حَدْسُ الأنُوثةِ – عمر محمد بكير

الجسرة – خاص
وَصْفَةٌ مُثْلَى لِتَكْتَشِفَ البِدَايَةَ
وَالنِّهايَةَ قَبْلَ أَنْ تَطَأَ الطَّرِيقْ
حَدْسُ الأُنوثَةِ..
مَا تَبَقَّى مِنْ جِهَاتٍ فَوْقَ ذَاكِرةِ الشِّراعِ
وَسُمْعَةُ الرُّبَّانِ فِي كَفِّ العَوَاصِفِ،
كُلَّمَا ابتَلعَتْ قَمِيصًا مَزَّقَتْهُ
بِصَدْرِ بَحَّارٍ تنَاقَصَ حَظُّهُ،
شَدَّ الحِبَالَ بِقُوَّةٍ..
وَالبَحْرُ -كُلُّ البَحْرِ –
يَهْتِفُ باسْمِهِ:
هَذَا الغَرِيقْ..
هَذَا الغَرِيقْ..
حَدْسُ الأُنوثَة..
خَفْقَةُ النَّرْدِ الأَخِيرَة فَوْقَ طَاوِلَةٍ تَجَمَّعَ حَوْلَهَا السَّجَنَاءُ
كيْ يَتَبَادَلُوا أدْوَارَ خَيْبَتِهمْ
وَمَا خَسِرُوهُ مْنْ عُمْرٍ بِحَانَاتِ الرِّهَانِ
وَحَارِسُ النّرْدِ النَّؤُومِ يُفِيقُ مَفْزُوعًا عَلَى الكُرْسِيِّ ،
يَصْرُخُ فِي رِوَاقِ السِّجْنِ:
لَا… لَنْ تَسْجُنُوا الحَظَّ الطَلِيقْ
حَدْسُ الأُنُوثَةِ…
أوَّلُ الـمَطَرِ الفُجَائِيِّ الذِي يُفْشِي عَلَى نَظَّارَةِ الأَعْمَى
نَوَايَا غَيْمَةٍ حُبْلَى تَمُرُّ عَلَيْهِ
وَهْوَ يَمُرُّ مِنْ دُونِ ارْتِبَاكٍ فَوْقَ أَعْطَابِ الرَّصِيفِ،
كَظِلِّهَا فِي الشَّارِعِ الـمَكْشُوفِ تَحْتَ الشَّمْسِ،
يُوقِفُ خَطْوَهُ للْبَيْتِ..
يُلْقِي بِالعَصَا لِيُرِيحَهَا
وَيُرِيحَ حَدْسَهُ تَحْتَ زَخَّاتٍ مِنَ الـمَطَرِ الـمُضَمَّخِ بِالبَرِيقْ
حَدْسُ الأُنُوثَةِ..
مَا تَطَايَرَ جَنْبَ مِنْفَضَةِ السَّجَائِرِ
حِينَمَا عَبَرَتْ رِيَاحُ العَصْرِ مقْهَى العَابِرِينَ
وَفِي شَظَايَا التَّبْغِ أَسْئِلَةُ الـمُسَافِرِ
كُلَّمَا انْتَفَضَتْ تَوَجَّعَ سَاخِرًا:
مَاذَا أُرِيدُ مِنَ الحَيَاةِ؟
وَضِعْفُ هَذَا الدَّرْبِ لَا يَكْفِي
لِأُحْرِقَ فَوْقَهُ نِصْفَ السَّجَائِرِ،
لَا أُرِيدُ مِنَ الحَيَاةِ سِوَى مَسَافَاتٍ
وَمِنْفَضَةٍ أُرَوِّضُ فَوْقَهَا هَذَا الشَّهِيقْ
حَدْسُ الأنُوثةِ…
آخِرُ القَطَرَاتِ مِن قَارُورَةِ الخَمْرِ الأَخِيرَةِ فِي صُفوفِ الجُنْدِ،
تَرْمُقُ يَائِسًا وَتَقُولُ:
زَوْجَتُكَ الجَمِيلَةُ فِي غِيابِكَ لنْ تَخَونَكَ،
لَا تَخُنْهَا بِانْتظَارِ المَوْتِ
وَاشْرَبْ قَهْوَةً حَتَّى تُفِيقْ
حَدْسُ الأنُوثةِ…
وَرْدَةٌ رَغْمِ الحِصَارِ تَقُولُ للجُنْدِيِّ: عِشْ مِنْ أَجْلِهَا،
كُلُّ الرِّفاقِ دَفَنْتَهُمْ لَيْلًا..
وَوَحْدَكَ مَنْ سَيَنْجُو خَلْفَ هَذَا السُّورِ
مِن دَبَّابَةٍ تُصْغِي إليْهَا وَهْيَ تدْنُو..
ثُمَّ تَدْنُو..
ثُم تَدْنُو..
ثمَّ يُخْطِئُكَ الحَرِيقْ.