معرض بيروت للكتاب عراقة تعاني الشيخوخة وتحتاج لدم جديد

الجسرة الثقافية الالكترونية
#زهرة مرعي
دار الزمن أكثر من دورة كاملة بين 1956 و2014 وهو العمر الذي بلغه معرض بيروت الدولي للكتاب. خلال عامين سيحتفل بعيده الستين. واقع الحاضر لا يشي بأنه سيخطو إلى المستقبل مصحوباً بالتطورات الحديثة التي صبغت بألوانها العقدين الماضيين. معرض لا يزال يدور في فلكه الخاص، في حين أن المعارض العربية، التي يصنف مجملها بأنها حفيد لمعرض بيروت تألق وأزدهر، وواكب العصر بشجاعة. مع العلم أن دور النشر اللبنانية تشكل العمود الفقري لتلك المعارض عامة. في دورته الـ57 تأثر معرض بيروت بعاصفة مناخية حبست رواده في منازلهم. وفي دورته الـ58 هو مقيد بحفريات تزنره، وقوانين مرهقة كبدل مواقف سيارات، وتيه بين مدخل ومخرج. وفوق ذلك التيه داخل المعرض إذ ليس هناك أسهم ترشد الزائر وتجعله طوعاً يزور كافة الأجنحة. وفوق هذا وذاك منع وزير الداخلية إعلانات الشوارع، فغدا المعرض متكلاً على دعاية قديمة حديثة «من الفم للأذن»، وعلى مريدين ينتظرونه من عام لآخر.
في المعرض 225 داراً. الرواد في مرحلة بعد الظهر والمساء كثر. هم يغدون بين أروقته الشاسعة. وجوه أدبية معروفة وإن كانت قليلة. نواب ووزراء من فريقي السياسة اللبنانية المستعيران لأرقام من آذار/ مارس، إعلاميون، فنانون، حشد من طلاب كلية الإعلام، وحاجة لتنظيم السير قريباً من رواق دار الفارابي. إنها مراسلة قناة الجديد كريستين حبيب توقع كتابها الشعري الثاني. كاميرا استقطبت كاميرات. علاقات عامة ناجحة نسجتها حبيب مهنياً، وروضتها لصالح شهرة إضافية من ضوء بدأت تخطها كأفكار شعرية. من جمهور حبيب الفنان مرسيل خليفة، وصاحب نشيد «اناديكم» أحمد قعبور. طالب من كلية الإعلام معجب بها مهنياً «لا أعرف شعرها بعد». وآخر يتدرب في تلفزيون الجديد جاء ليحظى بتوقيع حبيب «جئت لأنها جميلة ومهضومة، لا أعرف شعرها فأنا متيم فقط بشعر نزار قباني».
«بين ليل ونهار» كتاب لفيليب سكاف «صحافي» عرضه على عربة خضار مع سعر مخفض «الكيلو بـ60 ألفا أصبح بـ40 ألفا»، وزين نسخاته المرشوقة عشوائياً بشتلتي فليفلة حمراء وصفراء. الكتاب معروض في جناح دار النهار. وفي دار الكتاب اللبناني كان الإعلان عن كتاب ماغي فرح 2015 لافتاً ومميزاً، وكأنه حبل نجاة للدار، وأمل معدوم للمتلقي. عنوان قاتم «كرة اللهب تتوسع» ويلقى رواجاً. «اسم ماغي فرح بمفرده يكفي». يقول موظف في الدار. الاتكال في بيع كتاب ماغي فرح على الخارج. ماغي صارت تراثاً. هي كما أرز لبنان!
يتوقف رامي حجار كشاب عند متطلبات جيله. تغلب الكتب الدينية على المعروضات، وكذلك المترجم. نحن كشباب نحتاج لعناوين معاصرة. ليس لجيلنا اهتمام مباشر بالكتاب. لا شك أن عناوين تجذبني. انجذب لكتب الفلسفة، التاريخ والروايات المحبوكة جيداً. ويستغرب رامي وجود معرض عربي ودولي للكتاب في بيروت بدون دعاية وإعلان. سمر صبية في عشرينات العمر تقول إنها في بحث عن كتب تغذي روحها وفكرها، والمطلوب جهد ووقت. فدور النشر تبحث عن اسم كاتب يبيع، وليس عن موضوع. العرض والإعلان يتناول الإصدارات الجديدة فقط، ولا دليل حديث يقدم لنا الكتب القديمة ولا عناوينها. مدينة بيروت على صغر حجمها ليس فيها إعلان عن المعرض. معرض هذا العام كما سابقه يبدو أنه سيمر بصمت. سمر التي تطلب دليلاً إلكترونياً يقدم كتب المعرض للزوار تختم بالقول: أزور المعرض لأكثر من مرة وأمضي الساعات مع الكتاب. الكتاب يغذي العقل، بخلاف التكنولوجيا الحديثة التي تجعلنا أغبى.
«في الزمن الرديء الكتاب ينير الطريق» هذا ما تصدر معروضات الدار العربية للعلوم ناشرون. هي محاولة لموقف ندي مع التكنولوجيا الحديثة التي صارت عدوة الورق اللدودة. فلا شراء للكتاب في الوقت الذي يتم تنزيله على «الأي باد». يقول مسؤول في الدار مضيفاً: ولأن لنا حقوق الملكية في هذه الكتب كان قد تواصل مع مسؤولين في مواقع إلكترونية، تجاوب البعض وآخرون لم يتجاوبوا. اسأل محدثي عن الشباب وكم يشكلون هماً للدار التي يعمل فيها؟ يأتي الجواب بأن العنوان مهم في مقياس الشباب. ونحن كدار نقدم لهم عروضاً تصل أحياناً لغاية 60٪. وهذا العام كان لناشرون أكثر من 300 إصدار جديد تصدرت الروايات القسم الأكبر منها. بعض تلك الروايات ترك اثراً كبيراً كما «يافا» للكاتب نبال قندس. هو روائي مقيم في فلسطين 1948. رواية عمرها شهر تُباع كما الخيال، ونحن باشرنا الطبعة الثانية. الكاتب والروائي إبراهيم نصرالله حضر خصيصاً من الولايات المتحدة لتوقيع روايته الجديدة «شرطة الفردوس». وله في دارنا 26 مؤلفاً.
لا تتحين الأديبة والروائية غادة السمان أن تخصص إنتاجها الجديد في زمن المعرض. لكن جناح منشورات غادة السمّان في دار الطليعة تضمن هذا العام وبعد غياب رواية ولدت للتو «يا دمشق وداعاً ـ فسيفساء التمرد». هناك من يقصد منشورات غادة السّمان باحثاً عن قديمها وجديدها، فهي من أكثر الكاتبات غزارة ومبيعاً، وترجمة. الإقبال كبير على الرواية الجديدة التي صدرت عن ابنة دمشق ـ الشام حتى بدون دعاية وإعلان، وقبل أن يُكتب عنها إصدار أو نقد في صحيفة. بحسب مصدر في الدار، السائلون عن كتب غادة السمان من كل الأعمار، ومنهم كثر من الجيل الجديد يتعرفون إلى حرفها حديثاً.
يقرأ مدير عام دار الفارابي جوزف بوعقل في تقلبات الزمن الكبيرة مقارناً بين تصدر الدار طليعة المبيعات لسنوات، خاصة في الكتب الفلسفية، ويقول لا زلنا في الطليعة بشهادة المعارض العربية، خاصة معرض الشارقة. الحشد الموجود في توقيع كتاب الإعلامية كريستين حبيب استثنائي. والتواقيع الكثيرة في دارنا ليست بتنظيم منا، بل من صاحب الكتاب. الكتب الفلسفية والفكرية لا تزال تتصدر المبيعات في دارنا وكذلك الإصدارات. في العالم العربي أجمع لا تبيع من الكتب الفكرية إلا آلاف النسخ. الأدب عامة والرواية خاصة هي الأكثر مبيعاً. سوق الخليج يساهم في ازدهار بيع الرواية. تبقى السعودية استثناء بين دول الخليج. فيها العناوين جميعها تلقى رواجاً. في معارض السعودية يُسمح ببيع كافة الكتب. وفي ختام المعارض تحتاج كافة الكتب لتصريح. الكتب الأكثر مبيعاً في لبنان الطبخ، الأزياء، التوقعات وقراءة الفلك. للأسف هي عناوين لا نهتم بها كدار. وإن سألتني عن الكتب الأكثر مبيعاً في دول المغرب العربي عامة، فهي الكتب الفكرية، الفلسفية والنقدية. أما حجم بيع الرواية فهو أقل بكثير، والسبب برأيي أنهم يفضلون قراءة الفرنسية. يعود بوعقل إلى لبنان ليتحدث عن الانتقال للكتاب الرقمي إنما ببطء واضح. مع العلم أن الدار طبعت خلال هذا العام 210 عناوين.
دار الشرقية القديمة العهد لم تقدم أي عنوان جديد هذا العام، في حين أن شقيقتها دار المجاني المخصصة للأطفال قدمت عشرة عناوين فقط. تحلل مسؤولة الدار الحركة النشيطة للمشاة بين أروقة المعرض بأنها ناتجة عن وجود أكثر من عشرة تواقيع. في دار رياض الريس حيث اليقطين يتجاور مع الكتب كما في كل عام، لم تتجاوز الإصدارات الـ25 عنواناً تراوحت بين السياسة والرواية. مسؤول الدار ليس راضياً عن تنظيم المعرض، ولا عن مواقف السيارات.
يفتخر دار العلم للملايين بترجمته لمجموعة كتب ديباك شوبرا، والتي تحل في المرتبة الأولى في الولايات المتحدة. ويلاحظ مدير مبيعات دار العلم للملايين سامي حركة أن الشباب الذين يقصدون جناحهم يهتمون بالروايات، وبما يختص بدراستهم الجامعية. طموحه أن تلحق العدوى معرض بيروت فيصبح كما المعارض العربية في صلب التطور التكنولوجي الحديث. فليس للمعرض موقع خاص على الشبكة العنكبوتية.
«معرض بيروت للكتاب العربي والدولي من أعرق المعارض، وهو الثاني عربياً بعد معرض القاهرة. انطلاقته قبل 58 سنة شكلت خطوة ثقافية مهمة جداً. لعب دوراً كبيراً من خلال الانفتاح الذي كان لبيروت على الثقافة العربية والعالمية. شكل دعماً لبيروت كمدينة كتاب، رغم كونها اشتهرت بالطباعة أكثر من القراءة. كافة الكتاب والناشرين العرب تقريباً انطلقوا من بيروت. فهي تمتعت بالحرية بمعناها الفوضوي». هذا في ما مضى بحسب الشاعر والناقد والصحافي عبدو وازن. في الحاضر ينظر إلى المعرض فيراه «عجوزاً». كيف يمكن بعث الروح فيه وتجديده؟ برأيه أنه «بأمس الحاجة للتكنولوجيا. للكتاب الرقمي. لأدب وثقافة الشباب. لكافة وسائل التواصل الجديدة. هو يفتقد لأقل المتاح في هذا العصر ألا وهو وجود موقع يظهر موجودات المعرض من الكتب. هناك موقع للنادي الثقافي العربي، ولا وجود لموقع للمعرض. هذا أمر معيب في مدينة كبيروت. هناك بزار في الندوات والتواقيع. لقد هبط مستوى الكتاب كثيراً.
وهذا يستدعي تجديداً في النادي الثقافي العربي بحيث يدخل زمن الحداثة.» في نظرة إلى المعارض العربية في دول الخليج كأبو ظبي والشارقة، أو دول المغرب العربي يلاحظ وازن «تطوراً كبيراً في مفهومي التسويق والنشر. وهم يأتون بخبرات عالمية كي يستفيد منها الناشر العربي. في معرض بيروت نفتقد كثيراً لكاتب عالمي يقدم محاضرة، أو أن يوقع كتبه إن كانت مترجمة للعربية».
سميح البابا رئيس النادي الثقافي العربي المشرف على الفعالية الثقافية الأكبر والأعرق في بيروت. ترأس النادي في دورة سابقة تعود لحقبة الستينات من القرن الماضي، وعاد ليرأسه في الألفية الثالثة. عمر يمتد على مدى نصف قرن نسأله أن يقرأ في الاختلافات وما طرأ من جديد؟ بنظره أن المعرض أنجز كل ما يحتاجه من تحسينات في سنواته العشر الأول. بعدها التجديد يصبح صعباً. فماذا نجدد؟ يقول البابا. أين أنتم من التكنولوجيا؟ لماذا الجفاء معها كلياً؟ بعد هذين السؤالين اُحضر كتيب لكنه كان يحمل عنوان موقع للنادي الثقافي العربي وليس للمعرض. ولم نحصل على إجابة للتساؤلات المطروحة، بل عود إلى بدايات نشوء المعرض والآمال التي علقت عليه. ماذا عن تحديات الحاضر؟ نصر على إجابة ونكرر كيف للمعرض أن يصبح مقصداً لجيل الشباب؟
نحن نعد الأجواء ونسهل للشباب الوصول، وبالتالي عليه بنفسه أن يستكشف كل جديد موجود في المعرض. وليس لنا دور أكثر من ذلك. سُئلنا كثيراً عن أثر الإنترنت على الكتاب وتالياً المعرض. في البداية نعم راودنا الخوف.
وبمراقبتنا لتطورات المعرض على مدى سنوات وجدنا التأثير بسيطاً جداً. فليس من لذة للقراءة سوى مع الكتاب. وهو يتيح القراءة في كافة الأوضاع والأماكن. ماذا عن التواصل مع الشباب للوقوف على رغباتهم وأفكارهم؟ يقول البابا: يتم التواصل معهم من خلال ندوات ينظمها النادي. نقف على أفكارهم. وليس كل ما يُحكى قابل للتطبيق. نحن ندخل الدم الجديد للنادي، ولست متمسكاً بالسلطة كرئيس، ولست أحب الظهور.
….
القدس العربي