حوكمة مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي

بين الحين والآخر أسمع عن مطالبات بتطبيق قانون صارم على مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي في منطقتنا الخليجية، والدافع من خلف ذلك نوع المحتوى الذي يؤثر على المجتمع، أو طبيعة الإعلانات التي يقومون بنشرها، ومؤخراً لأسباب مرتبطة بتنظيم العمليات المالية التي يشترك فيها هؤلاء المشاهير، والمطالب هنا في وجهة نظري شرعية نظراً لما حدث في أكثر من حدث وموقف في دولنا الخليجية مؤخراً.
واليوم لا بد أن نعترف أنه مع تزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح المؤثرون جزءاً لا يتجزأ من هذه المنصات، حيث يلعبون دوراً كبيراً في تشكيل الآراء والتأثير على السلوكيات الشرائية لمتابعيهم والترويج للأفكار والقرارات وربما تغيير هوية المجتمع، لهذا تأتي أهمية حوكمة مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي لضمان النزاهة والشفافية والمسؤولية في المحتوى الذي يقدمونه.
ولا يجب النظر لهذه الحوكمة على أنها تقييد للمؤثرين بقدر ما هي إطار أخلاقي وقانوني عام لما يقدم في وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه القوانين يجب أن تساعد على تعزيز الشفافية والنزاهة وحماية المجتمع، التي أؤكد مرة أخرى أنها لا يجب أن تتم من خلال السيطرة على المحتوى ولا تقييده.
ولخلق توازن بين ما يقدم وبين حرية الرأي والتعبير فإن الامتثال للقوانين يجب أن يرتبط فقط برخصة الإعلان والتسويق، وهو ما يجب أن يقوم كل مؤثر بإصداره من مؤسسة معنية بالعمل الثقافي أو الإعلامي، ويكون من ضمنه تطبيق العديد من الشروط مثل تحمل المسؤولية القانونية لنشر الإعلانات والتأكد من صحته ونزاهته (مثل قيام بعض المؤثرين بنشر إعلانات لمشاريع عقارية وهمية) مع التأكيد على الإفصاح عن أي محتوى إعلاني أو مدعوم، والإفصاح عن العلاقات التجارية والدخل المادي.
أما بقية الأطر التنظيمية لهذه الرخصة فيجب أن تخضع للقوانين المحلية كعدم نشر مواد مخلة بالآداب العامة أو الدين وغيرها من التي نظمها القانون بشكل كامل.
لكن على المشرع وهو يقوم بإصدار التشريع اللازم أن يعرف أن هناك تحديات كبيرة سيواجهها مثل قدرة التشريع على التغيير السريع المضاهي لسرعة التغير السريع في التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، والتنوع الكبير في المؤثرين وتغيرهم ونوعية المحتوى المرتبط بالنشر المحلي والعالمي.
ولعل هناك تجارب خليجية في هذا الإطار يمكن الاستفادة منها مثل التجربة السعودية، كما أن هناك أمثلة دولية مثل لجنة التجارة الفيدرالية (FTC) التي تفرض قواعد صارمة تتطلب من المؤثرين الإفصاح عن أي محتوى مدعوم، وهيئة معايير الإعلانات في المملكة المتحدة (ASA) تراقب وتنظم الإعلانات والمحتوى المدعوم على وسائل التواصل الاجتماعي.
لكن التحدي الأكبر الذي سيواجه المشرع والمجتمعات هو كيفية وضع إطار تنظيمي للمحتوى الذي يقدمه المؤثر في وسائل التواصل الاجتماعي والذي بات هو المشكلة الحقيقية فيه، مثل تقديم خدمات الاستشارات الاقتصادية أو الطبية أو الأسرية من غير المختصين، وهو ما بات يشكل معضلة حقيقة في تأثير هؤلاء على المجتمعات الخليجية والأسرة فيها.
أكرر أني ضد أي تشريع يصادر حرية الرأي والتعبير، وضد أن يشمل القانون تقييد المؤثر أو مصادرة حسابه أو التحكم في محتواه، لكني مع وضع إطار تنظيمي متكامل للجميع، مستمد من سلطة المجتمع وقوانين الدولة يمكن من خلاله تحقيق بيئة إعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي أكثر نزاهة وموثوقية، وظني أن مثل هذه القوانين ستحمي مجتمعاتنا كثيراً من أولئك المؤثرين القادمين من مجتمعات مختلفة عنا دينا ولغة وثقافة وباتوا اليوم بيننا ينظرون في ديننا ولغتنا وثقافتنا.

**المصدر: جريدة”الشرق”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى