تجريب مُستمر لبقاء النَّص على قيّد الحياة

الجسرة الثقافية الالكترونية
سامر مزهر
قبل أن أحث الخطى لنقتفي اثر صفحات رواية الكاتب خضير فليح الزيدي “الباب الشرقي” وفي أحد صباحات شارع المتنبي، وأنا أتجول متفحصاً العناوين والإصدارات الجديدة للعديد من الكتب المفترشة على الأرض بغية اقتناءِ ما يساورُ حاجتي ورغبتي، وما زلت أُسيرُ في هذا الصخب الجميل متطلعاً إلى قسمات الوجوه علني أحظى بصديقٍ فارقته، وإذا بوجهٍ يذوب فيه طعم الأمل والألم والجراءة والخجل يصادفني ويقدم لي دعوة الحضور في إحدى قاعات البيت الثقافي البغدادي التي خصصت للحديثِ عن روايته “الباب الشرقي” ملبياً دعوتهِ وفرحِاً بمنجزهِ، هو ليس وجه الصدفة.
إنه زميل وديع في الدائرة التي اعمل بها، كنت صاغياً لكل ما كان يدار من حديث عن هذه الرواية من قبل نخبة طيبة من الأدباء والنقاد والمشتغلين في مجال السرد لم يكن لي نصيب من المشاركة والمساهمة في الحديث عن الرواية، كوني هاوياً في مجالين من مجالات الأدب هما الكتابة والنقد والسبب المهم من عدم مشاركتي اني لم اقرأ الرواية مما دعتني أجواء الجلسة وحواراتها المستفيضة أن اقتني تلك الرواية بغيةَ قراءتها وهي فرصة ذهبية لتطوير ملكة النقد ذلك الهوس الذي لازمني منذ وقتٍ مبكرٍ في صباي.
قرأتها وكانت كالسراب خفيفة الظل، فدعوني أيها الأدباء ان أُجرب رحلتي في السفر إلى أجواء هذا العالم بعيداً عن عوالم اللون واللوحة، وان أستريح قليلاً من الفرشاة وأُقدمَ لكم عرضاً نقدياً يسيراً عله يحظى بقبولكم.
ان موضوعة الكتاب تحمل سمة الخروج من اشتراطات الرواية المألوفة من حيث وجود “البطل الاشكالي وتعدد الامكنة والازمنة” إضافة الى تصاعد الحدث وعوالم الافتراض المتخيلة مع وقائع الحدث المرئي (المعاش).
“الباب الشرقي” اجتازت كل ما هو مألوف من تلك الحيثيات اللزومية للسرد وانحازت الى جانب التنظير والوصف وهما من تداعيات الكاتب الحداثوية مختزلاً اشتغاله السردي في رصد سلوكيات وظواهر غريبة في قاع المجتمع البابي المخفية غير المعلنة من خلال المعايشة والمشاهدة والموقف واللقاء المباشر مع شخوص الهامش المتقاعسين.
هناك تأثيرات شبحية لمرجعية الكاتب الفكرية وثقافته الماركسية، هؤلاء هم من عمق الهامش أي انهم ضحية سياسة سلطات مستبدة بأنظمتها الرأسمالية الشمولية لا تعبأ بحالهم المزري وعوزهم المدقع حيث توالد لديهم كما أطلق عليه هيجل “الشعور الازلي بالوعي البائس” وهو تعبيرٌ عن التمزق وعن التعاسة داخل الكائن نفسه وهذه الدرجة من الانقسام الداخلي التي يتوجب على الروح التغلب عليها للتقدمِ نحو وعي أكثر سعادة وهو اختلاق الجو النكتي والقهقهة للتحايل على ذلك التمزق وبؤس الوعي لدى الشخوص البابية، فكانت نظرة الكاتب هي نظرة تعاطف لا نقداً لاذعاً.
أعتقد ان الكاتب كان موفقاً في اختيار موضوعته بتسليط الضوء على عوالمَ غائبة في مدار الحقيقة وليس الافتراض، هذا بالاضافة الى ان لغة الكاتب لغة وسطية غير معقدة أخذت منحى وصفياً لغرائبية سلوكيات شخوص المكان وهي ملائمة لجميع مستويات التلقي الا في بعض مواطن التنظير لا السرد أخذت منحاً شاعرياً فالغايةُ تبرر الوسيلة كما يقول مكافيلي، وهي توضيح المجهول والغامض من المكان من حيث سلوك شخوصه ووصف شواخصه الغائبة عن وعي العامة من الناس والمجتمع.
المصدر: ميدل ايست اونلاين