اليوم «نوبل للآداب».. هل جاء دور الشعر؟

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

 

اسكندر حبش

 

لنبتعد قليلا عن «عاصفة الحزم» و «عاصفة السوخوي». لنبتعد أيضا عن ملفاتنا المحلية العالقة، بدءا من النفايات وصولا إلى الانتخابات المؤجلة في جميع المجالات. لنعد إلى «الأدب»، أكثر أحلامنا شططا، وإن كانت أجملها. لندخل قليلا في المتاهات التي يفرضها الحدث اليوم (في الثانية ظهرا بتوقيت بيروت).

لنطرح السؤال مع السائلين: من يتربع على «عرش نوبل للآداب»، بعد الكاتب الفرنسي باتريك موديانو، التي حازها العام الماضي؟ سؤال لا بدّ أن يضــــعنا في هذه الحيرة التي تُستعاد كلّ سنة، في مثل هذه الأوقــــات. هو أيضا سؤال يُشعل مواقع المراهنات الأدبية التي تحاول أن تقدم وجهات نظرها وتكهناتها، كما تحاول أن تطرح العديد من الأســــماء المحتملة الـــتي تراها جديرة بأن تتبوأ «مُلكية الأدب»، لعام مقـــبل، بانتظار استعادة اللعبة مرة جديدة.

التكهن باسم فائز ليس سوى محاولة لتمضية الوقت، قد تحمل معها الكثير من «الخسارات»، ومع ذلك، من يلقي نظرة على «مكاتب المراهنات» سيجد العديد من الأسماء التي تطفو بقوة، لعل أبرزها الكاتبة البيلا روسية (روسيا البيضاء) سفيتلانا أليكسييفيتش والأميركية جويس كارول أواتس والياباني هاروكي موراكامي. هذه الأسماء الثلاثة، تحضر منذ سنوات قليلة بشكل منتظم، بيد أنها لم تكافأ لغاية الآن، ربما بسبب شهرتها الكبيرة، بمعنى أنها ليست بحاجة إلى إلقاء الضوء على أعمالها الأدبية، إذ عودتنا اللجنة الملكية السويدية، على مرّ تاريخها، أن «تنبش» اسما يبدو «شبه مجهول»، على الأقل بالنسبة إلينا، إذ لا يمكن إلا أن نعترف «برغبتنا» في اختيار كاتب «على مقاساتنا».

بيد أن الاسم الجديد الذي يظهر بقوة هذه السنة هو الروماني ميرسيا كارتاريسكو، وهو روائي وشاعر ومُنظر أدبي، وأحد الأصوات البارزة في جيل الثمانينيات في بلاده كما في أوروبا. اسم كارتاريسكو لا بدّ أن يجعلنا نتمهل عنده قليلا. بداية، لم يكافأ الأدب الروماني لغاية اليوم، أي لم تفز هذه اللغة من قبل بجائزة نوبل. ومن المعروف أن اللجنة الملكية تميل أكثر فأكثر في السنين الأخيرة إلى إعطاء الجائزة إلى «لغة» أكثر مما تعطيها إلى أديب معين.

ثانية الملاحظات التي يمكن التوقف عندها في حالة كارتاريسكو هو أنه شاعر (بالاضافة إلى نشاطه الروائي). «مشكلة» الشعر مع لجنة نوبل تبدو واضحة منذ بداية الألفية الجديدة، إذ منذ العام 2000 لم يفز سوى شاعر واحد بنوبل للآداب، هو السويدي توماس ترانسترومر، على العكس من ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي التي شهدنا فيها فوز تسعة شعراء. هل بهذا المعنى تصيب اللجنة «عصفورين بحجر واحد» على قول المثل المأثور؟ ربما نعم، وربما لا كما هو مرجح، إذ نعرف هذه اللعبة الدائمة، بمعنى أن الكتّاب الذين تتواتر أســماؤهم بقوة قد لا يحظون بهذا الشرف. وفي ظلّ هاتين الملاحظتين، ثمة ثالثة قد لا تلعب في مصلحة الكاتب الروماني: عمره. إذ إنه من مواليد العام 1956، أي يبدو «صغير السن» وفقا للفائزين بها الذين هم عادة ممن تخطوا مراحل عمريّة كثيرة.

وإذا كان موراكامي يحتل المرتبة الأولى في ترشيحات موقع «لادبروكس» ـ (وهذا ما لا يثير أي استغراب إذ يجد كثيرون اليوم أنه واحد من أفضل روائيي العالم) ـ وجويس كارول اواتس في المرتبة الثانية، يميل البعض إلى القول إن الولايات المتحدة لم تفز بـ «نوبل» للآداب منذ أكثر من عشرين سنة، وتحديدا منذ العام 1993، أي حين حازتها «الروائية السوداء» توني موريسون، لذلك يمكن أن تذهب الجائزة إليها، (إلى أواتس). لكن ما لا تشير إليه توقعات الموقع، هو اسم فيليب روث على سبيل المثال، الذي تردد اسمه طويلا في السنوات الماضــية. وربما يتـــوج خاصة أنه أعلن قبل عامين عن توقفه عن الكتابة وابتعاده عنها.

من الكتّاب الآخرين الذين نجد أسماءهم، الكاتب الكيني نغوجي واثيونغو (ترجم له سعدي يوسف إلى العربية «تويجات الدم» و «تصفية استعمار العقل»، كذلك له رواية أخرى بعنوان «شيطان على الصليب»، ترجمة عبد العزيز عروس، وربما ثمة كتب أخرى بالعربية لم أطلع عليها). صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، قالت إن اسم واثيونغو تردد كثيرا من بداية شهر أيلول الماضي على موقع «لادبروكس»، خاصة أن الترشيحات جاءت كلها من السويد، لذلك تتساءل هل من «تسريبات ما قامت بها ستوكهولم»؟ تبدو فكرة «التسريبات» غير محتملة، بمعنى أن اللجنة تحاول دائما أن تخفي توجهاتها الحقيقية مثلما لا تشي بالاسم إلا لحظة الإعلان الرسمية. فكما يقول جوناس نيلسون، الناطق الرسمي باسم «يونبيت السويد»، تشكل «جائزة نوبل للآداب مسابقة ســـرية، يرغب كل واحد منّا في أن يلفت إليه الأنظار من خلال تكهنه باسم ما محتمل».

اللافت في تكهنات المواقع هذا العام غياب أي اسم عربي. في السنوات السابقة كان هناك بعض الأسماء، حتى اســــم أدونيس لا يحضر هذا العام في أي موقع من هذه المواقع. أمر يبدو مستغربا بعض الشيء، إلا إذا قــررت اللجنة إعطاءه الجائزة فعلا، جريا على عادتها المتمثلة في لفت الأنظار حول أسماء لن تتوج، بينما تعطيها في نهاية الأمر إلى اسم لم يرد في عملية التكهنات هذه.

عديدة هي الأسماء التي تأتي كلّ عام (هناك أكثر من 200 اسم تمّ تداولها منذ شهر شباط الماضي، ولم تحتفظ اللجنة الملكية السويدية منها سوى بخمسة أسماء، لا أحد يعرفها غيرها). منها ما يظهر للمرة الأولى ومنها ما يُستعاد دوماً. وبين الأمرين، قليلا ما تصيب هذه التكهنات، وغالباً ما يأتي اسم الفائز من مكان بعيد عن كلّ الطروحات التي نكون سمعنا بها. ربما بهذا المعنى تبدو اللجنة الملكية السويدية، «ماهــرة» في مراهنات الخيل، لأن «الفرس» الفائزة دوماً تكون من خارج اللائحة. لهذا، وببساطة شديدة، ليس علينا سوى انتظار الساعة الثانية من بعد ظهر اليوم، لنعرف الفائز الحقيقي.

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى