حديث المجالس (1)

- حديث المجالس - 2025-02-11
- حركة النقد في قطر - 2025-02-06
- حكايات المجالس.. الشعر - 2025-01-05
كعادته.. يجلس في ركنه صامتا! يتطلع إلى الجميع. وبين حين وآخر، يتطلع إلى هاتفه المحمول، لا يشاركنا الحديث، هو الصامت الأكبر.
سألته ذات مساء: «يا فواز أراك صامتا! ماذا بك يا فواز لا تشاركنا الحديث؟».
قال: «ماذا أقول؟»، قلت: «ما رأيك فيما يجري في عالمنا الآن؟ مثلا في لبنان..»، قال: «صور تتكرر.. فيلم»، صمت!.
انتظرت أن يواصل حديثه، ولكن فواز واصل صمته! قلت: «ثم ماذا؟!»، قال: «قلت لك رأيي. ما يجري صورة تتكرر.. ورأيي لن يفيدك، صورة منذ عام 1948 كما درسنا في المدرسة، وتتكرر. وتكررت في عهودكم في أعوام عدة. 1967- 1973، وها نحن فلذات أكبادكم نعيش التجربة. فماذا تريد؟ لبنان صورة من غزة، وكلها صورة بالكربون».
قلت: «يا فواز وأنت في هذا العمر تحمل كل هذا الشجن والعتاب في آن واحد؟ إنها الحياة. تأكد أن القادم أجمل، ولا حياة مع اليأس، ولا يأس مع الحياة كما قيل، الإنسان لا بد أن يؤمن بأن القادم أجمل».
صمت فواز فترة طويلة ثم قال: «وما يحدث في السودان مثلا دليل على ماذا؟ وما يحدث في اليمن على سبيل المثال؟ وفي بعض البلدان العربية. من الواضح أنني ابتعدت عن كل هذا مع أبناء جيلي، وأستمتع بوقتي وأشاهد مباريات ريال مدريد، وبرشلونة، ومانشستر يونايتد، وفريق محمد صلاح، ومباريات العربي والسد، والدحيل والريان، والنصر والهلال السعودي، اتركنا من الحروب والدمار».
قلت: «يا فواز أنا أتحدث معك عن واقع الأمة، وأنت تذهب إلى عوالم أخرى».
قال: «الآن عوالمنا أرحب. عالم الكرة فيه المتعة. فماذا في عالم الحروب؟ الدمار. أراكم في المجلس وعلامات الحزن واليأس مرسومة على وجوهكم، ومع ذلك لا تملكون القرار، اللعبة في أي مكان خارج الحدود في أيدي القوى العظمى».
قلت: «يا فواز وهل علينا الاستسلام؟ إنها روح استسلامية انهزامية! علينا المقاومة».
قال فواز: «ماذا قلت؟ المقاومة! تقاوم من؟ قاوم.. (حَدْ مَاسْكِكْ!)»، قلت في نفسي: «(وَالله فَوَّازْ صَادْنِيْ)»، قلت: «يا فواز أنا أتحدث عن عالمنا»، قال: «تحدث عن عالمك ودع عالمي (الله يِخَلِّيْكْ)، دع كل واحد منا لعالمه الخاص، أنا سعيد بعالمي وصمتي، وعالمي محصور بذاتي، فلا تقتحم ذاتي رجاء، إن عالمي أجمل وأرحب، عالم مرسوم بالجمال والحب والسلام»، قلت: «صدقت يا فواز، ما أجمل الصمت في هذا الزمان!»، فجأة.. قام وتركني.
** المصدر: جريدة”الشرق”