توفيق فروخ يعود إلى «مدنه اللامرئية»..

*فاتن حموي
حمل الموسيقي توفيق فرّوخ لبنان في منتصف الثمانينيات شغفه للتطوّر والإبحار في عالم الموسيقى فغادر إلى فرنسا لإكمال تخصصه الموسيقي واستقر فيها. أمضى أربعين سنة في العمل الموسيقي وإجراء الأبحاث والتدريب اليومي، ويعتبر أنّه استطاع اليوم الإمساك بطرف الخيط في هذا المجال، «آمل أن أكمل قليلاً لأتمكّن من إمساكه أكثر كي أعرف فكّ ألغازه ورموزه، أشعر أنني محظوظ إذ ما زلت مستمرًا في عالم الموسيقى».
أصدر فرّوخ أخيرًا أسطوانته السادسة بعنوان «مدن لا مرئية» بالتعاون مع «نادي لكلّ الناس». استغرق العمل فيها ثلاث سنوات، في الأولى أجرى فروخ أبحاثاً وألّف موسيقى العمل، يشرح لـ «السفير» قائلاً «السنة الثانية كانت في الأساس للبحث عن الإنتاج لإصدار العمل، اضطررت بعد ذلك أن أنتج العمل على نفقتي الخاصة، وصولاً إلى مرحلة التسجيل والبحث عن الموسيقيين والميكساج، والتعاقد مع شركة للتوزيع في العالم العربي وفي أوروبا».

حوارات الحلم
فُتن فرّوخ برواية الكاتب إيتالو كالفينو «مدن لا مرئية» الصادرة في العام 1972 و «انسحرت كلياً بفصول «المدينة والذاكرة» و «المدن والرغبة» و «المدن والأموات»، فاختار الاسم نفسه عنوانًا لأسطوانته، «المدن اللامرئية هو بشكل أساسي نوع من أنواع الحوارات المسكونة بالحلم بعالم آخر ومختلف، بعالم تعيش فيه البشر بتناغم وسلام. في الوقت نفسه، في خضم ما يحصل في منطقتنا العربية من حركات نزوح، وتغيير معالم المدن كان هذا الخيار. هناك مدن منسية أو متحوّلة. أحببت تسمية «المدن اللامرئية» ليس لأنها بالفعل غير مرئية، بل لأنّ بعض المدن موجودة ولا مرئية في الوقت نفسه. أحببت التطرّق إلى هذه المدن بالذات، لأحكي عن أسرارها وألغازها وجمالها وتاريخها. المدن مفتوحة للجميع، موجودة في قلب كلّ مَن يريد أن يضيع فيها ليولد من جديد، موجودة أيضًا في قلب كلّ مَن يؤمن بفرضية الصلح والتسامح، وحول وصفه العمل بأنّه حقيقة عارية يقول فرّوخ «الألبوم هو دعوة إلى الحوار للعثور على هذه الحقيقة العارية. أشعر أنّها مثل الولادة، لأنّ عري الولادة هو عري من كلّ الطبقات التي تغطي الحقيقة».
يضيف فرّوخ أنّه يحاول تقديم عمل متقن وفي النهاية مَن يمنح العمل القيمة والمعنى هو المستمع، «لا ولن أشرّح عملي فنيًا. أفضّل أن تكون قصة تشريح العمل تابعة للناقد المتخصّص الذي عليه أن يكون على مسافة واحدة من تقويم أي عمل فني. العنصر المهم في العمل هو الحوار بين الآلات الموسيقية، هو الجزء الأساس في إنجاز العمل، ويمكن القول إنّه حوار بين الثقافات من دون أن ندخل في تسميات الخليط والمزيج. حوار أي بكلّ بساطة محادثة مبنية على أحاسيس». يُذكر أنّ الألبوم يضمّ 13 مقطوعة، الساكسوفون هو الحاضر الأكبر فيها لكونه آلة فرّوخ التعبيرية في عالم الموسيقى، بالإضافة إلى أكورديون ديدييه إيتورساي وآلات إيقاعية مختلفة عزف بشار خليفة، وعود أحمد الخطيب، وغيرها من الآلات الموسيقية. يتضمّن الألبوم عبد الوهاب تحية إلى الموسيقار محمد عبد الوهاب تتمثّل في توزيع Rio de Cairo المقتسبة من «أنا والعذاب وهواك» لكلمات من تأليف نعيمة يزبك. وردًا على كونه مقلاً في إصداراته يقول «إصدار عمل هو مسؤولية كبيرة والمشكلة الأساس هي في الإنتاج، وهناك عائق آخر، يجب أن يكون لدينا ما نقوله حين ننتج عملاً، أي أن تكون هناك حاجة ملحّة لإصداره، وليس للتسلية. يبقى العائق المالي هو العقبة الأساسية في ظل الأوضاع التي وصلت إليها سوق الأسطوانات في العالم. وبعد الإنتاج تأتي عملية نشر العمل وتسويقه وهنا أيضًا مشكلة.
اختار فرّوخ توقيع ألبومه في تاريخ مختلف عن الحفل الوحيد الذي أقامه في «ميوزيك هول» في بيروت في السابع من الشهر الحالي، «لا تخطيط عن سابق تصوّر وتصميم لهذا الموضوع. تقديم حفل مكلف في الأساس وبالتالي آثرنا أن نقدّم حفلاً واحدًا لا أكثر. أشكر «نادي لكل الناس» لرعايته هذا الحفل، لأن تكاليف السفر وحجز الصالة وما إلى هنالك ليست سهلة على الإطلاق، وكأنّها ملحمة بما تعنيه الكلمة من حيث أسطورية الموضوع لا سيما أنّ الحفل أتى من دون أي رعاية تُذكَر. تقديم حفل واحد ناجح أفضل من حفلات عدّة متشرذمة، «كان لديّ نية لتقديم أكثر من حفل في الجنوب والشمال لكنّ النيّة كانت مستحيلة التنفيذ».
لا هواجس لدى عازف الساكسوفون الوحيد في لبنان في السبعينيات، بالنسبة إلى العودة إلى لبنان «لا هواجس بالنسبة إلى الجغرافيا أو غيرها، أتساءل فقط حول كيفية متابعة مشواري في الحياة، ولديّ دومًا تمنيات بالسعادة والهناء للوطن».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى