السجال «الأدونيسي» يطغى على معرض القاهرة

علي عطا
كان أدونيس الوجه الأبرز خلال الدورة الـثامنة والأربعين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب؛ على رغم رفضه حضورها؛ احتجاجاً على سحب كتابه «الثابت والمتحول: بحث في الإبداع والاتباع عند العرب»؛ من جناح الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة التي طبعته في أربعة أجزاء قبل نحو شهرين. فسحب الكتاب (من أربعة أجزاء) بعد يومين من افتتاح الدورة التي حملت شعار «الشباب وثقافة المستقبل»، صدَمَ جمهور الحدث الثقافي المصري الأبرز، وغالبيته من الشباب، وألقى بظلال كثيفة من الشك حول جدية شعار الفعاليات التي أقيمت بين 26 كانون الثاني (يناير) الماضي وحتى 10 شباط (فبراير) الجاري.
وراهن كثيرون على تدارك تلك الواقعة التي خيبت آمال الكثيرين في اقتناء كتاب أدونيس الأشهر بسعر زهيد (خمسة جنيهات للجزء الواحد)؛ بأن تتاح لهم فرصة حضور اللقاء الفكري المقرر سلفاً مع الشاعر العربي المرشح للفوز بجائزة نوبل في الآداب؛ باعتباره بات في السنوات الأخيرة أهم اللقاءات الفكرية التي ينظمها المعرض. ولكن خابت تلك الآمال، حين أعلن أدونيس عشية اللقاء الذي كان يفترض أن يعقد في القاعة الرئيسة للمعرض في الخامسة مساء السابع من شباط الجاري، بإدارة الشاعر عبدالمنعم رمضان، أنه لن يحضر اللقاء؛ احتجاجاً على سحب كتابه، تحت ضغط الخشية من ردود أفعال السلفيين ومشيخة الأزهر، بدعوى أنه «يطعن في ثوابت الأمة الإسلامية». وربما تنفَّس مسؤولو الهيئة المصرية العامة للكتاب التي تنفرد بتنظيم المعرض، الصعداء، حين اتخذ أدونيس ذلك القرار، على رغم أن رئيسها هيثم الحاج علي؛ أبدى أسفه لاعتذار الشاعر الكبير عن عدم الحضور، وتحدث إلى وسائل الإعلام عن أن أمر سحب الكتاب ليس أكثر من «شائعة»، وهو ما سبق أن ردده مسؤولو الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة.
ونسب البعض إلى أدونيس أنه علم من مصادر مقربة منه في القاهرة، نية أجهزة الأمن المصرية منعه من عقد «اللقاء الفكري»، وربما عدم السماح له أصلاً بالدخول إلى ساحة المعرض في ضاحية مدينة نصر، لعدم اطمئنانها إلى ما يمكن أن يقع خلال اللقاء نفسه، في ضوء ما تردَّد عن تحفز السلفيين ضده، على خلفية ما قيل عن أن «الثابت والمتحول»، «يزدري الدين الإسلامي».
ضيف الشرف
وكان مقرراً كذلك أن تنظم الهيئة العامة لقصور الثقافة حفلة توقيع لكتاب «الثابت والمتحول» في نهاية اليوم قبل الأخير للمعرض، يحضرها أدونيس، وهو أمر أحاطته أيضاً ظلال كثيفة من الشك، حتى من قبل أن يعلن أدونيس أنه لن يلبي دعوة الحضور إلى القاهرة، للمشاركة في فعاليات تلك الدورة التي حملت اسم الشاعر المصري الراحل صلاح عبدالصبور. القاعة الرئيسة للندوات، والتي كان مقرراً عقد لقاء أدونيس فيها، حملت اسم صاحب «أحلام الفارس القديم»، واستضافت أمسيات شعرية عدة، اعتذر عن عدم المشاركة فيها الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي، لعدم تلبية رغبته في أن تخصص الأمسية الأولى منها له وحده، واستتبع ذلك أن قاطَعَ صاحب «مدينة بلا قلب» الفعاليات كافة، بما فيها تلك المتعلقة برفيقه في درب الحداثة الشعرية العربية صلاح عبدالصبور. ولم يتمكن الشاعر الإماراتي حبيب الصايغ من حضور الفعاليات نفسها، ربما لأسباب صحية، علماً أنه كان على رأس المدعوين للمشاركة في الأمسية الشعرية الرئيسة الثانية. ولوحظ أن الأمسيات الشعرية الرئيسة، أفسحت المجال في هذه الدورة لأصوات مصرية كانت تعاني من الإقصاء في دورات سابقة، وتميَّزت بإسناد إدارتها لعدد من الشعراء، بعدما كان شاعر واحدٌ هو المهيمن على فضائها.
وحفل برنامج «ضيف شرف» بمشاركة أبرز مؤسسات النشر المغربية، بالإضافة إلى عدد من المؤسسات الحكومية والجامعية والبحثية، من خلال رواقين، أحدهما مخصص للعرض وآخر للناشرين، على مساحة 220 متراً مربعاً؛ إلى جانب تقديم عرض وثائقي يعكس تنوع النشر المغربي، في مجالي البحث والإبداع. وشاركت وزارة الثقافة المغربية ببرنامج؛ تضمَّن 30 نشاطاً ثقافياً، ما بين ندوات ومحاضرات وقراءات شعرية، ولقاءات ثنائية تجمع كتاباً مغاربة بكتاب مصريين وحفلات توقيع كتب، بالإضافة إلى حفلات موسيقى وغناء، ومعرض للفن التشكيلي وعروض سينمائية. ويشار إلى أن المغرب سيحل «ضيف شرف»، في معرض باريس الدولي للكتاب، الذي يقام من 24 إلى 27 آذار (مارس) المقبل، وسيكون أول بلد عربي يحظى بهذه الاستضافة.
وقال الكاتب المغربي سعيد العلوي في لقاء مع جمهور القاعة الرئيسة إن «الأزمة الكبرى بالنسبة إلى العرب والمسلمين تتمثل في أنهم لم يؤمنوا بعد بالحداثة». وأضاف: «نعاني من تراجع خطير»، مشيراً إلى أنه بات على الأزهر أن «يعيد النظر في أحواله جملة وتفصيلاً». وقال: «أخجل عندما أرى بعض الوعاظ يأتون بفتاوى غريبة تحول المرأة إلى آلة للمتعة». وأضاف: «لا يمكن لمصر في 2017، أن تُحكَم بفقه ما قبل ألف سنة. الإرادة السياسية لا بد أن تصلح المؤسسات الدينية، خصوصاً في ما يتعلق بمناهج التدريس». وقال إن المشكلة في أوروبا الآن، ليست متعلقة بالعرب، ولكنها متعلقة بالإسلام والمسلمين، لأن الحركات الإسلامية أو التي تسمي نفسها إسلامية، تقدم هدايا ثمينة للخصوم.
وشهدت هذه الدورة تدشين مجلة «الشارقة الثقافية» في حضور رئيس تحريرها نواف يونس، الذي أكد مشاركة 50 أديباً وفناناً تشكيلياً، في تحريرها، كما شهدت لقاءات بين مسؤولين ثقافيين من الإمارات والصين، لترتيب مشاركة الصين ضيف شرف الدورة المقبلة لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب.
سور الأزبكية
وبرزت خلال دورة معرض القاهرة الـ 48 إشكالية تزوير الكتب مجدداً، بعد أن اقتحم عدد من الناشرين خيمة «سور الأزبكية» المخصصة لباعة الكتب القديمة، واشتبكوا مع بعضهم بعد ضبطهم وهم يبيعون كتباً مزورة. وعلى أثر ذلك صرح رئيس المعرض هيثم الحاج علي بأن ما فعله الناشرون «عير قانوني»، ما أثار غضبهم، فتراجع ليؤكد مساندته مَن تمَّ تزوير كتبهم. وأعلن مدير المعرض طارق الجمال، إنه قام قبل تلك الواقعة مباشرة بغلق ثلاث أجنحة في «سور الأزبكية»، لحين انتهاء السلطات القضائية المختصة من التحقيق في تورط مستأجري تلك الأجنحة في بيع كتب مزورة. وأكد رئيس اتحاد الناشرين العرب محمد رشاد، أن تورط معظم تجار «سور الأزبكية» في تزوير كتب بلغات عدة، سيؤدي إلى فرض عقوبات دولية على مصر. وأشار رشاد، في تصريحات صحافية إلى أنه يطالب منذ عام ٢٠١٠ بحرمان هؤلاء من المشاركة في معرض القاهرة؛ موضحاً أن نشاطهم في التزوير امتد إلى كتب أجنبية، حديثة الصدور. ولفت إلى أنه في حال انتبه الناشر الأجنبي إلى هذه الجريمة فسوف يقوم بإبلاغ الجهات المعنية في بلده، وفي الاتحاد الدولي للناشرين، وسيؤدي ذلك إلى توقيع عقوبات على مصر.
إلى ذلك، أكدت اللجنة العليا للمعرض أن 65 في المئة من مرتاديه هم من الشباب، «ما يدل على اختيار شبابنا المعرفة وسيلة لاستقراء الحاضر والتطلع إلى المستقبل». وأوضحت أن اختيار صلاح عبدالصبور شخصية للعام، يرتبط ببقاء موقفه الثقافي شاباً؛ «نقطة التحول الأساسية في تاريخ الشعر العربي الحديث، حينما وقف مدافعاً عن رأيه ورؤيته، في صلابة استحق بها مكانه ومكانته في تاريخنا المعاصر، ليصير مثالاً لما يمكن أن يقدمه الشباب للإنسانية بإبداعهم حتى وإن اتسموا بالنزق أحياناً». وأشارت إلى أن «ضيف الشرف يعكس امتداد الثقافة العربية في مشهد واحد متصل، وإن تنوعت مظاهر تجليه. تهل علينا الثقافة المغربية في أبهى صورها على أجنحة ستين اسماً من كبار صناعها، أولئك الذين يعرفون القاهرة كما يعرفون الدار البيضاء ويحتفون بالنيل كما يحتفون بالأطلسي».
وصرح هيثم الحاج علي بأن مبيعات الأيام الخمسة الأولى للدورة الـ 48 تجاوزت مبيعات العام الماضي بنسبة 47.5 في المئة، كما زادت نسبة بيع التذاكر بنسبة 2.5 في المئة. وكان وزير الثقافة المصري حلمي النمنم، قد قرر عشية افتتاح الدورة نفسها إطلاق مبادرة تتضمن إتاحة الفرصة لطلاب التعليم الجامعي وما قبل الجامعي للحصول على خمسة كتب من اصدارات الوزارة بخصم 90 في المئة. ويشار إلى أن هذه الدورة شهدت مشاركة 35 دولة، وقال وزير الثقافة المصري خلال افتتاحها في حضور نظيره المغربي محمد الأمين الصبيحي أن شعارها يؤكد أننا «نحترم الماضي ولكن لابد ألا نقف عنده».
(الحياة)