تبارَك الله

- تبارَك الله - 2025-06-10
- العافية… نعمة وافية - 2024-12-02
- المدرسة مؤسسة تربوية تعليمية - 2024-09-03
هل تدبّرتم يومًا قول الله تعالى «هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسْماءُ الحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فَي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيْزُ الحَكِيْمُ»؟ وهل بحثتم في تأويل المتواليات الثلاث: الخالق، والبارئ، والمصور؟ إن لله عزّ وجلّ تدبيرا وتقديرا في كل حرف وفي كل كلمة وفي كل جملة جاء بها في كتابه العزيز. وإن ورود أسمائه الحسنى الثلاثة: الخالق والبارئ والمصور متواليات يعود إلى وجود مشتركات وتقاطعات في معانيها، وإن هذا التوالي نابع من حكمة إلهية عظيمة، فهو الحكيم العليم جلّ جلاله. إّن الخلق مشتق من مادة (خَلَقَ) التي تفيد التقدير، لأنّ الخلق هو إيجاد معدوم على غير مثال، وسابق حال، وهذا يحتاج إلى التقدير السليم الذي يضع الأمور والمقادير في نصابها القويم، وقد كان العرب يأخذون بأقوال الجاهليين وبأشعارهم، ويستأنسون بأسمارهم وطرائفهم وسِيَرِهم وأخبارهم، وعنهم يأخذون اللغة السليمة الخالية من اللوثة والعجمة لتفسير القرآن واستخلاص لُباب الحكمة، فهذا زهير بن أبي سلمى حكيم الجاهلية يقول مادحًا: ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري وهذا البيت مدوَّر، أي متّصل الشطرين، انشطرت كلمة بعض وتوزعت على شطريه فلم أعزل بينهما، ومعنى يفري: أي؛ ينفِّذ رأيه ويمضي خططه، ولا يبقي تقديره عُرض حائط النسيان أو العجز أو الكسل. أي يقدر على إنفاذ ما يقدّره من الأمور والشؤون، ثم ينقلها من طور التعبير إلى طور التسيير، وليس كما يفعل كثير من البشر، يقدّرون ويَعِدون لكنهم لا يطبّقون شيئًا.
والبارئ، هو من يزيل النقص ويبعده، وقد ورد في كتب السنّة أنّ عليّ بن أبي طالب – كرّم الله وجهه – عندما خرج من عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في فترة مرضه الذي توفاه الله به، سأله الناس: يا أبا الحسن، كيف أصبح رسول الله؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئًا. [أيّ؛ معافًى من مرضه الذي يشكو منه]. أما المصوّر، فهو من صوّر هيئتنا، وجعلها في أحسن تقويم، وألْيَقِ تصميم. إنّ توالي أسماء الله الحسنى، الخالق، والبارئ، والمصور، والتراتبية بينها، تؤكد عظمة الله تعالى في الخلق والتقدير والإبداع، وأنّ علينا أمام ذلك، أن نرضى ونسلّم أمرنا إليه وحده سبحانه، وأن نتخلق بخلق التقبّل لا التهكّم، وأن نتناول نعم الله بالبشر، لا بالتجهم، فكثير من الناس يعترضون ويتذمرون على هيئاتهم وأشكالهم، وهذا من بطر النعم، ودواعي السخط والنقم. وأختم بقول الشاعر (الضرير) بشّار بن بُرْد الذي كان راضيًا عن عماه، بل فخورًا به محبورًا: عَميتُ جَنيناً وَالذَكــاءُ مِــنَ العَمى فَجِئتُ عَجيـبَ الظَنِّ لِلعِلـــمِ مَعقِلا وَغاضَ ضِياءُ العَينِ لِلقَلـــبِ فَاِغتَدى بِقَلبٍ إِذا مـا ضَيَّـــــــعَ الناسُ حَصَّلا.
** المصدر: جريدة “العرب”