القائد القدوة: قوة التأثير الخفي

- “قادة لا يُصدرون أوامر.. سر التحوّل العميق” - 2024-12-25
- القائد القدوة: قوة التأثير الخفي - 2024-10-23
- لماذا يفقد بعض الموظفين ثقتهم برئيسهم ؟ - 2024-08-28
في تراثنا العربي الكبير، تزخر الأشعار والحِكم بإبراز فضائل «القائد القدوة»، الذي لا يقود بالسلطة فقط ويكتفي بها، بل يسعى لتكون أفعاله منارة تُهتدى بها ويقتدي بها أتباعه. فالقائد القدوة هو من يتقدم الصفوف في الشدائد، ويكون في تواضعه وكبريائه ميزانًا للعدل والعدالة. فقد قال أحد الحكماء: «القائد الحق هو من يجعل من نفسه مرآةً، يرى فيها أتباعه طريقهم». فكم هو أمر جميل أن يلهم القائد الآخرين بأفعاله فيبني جسور الثقة بينهم، ويزرع في نفوسهم العزيمة والإخلاص.
فلا عجب أن تقوم الإدارة الحديثة وعلم القيادة الحديث بالبحث مليا في فكرة «القائد القدوة Leadership by Examples «، فالإدارة بالقدوة تُعد واحدة من أقوى أساليب القيادة وأكثرها تأثيرًا في بيئات العمل المختلفة. ويعتمد هذا الأسلوب على أن يتصرف القائد بشكل يعكس القيم والسلوكيات والمبادئ التي يتوقع من موظفيه وأتباعه أن يلتزموا بها، بدلاً من الاكتفاء بإصدار الأوامر أو التوجيهات اللفظية، فيقوم القيادي بتقديم نموذج حي ومشاهد للسلوك المهني المنضبط، مما يجعل الموظفين يتبعون نهجه بحافز ذاتي. هذا النهج يعزز القيم التنظيمية مثل النزاهة، الالتزام، والتفاني في العمل.
ونرى فيمن يمتلك هذه الخصلة أنه يُظهر صفات مثل الاجتهاد والحرص على تحقيق الأهداف التنظيمية. فعندما يشاهد الموظفون قائدهم يتحمل المسؤولية بشكل كامل ويهتم بالتفاصيل، فإنهم يشعرون بالدافع للعمل بجدية وبنفس الروح. هذا الأسلوب لا يقتصر ولا يرنو إلى زيادة الإنتاجية فحسب، بل يساهم أيضًا في تعزيز الولاء التنظيمي والانتماء للمؤسسة، حيث يشعر الموظفون بأنهم جزء من فريق يُقدّر جهودهم.
الإدارة بالقدوة مقام فريد، يتطلب من القائد أن يكون مستعدًا دائمًا للعمل الجاد والحيوي وتقديم مثال يحتذى به، سواء في الأوقات العادية أو خلال الأزمات والكوارث.
ونجد بعض الأبحاث تشير إلى أن الموظفين يستجيبون بشكل أكثر فعالية للقيادة التي تعتمد على الأفعال أكثر من الأقوال، فعندما يتصرف القائد بما يتفق مع ما يطلبه من الآخرين، يُظهر التزامه بالقيم التي يروج لها، مما يعزز من ثقافة العمل القائمة على الانضباط والجدية. هذه البيئة تساعد على تقليل مستويات التوتر والصراعات الداخلية، حيث يلتزم الجميع بالمعايير نفسها.
لذلك نعلم يقيناً، أن الإدارة بالقدوة لا تؤدي فقط إلى تحسين أداء الأفراد، بل تساهم في بناء ثقافة تنظيمية قوية ومستدامة، مما يجعل المنظمة والمؤسسة أكثر مرونة في مواجهة التحديات المستقبلية، ويعزز التفاني والالتزام في صفوف الموظفين والأتباع.
** المصدر: جريدة”الشرق”