الإعلام الغربي يصنع من مأساة اللاجئين فزاعة

الجسرة الثقافية الالكترونية

*أسمى العطاونة

 

لم يهدأ الإعلام الفرنسي في الأسابيع الأخيرة في الحديث عن الهجرة والمهاجرين كأزمة «طارئة» وجب حلها فورا.
اليوم وغدا تعقد قمة مالطا لإيجاد إتفاق تحاول فيه الدول الأوروبية التخلص من اللاجئين عن طريق رشوة الدول الأفريقية بالأموال لكي تبقي اللاجئين بين حدودها الجغرافية.
ما تقوم به الدول الأوروبية حاليا هو الدفع بمشاكل كانت هي سببا في خلقها «لنرجع إلى تاريخها الإستعماري» ودعمها الدائم للديكتاتوريين في أفريقيا والشرق الأوسط، لتستغرب اليوم وبكل خبث سبب مجيء هذا الكم الهائل من البشر عبر حدودها البحرية والبرية!
أوروبا اليوم تجد نفسها أمام نتائج سياستها المنافقة والكاذبة التي حاولت فرضها على الدول الأخرى عن طريق دفاعها الدائم عن ما تسميه «حقوق الإنسان». استمعنا بالأمس وشاهدنا ما حدث في كاليه عن لاجئين «عنيفين» إنقضوا على الشرطة «الغلابة» ولم تتحدث المحطات الفرنسية عن شرطة وقوات أمن «عنيفة» تضرب اللاجئين وتدمر مآويهم الفقيرة المؤقتة.
يحاول الإعلام تصوير اللاجئين كهجوم «يهدد» الحدود والأمن. نرى أيضا صورا للاجئين يهجمون على القطارات وآخرين يحاولون إجتياز الأسلاك الشائكة لعبور الحدود كـ«غزو» يهدد سكان البلاد الأوروبية. ترحب بهم ميركل وتدعو لحماية الحدود منهم في اليوم التالي. تتراشقهم الحكومات كما أمواج البحر. نغلق التلفاز ويعود كل منا إلى حياته وتبقى جثثهم تطفوا على ضفاف البحر!

أوروبا وحقوق الإنسان

في نص من ميثاق حقوق الإنسان يجري الحديث عن حق أي إنسان في خطر من الهروب لإيجاد حماية في دولة أخرى. ما نراه في الواقع لا يمت لهذا الحديث بصلة. فأوروبا ليست مستعدة لأن تساهم في إنقاذ هذا الإنسان الهارب من الموت في أحيان كثيرة بل تحاول بناء «جدران عازلة» وتوافق على «إطلاق الرصاص عليهم» لإخافتهم وإغراق الزوارق التي ستكون الطريقة الوحيدة التي ستوصلهم إلى بر آمن بعيدا عن تهديد الموت. أوروبا بسياستها هذه تؤكد فكرة «سقوط» حقوق الإنسان من مواثيقها القانونية والإنسانية وفكرة الحماية للهاربين القادمين لأراضيها طلبا في اللجوء، والادهى أن اعلامها الحر سواء الصحافة أو برامج التلفزة تتعاطى بالدهاء نفسه مع هذه القضية.

كاميرون و«منع المساعدات» عن المهاجرين

بعد حملة «الدبابير» التي تحدث عنها كاميرون رئيس وزراء بريطانيا نراه اليوم يتحدث عن سياسة تقليص المساعدات الإجتماعية ويطالب بإغلاق الحدود أمام القادمين طلبا للحماية واللجوء.
يشبه قرار كاميرون قرار الحكومة الفرنسية الإشتراكية بتقليص المساعدات الإجتماعية وتصعيبها وبخاصة للفقراء والمحتاجين، معللة بذلك بأن القادمين من اللاجئين سيعلمون بأن فرنسا لم تعد لديها أموال ولا مساعدات.
ما تفعله الحكومة اليسارية هو إختلاق متواصل لطرق جديدة لطمأنة الفرنسيين الذين يصوتون للوبين ويشعرون فعلا بأن المهاجرين هم خطر سيهدد قوت يومهم وهو من سيساهم بعدم توفر عمل للفرنسيين «الأصليين».
إستطاع الإعلام الفرنسي وحكومته اليسارية تشويه الحقائق بأن ما يقوم به المهاجر أو اللاجئ أو حتى العامل غير القانوني ما هو إلا عمل لا يريد الفرنسي القيام به أصلا وهذا ما يجعلنا نرى بعض المهن المختصة بالعرب والسود فقط كالبناء، التنظيف والحراسة. العرب والسود ممن يمتلكون مؤهلات جامعية وخبرات مهنية في بلادهم لم يسمح لهم بممارستها في فرنسا بسبب لون بشرتهم أو إسمهم العربي.

الإتحاد الأوروبي والموقف الأخلاقي

طبعا لن يتحدث الإعلام عن موقف أخلاقي تتخذه الحكومة الفرنسية أو الحكومات الأوروبية في ما يتعلق بالقادمين طلبا بالحماية. فالموقف الأخلاقي والإنساني وكما تنادي به المؤسسات الحقوقية والإنسانية هو فتح الحدود برا وبحرا أمام هؤلاء البؤساء الهاربين من الموت ومعاملتهم بطريقة إنسانية وأخلاقية تحترمهم وتحترم كرامتهم.
ما يحدث هو تشويه من نوع آخر وهو أن نقلب الحقائق فنتحدث عن «إغلاق الحدود» بحجة أن فرنسا لن تستقبل مآسي العالم. ما تتناساه الحكومة الفرنسية هو أن المأساة تتشكل في ذاكرتها القصيرة حينما إستعمرت ونهبت ولا تزال تنهب ثروات بلاد هؤلاء المهاجرين وتقف صامتة أمام حروب أهلية يسببها ديكتاتور أو جماعات دينية متطرفة مدعومة غالبا من الغرب واتباعه.
ما تتناساه الحكومة الفرنسية هو آلاف العبيد الذين أتت بهم خلال الفترة الإستعمارية لإستخدامهم لخدمة مصالحها. يتحدث الإعلام بطريقة مهولة ومرعبة عن خطر هجرة لا يكمن في المهاجرين بل بطريقة تعامل الإعلام معهم وتصويرهم.

الإعلام يبث سمومه في خدمة اليمين المتطرف

في وقت الأزمة المالية الحالي يعيد التاريخ نفسه بأن ترتفع نسبة الخوف من الأجانب وكره الغريب الذي سيأتي إلى أراضينا لسرقة «خبزنا». هذا ما يحدث تماما على أرض فرنسا يستخدمه الإعلام الفاسد. يغذي فكرة الخوف من الآخر، المهاجر واللاجىء ويقارنه ويخلطه دائما بالـ»مسلم»!!
يدافع الإعلام عن قرارات وتصريحات الحكومة الفرنسية العنصرية سواء في حزب اليمين أو اليسار أو أقصى اليمين ولا يريد أبدا التذكير بدور الهجرة الإيجابي الذي ستلعبه في فرنسا.
لا يريد الإعلام أيضا التذكير وتسليط الضوء على فرنسيين متطوعين يساعدون اللاجئين الشرعيين و غير الشرعيين إنسانيا وأخلاقيا. يتحدث الإعلام ويكرر حديثه البالي عن رؤساء بلديات يرفضون إستقبال اللاجئين وطالبي الحماية خوفا منهم!
لا أعتقد أن الإعلام يريد أن يتعامل مع قضية المهاجرين كقضية إنسانية بل يريد أن يتم التعامل مع المهاجرين كخطر يهدد القارة الأوروبية وحدودها «الشانغين» وسياستها الأمنية، وكيف يمكن للاجئ أن يهدد دولا؟!

إغلاق الحدود بدلا من فتحها

تعقد القمم والمفاوضات والمؤتمرات لإيجاد حل لإيقاف التجارة البشرية والعبودية التي يمارسها من يساعدون اللاجئين على العبور وتتحدث الدول الأوروبية في إجتماعاتها عن كيفية مقاومة هؤلاء المافيات. ما تنساه بأن الحل بسيط وهو تسهيل إجراءات الفيزا والإقامة لطالبي اللجوء كي يكون كل شيء قانونيا ومجهزا بنظام وإنتظام ومنفعة متبادلة.
الدول الأوروبية مستعدة لدفع الأموال الطائلة لكي يبقى اللاجئ في بلده وهي تعلم تماما بخطر بقائه. تنسى الحكومات بأن سبب اللجوء ليس إقتصاديا فقط بل هو طلب للحماية من الموت، ومن يهرب من الموت لن يهمه ما ستعطيه له الحكومة من مال أكثر من كيفية توفير الحماية له. ما يحاول الإعلام التصريح به وتثبيته في العقول هو أن القادمين لطلب الحماية هم في الأصل قادمون من أجل المساعدات المادية. ما ينساه الجميع بأن المساعدات والإقامة والفيزا والإجراءات المنهكة التي يقوم بها المهاجر هي طريق عذاب طويل في سبيل البحث عن حماية وحرية لا تتواجد في بلده الأصلي.
لا أعرف من خلال تجربتي وقصتي الكثير من المهاجرين ممن يسرقون أموال الحكومة بل أعرف عن قصص الكثير من الأغنياء والوزراء والرؤساء ممن يخبئون حساباتهم في سويسرا تهربا من الضرائب.
تعي فرنسا وغيرها من الدول الغربية أهمية الهجرة والمهاجرين والدور الإيجابي الذي يلعبونه في ثراء البلد المستضيف إقتصاديا في وقت أصبحت أغلبية سكان أوروبا فيه في «سن التقاعد» وسبب آخر يتعلق بالثقافة واللغات.
المهاجرون والهجرة لم يكونوا ولن يكونوا يوما مصدر رعب لأي بلد إلا إذا كانت هجرة إستيطان وإستعمار كرحيل آلاف الفرنسيين والأوروبيين إلى «العالم الجديد» لإستكشافه ونهب ثرواته. ولن تؤثر الهجرة سلبا على أوروبا التي تريد بأن تغلق نفسها على نفسها شيئا فشيئا لتأكلها الحروب الداخلية بسبب سياستها العنصرية والحاقدة على الأجانب.

 

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى