أكاديميون ومترجمون: الجوائز القطرية تسهم في الارتقاء بالمشهد الثقافي العربي

أكد عدد من الأكاديميين والمترجمين القطريين والعرب أن الجوائز الأدبية التي تمنحها دولة قطر للمبدعين العرب تسهم في الارتقاء بالمشهد الثقافي العربي؛ لما تمثله من تقدير وتحفيز للمبدعين، لإنتاج أعمال متميزة تعود بالنفع على جمهور القراء.
وقالوا في تصريحات لوكالة الأنباء القطرية”قنا” عقب إعلان المؤسسة العامة للحي الثقافي “كتارا” عن فتح باب الترشح للدورة الحادية عشرة لجائزة “كتارا للرواية العربية 2025”: إن مثل هذه الجوائز تسهم في تطوير أدوات المبدعين، وتحقق الانتشار لأعمالهم محليا، كما تسهم في التعريف بالإنتاج الأدبي العربي في الأوساط العالمية.


ومن جانبه، أوضح الأكاديمي والروائي القطري الدكتور أحمد عبد الملك، الحائز على جائزة “كتارا” للرواية العربية في فرع الرواية القطرية مرتين، أن الجوائز عموما تعمل على تحفيز وتطوير مهارات المبدع، كما تعتبر تكريما للمبدع الحقيقي، الذي يسعى لتطوير أدواته، ويستخدم عقله المتزن لإسعاد المتلقي ولتحقيق الفائدة له، فضلا عن ارتقاء إنتاجه، وكشف “زيف” أو تواضع بعض الإنتاجات الأدبية الأخرى، التي قد يشعر أصحابها بأن لهم الحق في نيل الجوائز.
واعتبر أن حصول المبدع على جائزة من الجوائز يضعه أمام تحد كبير، كي لا يعيد أو يكرر نفسه في الإنتاج المقبل، مما يعد تحفيزا مهما في استثارة عقل المبدع لأن يجول في فضاءات الخيال، وينتقي الأفكار التي لم يسبقه إليها أحد، الأمر الذي يثري المشهد الثقافي في قطر، لافتا إلى أن من يقفون عند تكرار الأفكار، فإنهم لا يستطيعون المنافسة على الجوائز.
وشدد على ضرورة الحاجة إلى أفكار جديدة تساهم في إثراء المشهد الثقافي والإبداعي، لافتا إلى أن الجوائز الأدبية القطرية مثل جائزة “كتارا للرواية العربية”، وجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي، بجانب جوائز أخرى، تقوم بهذا الدور، فتساهم في إثراء المشهد الثقافي العربي، والارتقاء به؛ كونها ليست موجهة للداخل فقط، بل تشمل المبدعين العرب، سواء في الرواية أو النقد الأدبي أو الترجمة أو أدب الطفل وغيرها.
وأضاف: عندما يفوز مبدع عربي بأي من هذه الجوائز، وتقوم الجهة المانحة بترجمة روايته أو نصه النقدي إلى لغات أخرى، فإن هذا “يساهم في رفد عطاء المبدع العربي، ويصب في روافد الثقافة العربية، وشحذ همم المبدعين العرب لمزيد من العطاء المبهر الذي يستحق النشر والترجمة”.
وأكد على أن هذه الجوائز، مع سخائها، تقوم بدور فاعل في تحريك المشهد الثقافي العربي، وزيادة النشر، وإتقانه، بشكل يفيد القارئ العربي، وينشط دور النشر، للاهتمام بالمضامين الإبداعية، والاقتراب من الإنتاج الأدبي الرصين دون الوقوع في شرك التكرار، ما يجعل نتائج هذه الجوائز لا تبدو في الحاضر فقط، بل لسنوات، كون الثقافة كما تراكميا.
وبدوره، وصف الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن الفريح، الحائز على جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في دورتها التاسعة 2023 عن ترجمة كتاب “نشأة الكتاب العربي”، الجوائز الثقافية بأنها “وسيلة فعالة لتحفيز الإنتاج الفكري والأدبي وتعزيز التميز والإبداع الثقافي؛ كونها تسهم في تسليط الضوء على المواهب الفذة والأعمال الثقافية المؤثرة، مما يدفع المبدعين إلى تقديم أعمال ذات جودة عالية تثري المشهد الثقافي، كما تشجع على التنافس البناء وتعزز البحث والتطوير، فضلا عن دورها في تكريم الشخصيات الثقافية وتعزيز الهوية الوطنية والحفاظ على التراث الثقافي”.
وقال الدكتور الفريح، أستاذ الدراسات الأدبية والثقافية في جامعة الملك سعود، إن الجوائز الثقافية تمثل جزءا أساسيا من منظومة التنمية الثقافية الشاملة التي تسهم في بناء مجتمعات مثقفة وواعية، “وضمن سياقنا العربي، تأتي الجوائز الثقافية التي تمنحها دولة قطر، لتؤدي دورا بالغ الأهمية في تعزيز المشهد الثقافي العربي الذي يواجه العديد من التحديات من خلال الاعتراف بأعمال الكتاب والمترجمين المبدعين والاحتفاء بهم، إذ يواجه الكتاب تحديات كبيرة ليس أقلها تعقيدات عملية النشر والتوزيع، وضعف العائد المادي والمعنوي لما يقدمونه من أعمال، ومن هنا تأتي هذه الجوائز تقديرا واعترافا بجهودهم الإبداعية، وتوفيرا للتقدير المادي، ورفعا من مكانتهم في المجتمع الأدبي.
وأضاف أنه بالنسبة للمترجمين، فإن الجوائز لا تسلط الضوء على دورهم المحوري في سد الفجوات اللغوية والثقافية فحسب، بل تعزز الحوار والتفاهم بين الثقافات، وتيسر التعرف على الأدب العالمي والنتاج الفكري المتنوع، الأمر الذي يساهم في نمو المشهد الثقافي من خلال تشجيع التنوع وتحفيز الإبداع، وإلهام المؤلفين لتجاوز الحدود، واستكشاف الأنواع الجديدة، والانخراط في موضوعات تعكس القضايا المجتمعية المعاصرة.
من جهته، قال المترجم الدكتور يوسف بن عثمان، أستاذ الفلسفة وتاريخ العلوم في جامعة تونس المنار، والحائز على جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي عام 2017، حينما تكرم جائزة مثل جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي المترجم فردا، فهي تحفز الجماعة العلمية والنخب المثقفة والمبدعة العربية خدمة للغة العربية وبناء للحضارة المنفتحة وللثقافة الأصيلة والمتجددة، مشيرا إلى أن نيله الجائزة في فئة الأعمال المترجمة من الإنجليزية إلى العربية بكتاب “دراسات نيوتنية” /Newtonian Studies/ لألكسندر كويريه، كان له تأثير عميق في مسيرته الأكاديمية والعلمية.
ونوه بما تساهم به الجوائز في إنجاز برنامج عمل ومشروع بحث طويل المدى، يتجلى في الاعتراف بقيمة الجهد الترجمي، علاوة على قيمة المكافأة المالية، وإتاحة فرصة الانخراط في الجماعة العلمية من الباحثين والمترجمين في الوطن العربي، ما يجعلها عوامل أساسية لمواصلة الترجمة بعزم وثبات.
وقال: إنه لذلك لم يكتف بترجمة رباعية للفيلسوف ومؤرخ العلوم ألكسندر كويريه، وإنما انتقل إلى حقل تاريخ العلوم العربية دارسا وباحثا ومترجما، وجعل من تكوينه الفلسفي أرضية نظرية يستند إليها ليفهم بها حركة الفكر العلمي في التاريخ الغربي والعربي.
وأضاف: “الترجمة عندي ليست مجرد نقل لمعرفة أو فكر أو تراث من لغة إلى أخرى، وإنما هي دراسة وبحث وإنتاج، وبناء لذهنية، ووضع لجسور تواصل بين البشر، وإغناء للمكتبة العربية، وفعلا حضاريا واستراتيجيا بامتياز لا بد أن ينهض له الأفراد وترعاه المؤسسات والمنظمات وتدعمه الدول”. أما الروائي الأردني جلال برجس، الحائز على جائزة /كتارا للرواية العربية/ في دورتها الأولى عام 2015، عن روايته “أفاعي النار”، فقال: إن الجوائز ليست مجرد تكريم للكاتب، بل تمهد كثيرا من الدروب نحو القراء في مرحلة نحتاج فيها لأن تتسع رقعة القراءة، وبالتالي يزداد منسوب الوعي الذي نعول عليه في بناء مستقبل الإنسان، وحمايته من كل أشكال التغول على حقوقه، وحياته. حين ينال كاتب جائزة فإنه يكرم، ويكرم الكتاب، ويكرم المستقبل الثقافي المنشود.
وعن كيفية ارتقاء الجوائز بالمشهد الثقافي، قال برجس: إن الجائزة إشارة مهمة وواضحة على تميز النص الفائز، ففوز رواية بجائزة ما يحرك شريحة القراء، والناشرين، والإعلاميين، وكل ما يتعلق بالمنظومة الثقافية، مما يؤدي إلى نشاط ثقافي مهم، يفضي إلى مخرجات مهمة تساهم في البناء الإنساني”.
وحول انعكاسات الجوائز الأدبية القطرية على المشهد الثقافي العربي، أضاف أنه حين ظهرت الجوائز الأدبية في العالم العربي، خاصة الجوائز التي تعنى بالرواية خلقت فضاء ثقافيا جديدا؛ إذ تبدل تعامل دور النشر مع الكتاب، وبات أكثر مهنية، وظهر المحرر الأدبي، والوكيل الأدبي، والمروجون، وتشكل إعلام ثقافي جديد، ونوادي قراءة، ومبادرات ثقافية مهمة في هذا الصدد.
وأوضح أن حركة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية الحية نشطت وبات الروائي نجما ثقافيا يحتفى به في كثير من المحافل العربية والأجنبية.. كل هذا بطبيعة الحال زاد بمنسوب القراءة والقراء الذين يشار إليهم بالقلة في العالم العربي، من قبل مؤسسات أجنبية، وهذه أرقام غير دقيقة برأيي، فالحالة الثقافية عربيا في تطور مهم ولافت.
ومن جانبه، قال الروائي والقاص القطري جمال فايز: إن أهمية الجوائز الأدبية التي تمنحها دولة قطر للمبدعين العرب، والصادرة عن جهات ثقافية مختلفة، تتجلى في الارتقاء بالثقافة العربية، وتسليط الضوء على الأعمال المتميزة للكتاب العرب، سواء على المستوى العربي أو الدولي.
وأضاف أن الجوائز القطرية تسهل للقراء اختيار أفضل الأعمال لقراءتها، علاوة على كونها تساهم في نشر المنتج الأدبي على المستوى المحلي، إلى امتداد هذا الشعاع إلى المستويين العربي والدولي، الأمر الذي يشير إلى أن كل هذه الأجواء تساهم في خلق روح المنافسة بين المبدعين، فيستفيد القراء والمشهد من كل هذا الثراء.
وحول أهمية الجوائز للمبدع، اعتبرها الروائي والقاص جمال فايز مهمة؛ كونها تمثل تقديرا واعترافا بما يقدمه من نتاج متميز وراق، الأمر الذي يعزز بدوره الهوية الثقافية العربية، ويبرز الإرث الثقافي العربي، مما يساهم في المحافظة على الشخصية العربية.
وتابع فايز أن أهمية هذه الجوائز تسهم في تعزيز المنتج الثقافي العربي على المستوى الدولي، من خلال دور النشر المختلفة، ومعارض الكتاب العالمية في العواصم المختلفة، ولفت انتباه القارئ غير العربي إلى الإنتاج الأدبي العربي، فلا يختلف اثنان على ما يحمله الإرث والثقافة العربية بما تملكه من حضارة، وما تقدمه من نتاج مميز للإنسانية، حتى وإن تم تغييبه، وتعكس ما لدى العربي من إرث ثقافي إلى القارئ غير العربي، في ظل ما تشير إليه الإحصاءات من صورة مغلوطة عن الإنسان العربي في الغرب.

الدوحة – قنا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى