«الخاوة» يستحضر مدينة مغربيّة منسيّة تلفزيونياً

مبارك حسني
«أسفي» مدينة مغربية تطلّ على المحيط الأطلسي. هي عاصمة عالمية لسمك السردين الذي يعج به ميناؤها، ومركز شهير لفن الفخار، وعاصمة للأغنية الشعبية العربية الموسومة بما يُسمى «العيطة». لم تذكر كثيراً في الدراما المغربية، لكنّ مسلسل «الخاوة» (الأخوة)، الذي ينتمي الى فئة «السيتكوم» ويُعرض في فترة الذروة على القناة الثانية (عند فترة الإفطار)، يستحضر هذه المدينة من خلال صورتها المرتبطة بالأغنية الشعبية وصناعة الفخار. بطلا المسلسل (كمال كظيمي وعزيز الحطاب) هما شقيقان ورثا منزلاً كبيراً وعتيقاً يسمى «الرياض» من أب تاجر معروف، كان صانع فخار وعاشقاً للعيطة. لكنّ الأخوين مختلفان من حيث الطباع الشخصية ونمط العيش، ما خلق صراعاً دائماً بينهما. أمّا هذا الصراع، فيُشكّل عصب الأحداث ووقودها.
الأخ الأصغر يبحث عن بيع الرياض والمحل التجاري لاقتسام الإرث كي يعيش حياة مرفهة في مدينة أخرى. بينما يريد الأكبر أن يحافظ على تراث المنزل وتقاليده.
وحول حكاية البطلين تتوزّع قصص أخرى لشخصيات تُغني المسلسل وتمنحه التنوّع اللازم لخلق مواقف وحالات ومفارقات يتطلبها «السيتكوم» الكوميدي الخفيف. هكذا جاءت حلقات المسلسل مليئة بـ»القفشات» والطرائف والمقالب، بأسلوب يكشف مميزات كل ممثل وموهبته وقدرته على صنع حالة كوميدية تثير الضحك، كلاماً أو سلوكاً أو تعبيراً. ويأتي في طليعتهم الممثل الكوميدي العائد محمد الخياري في دور مساعد في المحل التجاري للأخ الأكبر، والممثلة دنيا بوتازوت في دور خادمة في مطبخ العائلة، وهما دوران ثانويان مؤثران وجديدان. وعلى رغم أنهما يقدمان هذا النوع من الأدوار للمرة الأولى، يمكن المشاهد أن يلاحظ قوة أدائهما الارتجالي وعفويتهما التي أضافت كثيراً الى العمل.
وثمة ممثلة جديدة هي سكينة درابيل قدمت دوراً كوميدياً غير معهود فصار من السمات الغالبة للسلسلة، وهو دور زوجة الأخ الأكبر الساذجة التي لا تعرف سوى تمضية الوقت في الأكل والكلام بلهجة بدوية خالصة.
قد يبدو المسلسل خفيفاً في محتواه، لكن تبقى خصوصيته، كما أشرنا في البداية، أنّ وقائعه تدور في مدينة أسفي، وإن كان كثر يفضلون استحضار تراث هذه المنطقة في أعمال أعمق وأثقل. إنما يظلّ حضور هذه المدينة في مثابة إشهار لثقافة لها وزنها ومساهمتها التي لا يمكن نكرانها. لكنّ عدداً من نخبة المدينة احتجوا على الطريقة التي قُدمت بها، بخاصة في طريقة استخدام لغة المنطقة الفلاحية التي تنتمي إليها المدينة، وهي منطقة «عبدة». احتجاج تلقفه كثر وأعلنوه بعد عرض الحلقات الأولى فقط، ما شكل سابقة تظهر مدى الخلط الحاصل بين العرض والنيّات. لكنّ سيرورة المسلسل أظهرت أنّ المسلسل بريء من الخلفيات التي ألصقت به. وعلى العموم، يدخل هذا العمل في مجال التخييل وليس الواقع. والأمر هنا قد يعيد إلى الأذهان مشكلة تقبل العمل الفني في المجتمع المغربي الذي ما زال غير قادر على المشاهدة التلفزيونية المجردة.
سلسلة «الخاوة» أنجزها المخرج إدريس الروخ الذي يشق طريقه بثبات في مجال الإخراج وبحرفية ملحوظة، وقد أحسن حين اختار أن يُزيّن الحلقات بمقاطع من الأغاني في مجال «العيطة» التي تُعدّ نمطاً من الأنماط الغنائية المغربية الشعبية المتعددة والمتميزة.
(الحياة)