مختلف الأحجام وهي تغص بالسكان الأصليين من الهنود، يرتدون أجمل أزيائهم ورؤوسهم متوجة بأزهار زاهية جميلة، يغدون ويروحون بين جانبي القناة، وعند مؤخرة الجنادل أخذ الموسيقيون أماكنهم وهم يعزفون على أدواتهم الموسيقية خاصة القيثار، بينما يرقص آخرون حيث يقدمون للناظر إليهم شعورا يوحي بالطمأنينة والمتعة والغبطة. ويقول بولوك في مناسبة أخرى: «كانت هناك الزوارق الهندية ذات الأحجام والأشكال المختلفة، وهي مملوءة بأنواع عديدة من الحيوانات والفواكه، التي ما زلنا نجهل أسماءها، إلا أن أول شيء يملأ عين الناظر هو العدد الهائل والمتنوع من الأزهار التي كانت موضوعة في أشكال هرمية وسط الزوارق التي كانت هي الأخرى مزدانة بأشكال عجيبة من الأزهار، النساء الهنديات كن يرتدين أخف الثياب، وقد انسدلت ضفائر شعورهن الفاحمة حتى الخصر، وكنت ترى في الغالب رضيعا وقد شد موثوقا إلى ظهر أمه بإحكام. وكانت النساء الهنديات يقدن زوارقهن بعمود من خشب طويل، وكان يغلب على أزيائهن المزركشة اللون الأزرق والأحمر والأبيض.
يا ورد مين يشتريك
كانت سوشيميلكو وما تزال أهم مركز للبستنة وزراعة الزهور منذ خمسمئة سنة ونيف، فتجارة السكان تقوم أساسا على الورود، إذ تجد في المراكب والأزقة والشوارع، وفي كل مكان من يمد لك باقة من ورد مختلفة الألوان والأشكال، ولا يمكن لزائر المدينة أن يبرحها من دون أن يحمل في يده باقة أو سلة ورد صغيرة على الأقل، فذلك يدعو للشؤم عندهم، أي أن من فعل ذلك قد لا يعود إلى مدينتهم أبدا، مثل ماء النيل من شربه لابد أن يعود إلى أرض الكنانة! إن الناظر إلى المراكب المزركشة وهي مصطفة على صفحة الماء الناصعة يوحي له أنه أمام حديقة عائمة لتداخل الألوان التي تزدان بها ولكثافتها، بل إنه من عادة أصحاب الجنادل تقديم باقة ورد صغيرة هدية للزائرين الذين يقع اختيارهم عليهم، هناك رواية أخرى تقول إن اسم هذه المدينة مشتق من اسم قبيلة هندية شيشتميكاس، استقرت على ضفاف هذه الأنهار المتشابكة والمتداخلة في القرن الثالث عشر، وبالضبط عام 1471 وهي قبيلة قادمة من شمال البلاد، وقد دافعت، وصدت القبائل المغيرة الأخرى التي كانت تهاجمها لتحويل الأراضي الخصبة التي في حوزتها إلى مزارع وحقول لمنتوجات فلاحية أخرى غير الزهور، إلا أنها ذادت باستماتة عن موطنها الجديد، وفي عهد الأزتيك 1375 أرغمت هذه القبيلة على الاستسلام، وكان جزاء مقاومتها بناء قناة طويلة تربط سوشيميلكو بالعاصمة مكسيكو، حيث كانت المراكب تصل بين هذه القرية والمدينة العملاقة بواسطة هذه القنوات.
وفي عام 1521 عندما أقام الإسبان عاصمة إمبراطوريتهم في مكسيكو هوجمت سوشيميلكو كذلك، وأرغمتها قوات المستكشف الإسباني هرنان كورتيس على التراجع. وترجع هذه الشبكة من القنوات والروافد في الأصل إلى بحيرة واحدة كبيرة كانت موجودة قبل الوجود الكولومبي، وكانت شبيهة بسد منيع تحفظ فيه المياه لاستغلالها في مواسم الجفاف، أو جمعه فيه عندما تهطل الأمطار بغزارة، ومثلما كانت سوشيميلكو تمد مدينة مكسيكو بالمياه كانت كذلك تحول دون غرقها لحجزها للكميات الهائلة من المياه التي تتجمع فيها من فرط الفيضانات. وبعد زحف المدينة، وإقامة القنوات االصناعية الحديثة تخلت مكسيكو عن هذه الخدمة التي كانت تقدمها لها «مدينة الزهور» وأصبحت عبارة عن بحيرات وقنوات متشابكة تتفرع منها روافد ومصارف وترع، ولم تعد بالشكل الذي كانت عليه قبل وصول الإسبان إلى هذه البلاد.
وحتى القرن الماضي كانت هناك ممرات مائية تربط بين سوشيميلكو ومدينة مكسيكو بواسطة قنوات كانت تمخرها الزوارق والمراكب وهي تحمل المسافرين ومختلف المنتوجات التي تزرع في هذه المدينة وفي المناطق المجاورة لها، وكانت تجارة الزهور من أكثر التجارات رواجا، تليها مرتبة الفواكه والخضروات التي تنبت في الأراضي الدافئة، إلا أن المدينة احتفظت اليوم بخاصية زراعية الورود، لا ينافسها في ذلك مكان آخر، كما أنها ما زالت محافظة على صناعة جنادلها المميزة الجميلة التي يؤمها الزائرون من عاشقين ومحبين وهائمين ووالهين من كل صوب وحدب، كيف لا، ولا تحوط بهم سوى الطبيعة الهادئة والسكينة والمياه البلورية الصافية والأزهار والأشجار والظلال وتغاريد الأطيار والوجوه الحسان.
كانت هذه المراكب تصنع منذ القدم، أي قبل الوجود الإسباني من لحاء وجذور نوع خاص من الأشجار تقاوم الرطوبة والبلل، وقد علقت بها تربة نباتية، وتظل هذه الجذور حية في الماء لدرجة أنها بعد سنين عندما يغير الجندول تؤخذ هذه الأشجار لغرسها من جديد في أماكن معينة، وبهذه الطريقة لم يكن السكان يخسرون الأشجار التي تستعمل جذورها الغميسة لصناعة مراكبهم، وبذلك يحافظون على البيئة، ولا يسيئون إلى الطبيعة التي حباهم الله بها، والتي ما زالوا يستمتعون بها إلى اليوم. ومع مرور الزمن، تكون هذه الجذور المتراكمة هضابا، وآكاما صغيرة داخل البحيرات تتحول فيما بعد إلى جزيرات شبيهة بـ»حدائق طافية» وإن كانت هذه الطريقة التي تعود للسكان الأصليين قد طفقت في الزوال مع الأسف، وأصبحت تستعمل أخشاب جذور الأشجار العلوية بدل جذورها الدفينة، وإن منظر الجذور وقد علقت به التربة النباتية والتي تكونت منها تلك الجزيرات ما زال يثير إعجاب زوار هذه المدينة، مما يؤكد المعارف الفلاحية الواسعة، التي أدركها سكان المكسيك القدامى. كما توجد في أرباض هذه المدينة بقايا آثار ورسوم منقوشة على الأحجار تعود إلى ما قبل الوجود الإسباني، مما يؤكد أن هذا المكان كان أثيرا لدى السكان الأصليين منذ القدم.
بصمات إسلامية
توجد في هذه المدينة أولى الكنائس التي بناها الإسبان غداة غزوهم لهذه البلاد عام 1519 إذ يرجع تاريخ بناء هذه الكنيسة التي تسمى «برناردينو» إلى عام 1530، وإلى جانبها يوجد دير عتيق، ولا يخفى على الناظر إليها أنها بنيت على طراز الهندسة المعمارية الإسلامية التي حملها الإسبان معهم من الأندلس، حيث تظهر فيها جمالية المساجد الإسلامية القديمة المدجنة بتوريقها وتنميقها وأسوارها وأعمدتها وأقواسها وبهوها وقبوها وقبتها، وبداخل الكنيسة يوجد مصلى يسمى «روساريو» أي المسبحة، بني في وقت متأخر عام 1768 تشبه بوابته بوابة أي مسجد مشرقي لوفرة نقوشها، وكثرة زخارفها الناتئة من الملاط مع مزج الآجر بالزليج، وتؤكد الباحثة المكسيكية إكرام أنطاكي (من أصل سوري) هذه التأثيرات في كتابها الكبير «الثقافة الجديدة»، الذي سبق أن تعرضت له في مقالات سابقة نشرتها «القدس العربي» في تواريخ متفاوتة.
ألعاب أولمبية
عندما اختيرت المكسيك لتنظيم الدورة التاسعة عشرة للألعاب الأولمبية العالمية عام 1968، كانت الطبيعة سخية معها، بارة بها، فقد هيأت مدينة سوشيميلكو بالذات للمنظمين أنهارا وقنوات طبيعية لمزاولة رياضة التجذيف وسباق الزوارق بالخصوص، وهكذا تم استغلال هذه القنوات وهذه الأنهار واستعملت في المباريات التي جرت في نطاق هذه التظاهرة الرياضية الدولية الكبرى، وتصل مسافة المساحة المائية التي خصصت لهذه الغاية إلى 2.200 متر طولا و125 مترا عرضا ومترين عمقا، وقد قسمت إلى تسعة ممرات مائية كل ممر مساحته تسعة أمتار لسباق الزوارق، وستة ممرات أخرى بعرض 135 مترا للتجذيف، وقد فرقت جزيرة بين الممرين، بالإضافة إلى قناة طبيعية أخرى خاصة للتدريب يصل طولها 1080 مترا وعرضها 30 مترا. وقد تسنى للمشاركين في هذه الدورة الأولمبية الاستمتاع بجمال الطبيعة ووفرة الزهور واختلافها في هذه المدينة التي بدت وكأنها أعدت خصيصا لهذه الغاية منذ ما ينيف على خمسة قرون! وبهذه المناسبة كذلك وفي مكان قريب من هذه المنطقة تم تشييد جدار كبير يمتد على طول سبعة عشرة كيلومترا أطلق عليه «جدار الصداقة»، وهو بمثابة رواق من منحوتات مقامة في الهواء الطلق، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الفنان الزميل محمد المليحي من المغرب كان هو الفنان العربي والأفريقي الوحيد الذي اختير من بين عشرات الفنانين العالميين الذين ينتمون للقارات الخمس للمشاركة في هذه التظاهرة الفنية الكبرى في ذلك الأوان .
ومن عادة أهل سوشيميلكو أن يقيموا موسما خاصا كل عام تجري فيه مسابقة لاختيار أجمل جندول منمق أو مركب مزدان بالزهور، كما تقام مسابقة أخرى لاختيار أحسن باقة زهور. كما تقام حفلات أخرى قديمة لتخليد عادات السكان الأقدمين، وتزين المدينة بهذه المناسبة بالزهور والورود الجميلة، تعبيرا عن بهجة السكان وحبورهم، ويستغرق هذا الحفل مدة ثمانية أيام، كما كانت في الماضي تقدم النذور وتنثر البذور في هذه الأنهار التي تخترق المدينة حتى لا تتدفق مياهها وتفيض وتغمرهم، وذلك على عادة الفراعنة من سكان مصر الأقدمين الذين كانوا يقدمون القرابين لوادي النيل .
صناعات تقليدية
وتعكس الصناعات التقليدية في مدينة سوشيميلكو مدى حرص السكان الأصليين على هذه الفنون اليدوية المتوارثة مثل النقش على الحجر، أو الخشب، أو التطريز وغزل النسيج وحياكة الزرابي والسجاجيد، التي تحمل صورا تاريخية قديمة، فضلا عن الفنون الفخارية. كما أن من عادة سكان المدينة إعداد حلويات تقليدية مختلفة وقد نمقت بألوان الورود والأزهار، بل أن بعض الحلويات تحمل أسماء الورود باللغة الهندية القديمة، ونظرا لوجود الأزهار بكثرة في هذه المدينة ونواحيها وأرباضها فقد اشتهرت كذلك بتربية النحل وإعداد خلاياها وأجباحها بدقة متناهية، وهم يبيعون للزوار أصنافا مختلفة من العسل مختلف ألوانه ليس داخل قوارير أو علب أو زجاجات، بل في شكله الطبيعي وهو عالق بخلايا النحل والعسالات.
ويلاحظ أن الألوان السائدة في المدينة والمستعملة في الجنادل والمراكب وواجهات المطاعم والمقاهي هما اللونان الأحمر والأصفر، ومن غرائب الصدف أن هذين اللونين يمثلان ألوان العلم الإسباني، وإن لم يكن لهما أي صلة بإسبانيا، بل إنهما لونان كانا أثيرين ومفضلين في هذه المدينة، وذلك لوجودها بها قبل «الاكتشاف» الإسباني لهذه البلاد .
أغنية الزهرة
عندما وصل أحد المستكشفين الإسبان الكبار وهو برنال ديل كاستييو إلى المكسيك ومر بقرية سوشيميلكو وصف مشاهداته في كتابه المعروف» التاريخ الحقيقي لاكتشاف إسبانيا الجديدة» قال: «رأينا العديد من المدن والقرى، مبنية فوق المياه، وتلك الأرصفة المرصوصة التي تراءت لنا ونحن في طريقنا إلى مكسيكو، أخذنا الإعجاب والدهشة مما نرى، وكانت هذه الأشياء تبدو لنا مثل القصص والحكايات التي قرأناها في كتاب «أماديس» نظرا لكثرة البناءات والأبراج داخل المياه، مما جعل أحد جنودنا يتساءل ما إذا كانت الأشياء التي تتراءى لنا هي في الواقع أم في الأحلام ..؟!».
ويقول أحد شعراء الهنود الأقدمين عن زهور مدينة سوشيميلكو في قصيدة له تحت عنوان: «زهرة وأغنية»*
لن تموت زهوري
لن تتوقف أغنياتي
أنا الشادي أجعلها تسمو
تنتثر وتنتشر
حتى لو ذبلت
أزهاري وشحبت
فإنني آخذها إلى هناك
إلى داخل عش الطائر
ذي الريش الذهبي
في حدائق سوشيميلكو.
ويقول شاعر آخر:
في سوشيميلكو
تنبت الأزهار وتنمو
تتفتح في شكل براعم
وتكبر نواراتها
من داخلها تتدفق
الأغنية المزهرة
التي تجعلك أنت
أيها الشاعر المحب
تمطر طلا وتشيع ندى
بين الآخرين .