العامري يودّع بطل الحياة والموت

الجسرة – خاص
كنتُ قد دعوتُ الأحد الماضي، القاص، مدير تحرير مجلة السينمائيّ، التي تصدر عن نادي الجسرة الثقافي القطري، الصديق اللذيذ، إبراهيم العامري. على فنجان قهوة، رغم أنّه لا يحبّها. فليس بالضرورة أنْ يحبّها المثقفون، وكأنّها من الوصايا العشر. تأخّر عن المجيء، فكتبتُ له رسالة هاتفية، ” تعال اشرب قهوة ” ولم يجب. أثناء تصفّحي لموقع ” الفيسبوك ” الذي أصبح يعجّ برحيل الأحبّة. كانت صفحته أوّل ما ظهرتْ لي، وكان قد كتب فيها: ” أبي في ذمة الله ” سريعاً حملتُ قلبي، وذهبتُ برفقة الزملاء والأصدقاء إلى منطقة “القليعات” في الأغوار الشمالية، حيث صلاة الجنازة، ومراسم الدفن هناك. ساعة ونصف، ونحن نخترق الطريق المحفوفة بالأشجار والبيّارات والأفق الساحر، والمكان المدهش، الذي يبعث على الحياة؛ الحياة التي ماتت في قلب إبراهيم، بعدما رحل بطله الأوّل والأخير، عن كلّ هذا الجمال، الذي كنّا فيه على الطريق. هو بطله ولا احد سواه، كيف لا؟ وهو ابنه الوحيد! رحل بطل إبراهيم، رحلت تعويذته إلى الأبد، وذهب الذين نثروا التراب على جسد المقاتل النبيل، وبقي إبراهيم وحده، عند شاهد قبر أبيه، بخشوعٍ يذيب الصخر، وكلّ ملامح قلبه وعينيه تقول، استيقظ ولو للحظة واحدة، استيقظ، أو قل لي أنّك تسمعني، هو شيءٌ أخيرٌ سأقوله لك، وعدْ إلى مهجعك الحلو إذا شئت، استيقظ يا أبي، وعدْ إلى خندقك الآمن، أريد أنْ اقول لك، إنّك أكثر رجل أحبّه في الحياة. كان التراب يتطاير على وجه إبراهيم، والهواء يعصفُ بشعره الحزين، وكأنّ التراب يحمل رسالة من الفارس غلى ابنه، يقول فيها، بعد أنْ يجفّ الحزن قليلاً، شاهد فيلم ” Gladiator ” بعناية الحياة، وجبروت الموت!
لم أستطع البقاء أمام بطل الحياة والموت، وتركتُ إبراهيم مع ليله، وترابه، وبطله الأبديّ.