أبو همام.. رحيل على البحر المنسرح

الجسرة الثقافية الالكترونية

*أحمد زكريا

المصدر: العربي الجديد

 

أكثر من سبب يجعلنا نتوقف عند رحيل الشاعر المصري عبد اللطيف عبد الحليم (1945 – 2014) المعروف بكنيته “أبو همَّام”، والذي رحل قبل أيام عن 69 عاماً، وبعد أربعة عقود من نشر ديوانه الأول.

يعد أبو همام واحداً من أسماء الجيل الشعري المحافظ، في مصر، والمدافع عن قصيدة العمود المعاندة للتطورات التي عرفها الشكل الشعري العربي منذ أكثر من نصف قرن، حين ترسخت قصيدة التفعيلة ومن ثم قصيدة النثر.

كان أبو همام أستاذاً للدراسات الأدبية في “كلية دار العلوم” في جامعة القاهرة، وله العديد من الدراسات النقدية، أبرزها “المازني شاعراً” و”شعراء ما بعد الديوان”. إضافة إلى كونه مترجماً عن الإسبانية، حيث نقل منها عدة كتب، مثل “خاتمان من أجل سيدة” لأنطونيو غالا؛ فإنه قام بتحقيق بعض الكتب التراثية، مثل “حدائق الأزهار” لأبي بكر الغرناطي.

بعد حصوله على الماجستير من الكلية التي سيصبح أستاذاً للدراسات الأدبية فيها، سافر أبو همام إلى إسبانيا عام 1976، ليكمل دراسته في “جامعة مدريد”. وإضافة إلى شغْله عضوية “مجمع اللغة العربية” في القاهرة، فإنه حصل على عدة جوائز، مثل “جائزة الدولة التشجيعية في الترجمة” (1987)، و”جائزة البابطين للإبداع الشعري” (2000).

منذ ديوانه الأول، “الخوف من المطر” (1974)، حتى ديوانه الأخير “زهرة النار” (1998)، وأبو همام مشغول بقصيدة العمود، التي لم تخرج تجربته الشعرية عن أوزان بحورها التقليدية. وهو بذلك يتبنّى موقف أستاذه عباس محمود العقاد (1889 – 1964) المعروف برفضه لقصيدة التفعيلة.

وكما سبق للعقاد، حين كان رئيساً للجنة الشعر في “جائز الدولة التشجيعية”، أن رفض تصنيف ما يكتبه صلاح عبد الصبور، الذي كان مرشحاً للجائزة حينها، كشعر، بل أحاله إلى لجنة مختصة بالنثر؛ فإن تلميذه استكمل طريقه هذا، بل وغالى في موقفه المتشدد للعمود أكثر منه. ويُعرف عن أبي همام تهكّمه المستمر، في دروسه، من تجارب الشعر الحديث، حتى أنه سخر من عبد الصبور ووصفه بـ”الجزمجي”، ملمّحاً إلى مقطعه “وشربتُ شاياً في الطريق، ورتقتُ نعلي”.

موقف الرجل الشعري لم يقتصر على كتاباته، إذ أنه حوّله، طيلة فترة تدريسه في “كلية دار العلوم”، إلى منهج للدراسة ولنقل العلم إلى طلابه. هذه الكلية التي من المفترض أنها أهم مركز أكاديمي في مصر لتدريس الأدب العربي في عصوره المختلفة، توقّفت دراسة الشعر الحديث فيها عند شعراء ما بعد “مدرسة الديوان” (التي أسسها عباس العقاد مع إبراهيم المازني وعبد الرحمن شكري)، ليبقى طلابها محرومين من مطالعة تجارب الشعر العربي بسبب ميول أبي همام!

توجه كهذا كان كفيلاً بإنتاج مجموعة من الطلاب “المريدين” لدى أبي همام، يسيرون على خطى معلمهم، فيرفضون حتى فكرة النقاش في قضية قصيدة التفعيلة، التي يعتبرونها نوعاً من “العجز العَروضي”. في المقابل، يتباهى هؤلاء المريدون بشاعرهم القادر على “ركوب بحور شعرية وعرة”، مثل “البحر المنسرح”، الذي أفرد له ديواناً كاملاً بعنوان “مقام المنسرح”، وبالتزامه في أغلب الأحيان بـ”لزوم ما لا يلزم” في قصائده، مثلما فعل في ديوانه “اللزوميات” محاكياً أبا العلاء المعري.

الإشكالية أن مثل هذه الآراء تعيدنا إلى نقاشات تجاوزها الزمن. إذ من غير المعقول أن قصيدتي التفعيلة والنثر تُكتبان منذ عقود، وما يزال الصراع دائراً حول “شرعيتهما” وأن قصيدة النثر أخذت مكانها في الكتابة الشعرية العربية، وما زال الصراع دائراً حول “المصطلح”. وأننا لا نزال نجد بيننا من يقول إن الشعر العربي الحديث، وعلى رأسه “قصيدة النثر”، جزء من مؤامرة على ديوان العرب!

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى