العافية… نعمة وافية

لطالما كانت العافية جنديا خفيا من جنود الرحمن، وهي كذلك حتى يرث الله الأرض ومن عليها، لكن من يقدّر ذلك؟ ومن يستطيع أن يحفظ فضل هذا الجندي الذي يضفي لحياتنا نكهة، لنعمة وافية؟

إنّ العافية تذكّرنا بالعجر الذي قد يصيبنا، فنحمد الله على ما نحن فيه، وندعوه سبحانه وتعالى أن يعافينا مما ابتلى به كثيرًا من خلقه، يقول أحد علماء السلف المعاصرين: كان عندي في المسجد شابٌّ لا يسمع ولا يتكلم، فجاءني في يوم من الأيام ومعه من يترجم له إشاراته، فقال لي يا شيخ: أتدري ما أمنيتي الوحيدة في هذه الحياة؟ قلت: ما هي؟ قال: أمنيتي أن أسمع كلام الله وأنت تصلي بنا إمامًا، وأقول: آمين، عندما تقول: ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾، ثم قال لي: لماذا أنا لا أسمع؟ لماذا أنا لا أتكلم؟ وظل يصيح: لماذا؟ وهو يبكي. يقول العالم: عندما سمعت هذا الشاب وهو يروي هذا الموقف، قلت في نفسي: أين نحن من نِعْمَةِ السمع ونعمة الكلام؟ هل سخّرنا هذه النِّعَمِ في مرضاة الله تعالى؟

إن هذا الموقف يجعلنا نقف صامتين متفكّرين متسائلين: أين من سخّر نفسه للغناء الفاحش، وأين من كدّر لسانه بالسب والشتم والطعن في أعراض الناس؟ أين نحن من هذا الشاب الذي يتمنى لو يسمع ليلبي بـ (آمين) خلف الإمام إذا قال «ولا الضالّين»؟، أو يقرأ كتاب الله بصوت جهور مسموع؟ وما أعظم قول الشاعر في شكر ربه: إليكَ توجَّهتُ يا خالقي بشكـرٍ على نعمةِ العافيةْ إذا هي ولَّتْ، فمن قادرٌ سواكَ على ردِّها ثانية؟ وما للطبيب يدٌ في الشفا ءِ ولكنّها يدُكَ الشافية تباركتَ، أنتَ مُعِيدُ الحيـاةِ متى شئتَ في الأعْظُم الباليةْ وأنتَ المفرِّجُ كَرْبَ الضَّعيـ فِ وأنتَ المجيرُ من العاديــــة إنّ هذا الموقف يذكِّرنا بذلك الرجل الذي جاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله، أي الدعاء أفضل؟ فقال – صلى الله عليه وسلم: «سَلْ ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ثم أتاه في اليوم الثاني فقال: يا رسول الله، أي الدعاء أفضل؟ قال: سَلْ ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ثم أتاه في اليوم الثالث فقال: يا نبي الله، أي الدعاء أفضل؟ قال: سَلْ ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة؛ فإذا أُعطيتَ العفو والعافية في الدنيا والآخرة، فقد أفلحت». ما أروعها من عاقبة، فوز ونجاة في الدنيا والآخرة، إنها العافية، فلا تفرطوا في شكر الله عليها وتلمّسها إن حلت بكم والعض عليها بالنواجذ.

وأخيرًا: إن العفو يعني تجاوز الله العظيم عن ذنوبك، ومسحها من صحائفك، وعدم عقابك عليه. أم العافية، فتعني أن تسلم في دينك من الفتن وأن يسلم جسمك من الأمراض والعلَّات، وأن يُحفظ أهلك من الابتلاءات جميعًا. وأي نعمة أوفى وأعم من ذلك علينا. فاللهم إنا نسألك العفو والعافية أبدًا ما أحييتنا.

** المصدر: جريدة”العرب” 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى