أمل الجبوري.. التكفير الذاتي بالشعر

حسن نصور

«حفرتَ التوراة في عيني» للشاعرة العراقية أمل الجبوري (مواليد 1967)، سرديةٌ تنهل معجمها الرئيسيّ من ثيمات التراثات التوحيدية، يهوديّة/ إسلامية على وجه التحديد. إنها سرديّة تقترب إلى حدّ بعيدٍ من كونها رثاءً أو نوستالجيا أو صدعا تاريخيا ذاتيا يتصل بظروفِ هجرة الجالية اليهودية من العراق، بلد الشاعرة. التكفير الذاتيّ بالشعر أو ما يشبه السعي إلى ترميز شعري لمأساوية تلك المحن يتخلل معظم نصوص المجموعة.
تستمدّ نصوص صاحبة «99 حجابا»، شعريتها من مادة تعيد في الأساس توظيف الشخصيات الرئيسيّة في القَصَص المؤسّس للتراث التوحيديّ. ونقصد قصة ابراهيم الخليل في هجرته من العراق قبل آلاف الأعوام وفي قصة هاجر زوجته الثانية وابنها اسماعيل، أو ما تستدرجه هذه القصة تحديدا من إدماجات شعورية معنوية بين التراثين نلتمسها بشكل واضح في القرآن. والتوظيف، في هذا الإطار، يصبّ في مآلاته، على الدوام، في ما يشبه نواحا أو تحزّنا على ما أصاب يهود العراق بدءا من أواسط القرن العشرين (أحداث الفرهود). حتى لتبدو القصائد كأنها سجلٌّ يعيد تقديم هذه الشخصيات على نحو شعريّ. (قصة أم سامي موريه وابنها سامي موريه المعلم من الطائفة اليهودية الموسوية/ أسرة خلاصجي/ نيران بصون – تمن ابنة الصحافي الشهير سليم بصون/ إيلين حفيدة الحاخام الاكبر للطائفة اليهودية في العراق…). «أكملْ أكملْ يا ابراهيم قصة قبيلتك/ أكمل يا جدي قصص الشتات/ قصص التهجير/ كان الماء مالحا خطّه دمعك الخجل/ يدون مثل حكواتي سجل نفوسك المنهوب» (ص22)، «كانت لنا بلادٌ/ قبل أن نذهب للنوم ليلا يفاجئون صباحَك بالتهم/ أو…لا…هكذا/ يقولون لكَ ارحل/ (…) أخرجونا من أحداق عيوننا ورَمَوا وجوهنا للتيه» (ص23)، «نيران جاءت بالفراتات من أزقة بابل وأورشليم/ وأمسكت بيدها الأخرى حوريتها اليتيمة/ حوريتها الممسكة بحريتها لا غير»(ص110)
تلتقي هذه السردية في وجهها البكائيّ العام مع مجمل الشعريات العراقية التي يكون نبرها البكائي هو النسيج الأمتن للقصائد. على أن التوظيفات التراثية الدينية بشقها الرافديّ في هذه المجموعة تبقى السمة الفارقة لأسلوب شعريّ خاص نصادف من قبيله في نصوص دينية مركزية من العهد القديم. نتحدث عن أنماط واضحة من التحزّن الذي تكون صيغ الأمر أو النداء أو الترجي أو سواها من هذه التراكيب أدوات شائعة وأصيلة في النص. ذلك فضلا عن استعارات مألوفة في هذا النمط من التعبير ليست سوى ممرّ أو رتبةٍ في سبيل اكتمال المبنى النفسيّ العام للقصائد. وهو مبنى نفسي يبقى تحت تأثير مناخات التحزّن ذاتها التي تصل في بعضها لدرجات عالية من الشكوى والاعتراض والتجديف الشعريّ.»جاء الله لك/ بحورية عمرك/ لا تذبحها يا ابراهيم/ لأنك إن فعلت/ ذهبت إلى حتفك وحيدا»(ص53)، «حدّق…أجل اصعد/ نعم/ واعذرني من زحام الحسرات في فمي/ ومن زلازل تحيق بيديه/ بيدك/ يشهد عليك اللحظة/ ولدنا اسماعيل»(ص67).

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى