«صعلوك» خالد الصاوي والمزيد من الشطحات الصوفية!

الجسرة الثقافية الالكترونية
*خالد سليمان
شكل اتساع هامش حرية التعبير، الذي أتاحه الربيع العربي فرصة ذهبية لمعاشر الرافضين لتطبيق الشريعة الإسلامية، مهما اختلفت مشاربهم ومسمياتهم، لتوسيع نطاق الطعن في الشريعة لتنفير الناس منها وتعويق إمكانات تطبيقها. الأمر الذي بتنا نلاحظه بوضوح في إفشاء نزعة الإلحاد، وسب الصحابة، والتشكيك في السنة النبوية والحديث، والدعوة المغرضة المشبوهة إلى «إصلاح» الإسلام و»تطهيره» من قيم إرهابية مزعومة يراد إلصاقها به، والغلو في مهاجمة التيارات والرموز الإسلامية، وإشاعة المزيد من مشاهد الفجور والعري فيما تسمى بالأعمال الفنية. وقد اكتسبت تلك المظاهر ، التي لم تجد مع الأسف الشديد مجابهة فكرية صارمة من جانب الإخوان إبان حكمهم الهش، دفعة قوية بعد الانقلاب على مرسي وسطو السيسي على الحكم.
خالد الصاوي، الممثل والكاتب المصري اليساري، كان، حتى لا نغمط الحق، في مقدمة الذين شاركوا من أهل الفن في حراك يناير/كانون الثاني من أجل إسقاط نظام مبارك، كما كان دوما من المعادين لذلك النظام، كما يلاحظ من أشعاره ومن انتمائه لحركة كفاية. إلا أن الصاوي وجد نفسه بعد تنحية مبارك ووصول الإخوان إلى السلطة، مدفوعا إلى الاختيار بين اتجاهين. فإما أن يدعم حكم الإخوان، الأقرب للتعبير عن معسكر الشرعية، على الرغم من تخبطه وأخطائه، وإما أن يصطف في خندق خصومهم، حتى إن كانوا يمثلون الاستبداد.
ولأنه يدرك أهمية الأعمال الفنية وقدرتها الهائلة على التأثير في الناس وتشكيل وعيهم، وظف الصاوي مسلسلاته الأخيرة لتصب في خدمة توجهاته الإيديولوجية والسياسية، حتى إن كان ذلك يعني الإطاحة بالحقائق وتزييف الوقائع وتشويه الإسلام السياسي بصورة فاضحة. فمن تابع مسلسل «تفاحة آدم» الذي قام الصاوي ببطولته العام الماضي، فجع بقدر هائل من قلب الحقائق والعبث بها، بغية تصوير الإخوان كجماعة إرهابية هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن كل الجرائم والاضطرابات التي شهدتها مصر منذ حراك 25 يناير. لكن ما لفت نظري أكثر في ذلك المسلسل هو اشتماله على شيء من الشطحات الصوفية، حيث احتفى العمل بتوبة بطله محترف النصب، بفضل علاقة حب جمعته بفتاة متصوفة دأبت على الغناء في الموالد وحلقات الذكر!
تلك الشطحات الصوفية العارضة التي وردت في مسلسل «تفاحة آدم»، تحضر بصورة أوضح وأعمق وأوسع في مسلسل «الصعلوك»، الذي يطل به الصاوي على جمهوره رمضان هذا العام. من حيث المبدأ، يصعب أن نصدق أن الصاوي الشيوعي هو من المغرمين بالفكر الصوفي، المتطفل في كثير من تجلياته الحالية على الإسلام، حيث تنزلق معظم الحركات الصوفية اليوم، حسب إجماع أكثر أهل العلم، إلى ممارسات لا علاقة لها بالدين. ومن ثم؛ فإن الافتراض بأن الحرص على الرفع من شأن ذلك الفكر وتقديمه بصورة إيجابية محببة، كما يفعل المسلسل، لا يمكن إلا أن يصب في محاولة تقديم نسخة مشوهة من الإسلام، عبر إبراز الفكر الصوفي ، المتحالف مع السلطة، والمعادي للإسلام السياسي، بوصفه التعبير الأصدق عن الدين الإسلامي!
فالمسلسل يحفل بـ«رؤى» تتراءى لصعلوك يلعب الصاوي دوره، تنقله إلى التواصل في المنام واليقظة مع «ولي» ميت يدعى «العدوي»، يقوم الصعلوك على خدمة مقامه في أحد الأحياء الشعبية منذ سنوات. وكثيرا ما يظهر العدوي للصعلوك بصحبة امرأة متبرجة نعرف من العمل أنها كانت غانية تباع وتُشرى وتهدى متنقلة من سيد لآخر، إبان هيمنة الإنكليز على مصر أيام أسرة محمد علي، وأن العدوي الذي كان يعمل في حياته رئيس عصابة شعبية مسلحة يقوم بإنقاذها وتحريرها، لتبدأ بينهما قصة حب عاصفة، يؤكد «الولي» للصعلوك أنه «لن يعرف نفسه أو يعرف ربه» إلا إذا عايش قصة حب مثلها! وبطبيعة الحال، بغية تحقيق أهدافه الرامية إلى سبي المشاهد وإبهاره بروعة التوجه الصوفي، يكتظ العمل بالمصادفات العجيبة المثيرة والكرامات المعجزة المزعومة، فالصعلوك يتمتع بقوة بدنية خارقة، نراها تتجسد وهو يطلب المدد من سيده العدوي، وينجو من كثير من المآزق وتتفتح أمامه الأبواب الموصدة، ويتراكض علية القوم للدفاع عنه ببركة وليه الذي يظهر له عند الملمات لإرشاده إلى ما يتوجب عليه عمله.
من الثابت تاريخياً أن أغلب الحركات الصوفية الغارقة في خدر الخرافات وضباب البخور لعبت وتلعب دورا بالغ السلبية والخطورة، فهي تشوه الدين الإسلامي في واقع الأمر، وتظهره كما لو كان دينا ساذجا للدروشة والتطوح والرقص والغناء وتجاوز الواقع والمنطق والانسحاب من دنيا الجد والعمل إلى التهويم في فضاءات الخزعبلات والخوارق والعوالم السرية الخفية. إضافة إلى دورها المشبوه في العمالة للمحتل والارتماء المزمن تحت أحذية الأنظمة المستبدة الفاسدة. فالجماعات الصوفية في مصر لها تاريخ طويل وحافل في التزلف لكل الأنظمة الداخلية والخارجية التي عرفها البلد، ولم تقف موقفا سلبيا من نظام حاكم إلا تجاه جماعة الإخوان المسلمين عندما وصلت إلى السلطة، باعتبارها تشكل تناقضا صارخا مع توجهاتها العقدية. مع ملاحظة أن الإمام البنا كان قد عرّف جماعة الإخوان بأنها ذات توجه صوفي، قاصدا حرصها على الزهد والاجتهاد في العبادة والمواظبة على الذكر لا أكثر، خلافا لأباطيل الحركات الصوفية وهذيانها. وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن الحركات الصوفية في العالم الإسلامي تحظى باهتمام ودعم واسع النطاق من جانب الدوائر السياسية الغربية، نظرا لانسجام توجهاتها المخدرة مع مفهوم «الإسلام الجديد»، الذي يختزل الدين الإسلامي إلى بعض الطقوس والأعمال الخيرية البعيدة عن السياسة، وتحاول أمريكا ومن لف لفها فرضه على العالم الإسلامي.
إن أعمالا من قبيل مسلسل «الصعلوك» وأمثاله من الأعمال الدرامية الموجهة المداهنة للسلطات المستبدة، قد تشكل خطرا فكريا جديا لا يستهان به، حيث تسهم في إنتاج أجيال ضائعة مستلبة مدجنة، تهرب من مواجهة الواقع إما بالبلطجة أو بالتحشيش أو بالدروشة، على الرغم من كل ما يتشدق به أصحابها من الحديث عن الحرية والحداثة والديمقراطية والتنوير.
المصدر: القدس العربي