وجوه نسائية تمثل الحب والحياة في «جمال متفرد»… معرض للهولندية مونيك فان ستين

الجسرة الثقافية الالكترونية
*آية الخوالده
«من المهم جدا أن تكون سعيدا»، تلك هي الرسالة التي تحاول الفنانة الهولندية مونيك فان ستين إيصالها في معرضها الشخصي «جمال متفرد» الذي تم افتتاحه في مركز رؤى للفنون في العاصمة الأردنية عمان. خمس عشرة لوحة حملت وجوها للنساء بألوان الربيع والصيف، تتحدث عن أحلام وحب وحرية وسعادة وتأمل في كل منها. تسعى من خلالها ستين إلى تقديم الجمال الحقيقي بعيدا عن الفوتوشوب الذي تتعرض له عارضات الأزياء، كونها كانت إحداهن قديما. «جمال متفرد» هو معرضها الشخصي الأول في الشرق الأوسط، حول ذلك تقول ستين لـ«القدس العربي»: «إنها تجربة مشوقة للغاية، فمن المهم الحصول على جمهور جديد من الشرق الأوسط والتعرف على ثقافات جديدة والالتقاء بفنانين من مختلف أنحاء العالم».
واختارت ستين الألوان القوية، لأنها تعتقد أنها تجلب السعادة لحياة الأشخاص، والجمال بالذات يعني الكثير من السعادة للآخرين، فلماذا لا يكون الأدب أمرا يجلب السعادة.
وحول سر اختيارها لوجوه النساء، تقول ستين «لأنني اعتقد أن وجوه النساء دوما رائعة وتتيح لي المجال لاستخدام الألوان، سواء في الوجوه أو العيون أو الشفاه، بينما تبقى تعابير وجه الرجل قاسية بعض الشيء ولا يمكن إضافة الألوان عليها أو التغيير في ملامحها».
وتقول ستين، «من خلال رسوماتي أسعى إلى حث الآخرين إلى أن يكونوا سعيدين بما هم عليه وبما يتمتعون به من جمال وطيبة قلب، خاصة أننا نعيش في مجتمع مليء بالضغوطات على كافة الأصعدة وفي مختلف مجالات الحياة». ومن عالم الموضة وعرض الأزياء إلى عالم الفن، تحدثت ستين عن عملها في عرض الأزياء، رافضة الصور المزيفة جراء عمليات الفوتوشوب الكثيرة، موضحة «مهما كانت عارضة الأزياء جميلة هذا لا يكفيهم، إذ يذهبون إلى ما هو أبعد، فيجعلون وجهها ملائكيا ورقبتها أطول والعين أكبر، ويمسحون الخطوط من وجهها، فحينما كنت أنظر إلى صورتي بعد ذلك، كنت أحزن كثيرا، لأنها لم تكن مونيك التي أعرفها وأحبها… أنا لم أكن جميلة كفاية من دون الفوتوشوب». وأضافت «لذلك لطالما كنت أحذر النساء من المنتجات التي يروجون لها من خلال صور العارضات الخارقات للجمال، لأنهن لسن كذلك وهذه الكريمات والمنتجات التجميلية لا تصنع المعجزات».
وستين بدأت الرسم والنحت منذ كانت صغيرة ودرست الفنون الجميلة في هولندا، وعملت كعارضة من أجل أن توفر لها مستلزمات الحياة المعيشية، حيث تقول «لقد كان مجال الموضة وعرض الأزياء أمرا سهلا لجلب المال من أجل الدراسة والرسم». لكن بعد عدة أعوام من العمل في هذا المجال قررت ستين أنها لم تعد نفسها ولم تعد سعيدة بمثل هذه الصور، فانتقلت للعيش في برشلونة والعمل في مجال النحت، وبدأت التعاون مع عدد من الغاليريهات وامتلكت مكانا خاصا بها كورشة لإنجاز لوحاتها.
والناظر لمعظم رسوماتها الحديث منها والقديم، يجد العنصر البشري حاضرا، دون سواه، والسبب في ذلك «معظم رسوماتي حول البشر، سواء في الحدائق العامة أو في كليات الفنون حينما تقف العارضة لرسمها لعدة دقائق، أحاول تجسيد مشاعرهم، وملامحهم وبث الروح في حركاتهم، وكأنني أسعى للقبض على العلاقات الإنسانية التي تميزهم وبالأخص الأطفال».
وتتحضر ستين لإقامة معرضها المقبل في النمسا في تشرين الاول/أكتوبر من العام المقبل، إذ أنها لا تنجز في العام سوى 30 لوحة. والمعرض الذي يستمر حتى نهاية الشهر الجاري في غاليري رؤى، يعتبر الجمال مفهوما مجردا، لكننا جميعها نفهمه عقليا وبصورة غريزية. في معرضها الشخصي تستكشف مونيك، ذلك العالم من الانسجام والجمال في حقلها الحضري المصور. وعلى النقيض لما هو مألوف، كما هو الحال مع فنانين كبار مثل موندريان، مالفيش، أو ديلواتي، فإنها تسعى لأن تحقق ذلك عن طريق اللوحات التي تصور الجسم البشري، مستخدمة الوجه النسائي كجسر، لكنها تحدق بعيدا عن الرسم الواقعي، لأن هدفها ليس منافسة الوجه البشري الحقيقي، وإنما المبالغة في مساحات اللون على نحو يتحول كل شيء معه إلى واقع مصطنع. إن رسم الخطوط الخارجية «بتنقيط» الألوان يضفي نوعا من العفوية والموسيقى على أطراف المساحات الدقيقة الطلاء، تاركة لنا المجال لأن تحلم بعيدا في تلك التكوينات والألوان.
إن مونيك فان ستين تتطلع من وراء أعمالها إلى زراعة الجمال والانسجام، وهو ما يبدو وكأنه شهادة متواضعة، لكنها شهادة تنطلق من وحي الحاجات المتجذرة في أعماقنا، للانتفاض ضد المجتمع الذي يعاني جراء عدم قدرته على إشباع حاجاته أو تحقيق سعادته.
«المفاتن» مصطلح يستخدم في عالم تصوير الموضة لكي يصف اللقطة المركزة على الوجه، كل واحدة من لقطات مونيك المركزة تتمتع بسحرها الخاص، حتى أن البعض قد يقول «إن أرواحهن قد تجعل منهن فريدات ومتفردات».
ولدت الفنانة مونيك فان ستين في هولندا حيث عاشت هناك لنحو أربعة عقود قبل أن تنتقل وهي في العشرينات من عمرها إلى إسبانيا. وذلك مباشرة بعد تخرجها في كلية الفنون.
وفي إسبانيا، هذا البلد الأوروبي الجنوبي وجدت مونيك فان ستين تحولاً داخليا كبيراً. حيث الكفاءة والمنطق هي المعيار.
خلال السنوات الست الأولى من إقامتها في إسبانيا عملت عارضة أزياء، حيث راقبت صناعة الموضة من الداخل، وهو ما سمح لها بالتفكير بذلك كفنانة، ولاسيما خلال السنوات الأخيرة، لقد توصلت الفنانة فان ستين تدريجياً إلى الجانب الإيجابي من الحياة، «مدركة بأن معرفتك بأنك جميلة من داخلك، وليس فقط جميلة كما تبدين على المرآة، هو الأكثر أهمية من التشكي على ما قد تعتبره مجلات الموضة معياراً للجمال».
تقوم مونيك فان ستين بعرض أعمالها منذ 2006 في العديد من الغاليريهات والمتاحف. كما تتوزع أعمالها على مجموعات خاصة في مناطق مختلفة من العالم. ويذكر هنا أن معرضها في غاليري رؤى 32 للفنون هو معرضها الأول في الشرق الأوسط، علماً بأنها سبق أن شاركت في معرض جماعي لغاليري رؤى 32 هو «وجوه» 2012.
المصدر: القدس العربي