أول طلة: أحلام النهار والليل

 

كما عَوَّدْنا قراءَنا، لا تكف «الجسرة» عن تطوير محتواها وإخراجها، لتقديم جرعة قراءة مشوقة ومريحة في كل عدد، وسيلمس القارئ الكريم في هذا العدد تغييرًا في الشكل إلى الأفضل والأجمل. هكذا نأمل، وأما ملف العدد، فهو عن عالم الأحلام، على صعيد النص وعلى صعيد اللوحات التشكيلية المنتقاة التي تتحرك هي الأخرى في فضاء الأحلام.

هل يمكن لإنسان أن يعيش بلا حلم، أي بلا هدف في الحياة أو بلا شيء ينتظره؟ يستحيل أن يحدث هذا، ولا شيء أعز في وقتنا هذا من السلام وأن ينعم الناس بالأمان في عيشهم.

ولو فرضنا أن هناك من يهرب من أحلام الصحو؛ لتكرار الإحباط، أو لأنه يرى نفسه على أبواب الموت، أو لأي سبب كان، فهو لا يستطيع أن يهرب من رؤية الأحلام أثناء نومه. الجميع يحلم ويرى ما يريد أن يتجاهله في نومه، والكثير منا تحكمه الرؤى وتؤثر على قراراته. حلم جميل يصنع يومه كما نقول، وحلم آخر قد يجعله متشائمًا، وربما يحاول تغيير خططه بناء على الحلم، بينما يستغل الفنانون أحلامهم في إبداعهم، الكثير من القصص والقصائد بل والموسيقى تبدأ شرارتها أثناء النوم.

ملف هذا العدد مخصص لتقليب موضوع الأحلام، في الفكر والأدب والفن وفي التحليل النفسي، بمشاركات ممتعة من مفكرين ونقاد ومبدعين.

يطلعنا المفكر المغربي الكبير عبد السلام بنعبد العالي على رؤية لمفهوم الحلم الجماعي، حيث لا يكون الحلم فعلًا فرديًّا في المنام، لكنه قد يكون وعيًا جماعيًّا في فترة من التاريخ، يقود تحولات قد تكون جيدة أو سيئة. وتقدم الأكاديمية والناقدة المصرية المرموقة شيرين أبو النجا رؤية جديدة لتفسير ابن سيرين للأحلام، ويقدم الروائي اللامع والطبيب النفسي طلال فيصل قراءة جديدة أيضًا حول مجهود سيغموند فرويد في تفسير الأحلام في ضوء كل التطورات خلال قرن من الزمان. ويعرف الفنان والناقد التشكيلي الكبير أحمد عز العرب بمدرسة السريالي القائم على انفلات الخيال كما في الأحلام، ويعرف بالفنانين السرياليين العرب.

 لا يمكن التنويه بكل ما يضمه هذا الملف الممتع. وبعيدًا عن الأحلام فالعدد متنوع، حيوي ودسم يحتاج إلى وقت للقراءة والتأمل، ويطلعنا الدكتور صبري حافظ على ما يجمع الرومانسية بالواقعية الاشتراكية في الكتابة القصصية والروائية.

ويتأمل الشاعر شوقي بزيع في بصيرة المبدعين العميان، من هوميروس، شاعر اليونان العظيم، إلى أبي العلاء وبشار بن برد وعبد الله البردوني. كيف استطاع هؤلاء تجاوز محنتهم وحدود محبس العمى، سواء ولدوا به أم أصابهم في سن متقدمة، كيف استطاعوا الإبصار وسط العتمة؟ للأمر صلة أيضًا بالأحلام؛ فعتمة العمى تشبه العتمة التي نواجهها عندما نحلم وسط النوم.

ويكتب الشاعر ونجم التليفزيون زاهي وهبي في وداع زياد الرحباني، وعن فيروز، الأيقونة العربية. ويأخذ الشاعر التونسي خالد النجار بأيدينا للتعرف على صوت شعري مميز، هو الشاعر أوجين غلفيك، بتقديم وافٍ ونماذج من شعره الذي كان وليد عزلته وصمته.

قراءة ممتعة تخفف لهيب الصيف.

 

** المصدر: مجلة “الجسرة الثقافية” . العدد 68 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى