برّاق نعماني.. ماكينات الخياطة، دواليب الحياة

( الجسرة )
*ملاك مكي
كأن تتحوّل ماكينة الخياطة إلى طاولة، أو إلى مصباح. كأن يرمي أحدهم بماكينة خياطة، ويأتي أحد آخر، فيتخيلّها ويفككها ويعيد تركيبها، لتصبح امرأة، أو مبارزاً بالسيف، أو راقصة باليه، أو مصارعاً. كأن يفكك أحدهم أجزاء هذه الماكينة، ليخلق قطعة من حديد وضوء، تتماوج انحناءاتها وظلالها على الجدران وعلى الأرض وفي مساحات منسيّة. ينسى البعض، ربما، أن هذه الماكينة كانت تشكّل إحدى ركائز البيوت، غير أن الفنان برّاق نعماني يفتش عنها في جميع أنحاء لبنان، ويجمعها ليعيد تركيبها بقطع فنيّة يشارك بها في معارض فنيّة آخرها معرض في «غاليري عايدة شرفان».
«أنا أمارس مهنة الخياطة، وفي إحدى المرات كنتُ بحاجة إلى طاولة. فصنعت من ماكينة الخياطة طاولة مع لمسة فنية، حينذاك بعتها في غضون نصف ساعة. قمتُ بعدها بتصنيع طاولة ثانية، وهكذا بدأت رحلتي مع ماكينات الخياطة وتحويلها الى قطع فنية»، يخبر نعماني عن شغفه بماكينات الخياطة التي يجد فيها أشخاصاً وقصصاً وأفراد عائلة. تحاكي القطعة «ساجدة» أمه وهي تصلي، بينما تذكّر القطعة «مطيعة» بالجارة، و «العروس» بالمرأة في يوم زفافها، و «الأعظم» بالبطل محمد علي كلاي. ينجح نعماني في عكس تموجات الجسد وانحناءاته، في تحويل دواليب المكنات ودعساتها الى أجزاء في قطع فنية فلا يبق الدولاب دولاباً، أو الدعسة دعسة بل تصبح حركة، أو نوراً، أو خيالاً. «تعود بعض الماكينات الى الأعوام 1820 و1870، وأحتاج، في بعض المرات، الى ثلاث أو أربع ماكينات لصنع قطعة واحدة. أدرك منذ اللحظة الأولى إن كانت الماكينة «جميلة»، يمكن لي أن أحوّلها، وأن أصنع منها ما هو جميل»، يقول نعماني مشيراً الى أنه يرغب دائماً في صناعة قطع جديدة ويتفادى التكرار، وإلى أنه يبحث في جميع المناطق اللبنانية عن الماكينات القديمة من ماركات مختلفة Singer»، Victory» و « Mercedes».
تختلف ماكينات الخياطة القديمة عن الحديثة، وفق نعماني، إذ كانت تظهر الماكينات القديمة لمسة فنية في الزخرفة والتصنيع غير أن الماكينات الجديدة جافة. «أحب صوت ماكينة الخياطة القديمة اليدوية الذي يختلف عن الماكينة الحديثة الكهربائية». يسجّل نعماني، في بعض الأحيان، صوت الماكينة ويعيد الإصغاء اليه هو الذي عايش الماكينات في عائلته وورث المهنة عن أهله.
لا يدرك الكثيرون قيمة ماكينة الخياطة، فيرمونها أو يتخلّصون منها. يربط زوار المعرض تلك الماكينات ببعض الوجوه أو الأحداث لتغدو القطعة منبّهاً للحنين وللذاكرة. «أجمع الماكينات، أفككها، أرسم المجسّم ثم أبدأ بالتنفيذ» يضيف نعماني لافتاً إلى أن المصابيح والطاولات هي أدوات يمكن استخدامها في الحياة اليومية.
يضمّ المعرض 22 قطعة، وينتهي مساء اليوم الخميس، ليشارك بعدها نعماني في أيلول المقبل في معرض «Maison et objet» في باريس لينقل بذلك شغفه بماكينات الخياطة الى مختلف أنحاء العالم.
يستخدم نعماني أجزاء عدة من ماكينات خياطة لينفذ قطعة «دواليب الحياة» وكأن دولاب الماكينة دولاب في الحياة، كان في أحد البيوت، في إحدى الحارات، تدوس عليه امرأة متقدمة في العمر، تحيك كنزة أو سروال. ماتت المرأة، وبقي الدولاب. رماه أحدهم في طريق ضيّق في إحدى البلدات. بحث عنه أحدهم، فوجده، وأعاد استخدامه كجزء في قطعة ينبعث منها الضوء والخيال لتغدو «دواليب الحياة».
المصدر: السفير