“أمي الحبيبة” رسائل أدباء وشعراء عالميين إلى أمهاتهم

خاص(الجسرة)

بريهان الترك
أصدر مؤخرا عن دار المها للنشر كتابا بعنوان “أمي الحبيبة من بودلير إلى سانت إيكزوبيري.. رسائل أدباء” للمترجم والكاتب المغربي سعيد بوخليط ضمّ مختارات من مراسلات الأدباء إلى أمهاتهم، رسائل مفعمة بالذكريات، الحنين، النزهات، الحكايات الأسطورية، اللحظات حميمية، وساعات النوم، ومشاعر الغضب والفرح، شعراء وكتاب جميعهم اقتسموا هذه اللحظات من طفولتهم مع أمهاتهم. لكن فيما بعد، تجلت الصعوبات، وتبلورت تباينات وجهات النظر، فباعدت الخلافات بين الطفل وأمه، بيد أن الإحساس بحب فريد، لا حدود لها، لم يختف أبدا.
ومن الأسماء الأدبية التي تناولها الكتاب نذكر: “شارل بودلير، غوستاف فلوبير، هنري جيمس، أندريه جيد، مارسيل بروست، جان كوكتو، ويليام فولكنر، ارنست همنغواي” حيث أظهرت مراسلاتهم إلى أمهاتهم شهادات عن حكايات هائمة ونزاعات وتوافقات وأحزان وأفراح، عاشها بعض عظماء أدباء الإنسانية، مع المرأة التي كانت مصدرا لوجودهم: أي الأم.
ومن أهم الرسائل التي احتواها الكتاب تلك التي كان بودلير يرسلها إلى والدته، يتحدث لها عن مشاريعه الأدبية، كآبته، وهموم حياته، اضافة إلى علاقته بالعائلة وبها:
“أطمئنك، بأن لا يساورك أي قلق بشأني، بل أنتِ من يشغل بالي كثيراً. بالتأكيد، ليست الرسالة التي بعثتها إليّ المفعمة بالحزن، ما سيهدّئ رَوعي. إذا استسلمتِ له، فستصابين بالسقم، وسيكون الأمر بمثابة أسوأ المصائب، ثم بالنسبة إلي، أكثر أنواع القلق التي يستحيل عليّ مقاومتها. أريد منكِ، ليس فقط أن تبحثي عن وسائل للترفيه، لكنني أريد أكثر أن تظفري بمتع جديدة”.
وعن كآبته يبوح لها: “أما عن صمتي، فلا تحاولي معرفة السبب في موضع آخر، سوى مع هذه الكآبة، التي تستحوذ عليّ أحياناً وتمنعني ليس فقط من الانكباب على أي عمل، بل وحتى القيام بأبسط الواجبات، فأشعر جراء ذلك بخزي كبير. أيضاً، أريد أن أكتب خلال الآن ذاته هذه الرسالة، وأعيد إليك كتابك عن قدّاس الصلاة ومعه مجموعة أشعاري”.
وها هو في احدى الرسائل يتحدث إليها عن الفترة والآلية التي كتب بها قصائد ديوانه الأشهر “أزهار الشر”: “لقد أبقيت لنفسي ستة عشر نسخة، مكتوبة على ورق عادي، ثم أربعة أخرى دونت على ورق رفيع، احتفظت لكِ بواحدة منها، وإذا لم تصلك بعد، فلأني ارتأيت إرسالها في شكل مجلد. تعلمين بأني لم أعتبر قط الأدب والفنون كمطاردين لغاية غريبة عن المزاج وتكفيني جمالية المفهوم والأسلوب. غير أن هذا الكتاب المعنون بـ “أزهار الشر”، الذي يقول كل شيء، اكتسته مثلما ستلاحظين جمالية كئيبة وباردة، وقد أنجزتُه بجنون وصبر. إضافة إلى هذا، يكمن الدليل على قيمته الإيجابية، في كل الشر الذي تضمنه.
ويضيف بودلير في رسالته: “أزهار الشر.. عمل يبعث لدى الأشخاص هيجاناً، بل ذعرت بدوري من الرعب الذي استلهمته، فحذفت منه الثلث مع توالي تعديلات مسوداته. لقد استنكروا لديّ كل شيء، فكر الإبداع وكذا معرفة اللغة الفرنسية. أسخر من كل هؤلاء الأغبياء، وأعلم بأن هذا العمل بمميزاته وهفواته، سيرسم طريقاً في ذاكرة الجمهور المثقف، إلى جانب أفضل قصائد فيكتور هوغو وتيوفيل غوتييه بل وحتى بايرون”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى