خليفة

د.زينب المحمود
Latest posts by د.زينب المحمود (see all)

لا شكَّ في أنّ مَن يقرأ كلمة «خليفة» أو يسمعها، يتذكر قول الله تعالى: ﴿وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَاـئِكَةِ إِنِّی جَاعِل فِی الأرض خَلِیفَة ﴾ [البقرة: 30]، وكذلك يتذكر منصب الخلافة في الإسلام. لكن هل حاول بعضنا الغوص فيما هو أبعد من ذلك، ليتعرف على خفايا اسم خليفة وخباياه؟ إنّ اسم «خليفة» هو اسم ربانيّ، وهو أوّل وظيفة أُسندت إلى الإنسان، وكذلك سمّى الله بها الإنسان قبل أن يذكر مفردة الإنسان، أيّ أنه وظّفها للإشارة إلى مخلوق جديد سيخلقه؛ هو الإنسان. فخليفة اسم جامع لكل إنسانٍ، وليس فحسب آدم عليه السلام، فالخليفة في عرف الله «البشر جميعًا» وتحديدًا من يعترف بوجود الله، ويلتزم أوامره في عمارة الأرض. فما أعظم اسم خليفة! وعلى صعيد اللغة، فقد حظي اسم خليفة بمنزلة مرموقة؛ فهو علمٌ مذكّرٌ عربي الأصل، مشتق من الفعل «خَلَفَ»، ويعني «الذي يخلف من كان قبله في أمر ما»، ثمّ تطوّر المعنى ليدلّ على القيادة والسلطة. ومن أجل ذلك، حينما توفّي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ألهم الله الصحابة الكرام بتعريف من يعقب رسول الله بـ «خليفة رسول الله» أو «خليفة المسلمين»، لذلك كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه، أول خليفة للمسلمين، وكان هذا اللقب تكريمًا له وتشريفًا، بسبب مكانته العظيمة عند رسول الله، ودوره في نشر الدعوة الإسلامية. كذلك فإنّ في اسم خليفة تنزيها من كل منقصة، ولا يحتمل اسم خليفة معنى الإنسان السيئ، بل من يمتثل أوامر الله. وفي ذلك يقول ابْنُ جَرِيرٍ: «تَأْوِيلُ قول الله: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً﴾،أيّ: مِنِّي، يَخْلُفُنِي فِي الْحُكْمِ بَيْنَ خَلْقِي، وَإِنَّ ذَلِكَ الْخَلِيفَةَ هُوَ آدَمُ وَمَنْ قَامَ مَقَامَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَالْحُكْمِ بِالْعَدْلِ بَيْنَ خَلْقِهِ. وَأَمَّا الْإِفْسَادُ وَسَفْكُ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا، فَمِنْ غَيْرِ خُلَفَائِهِ». فالإنسان خليفة الله في أرضه التي هيّأها لنسكن فيها، وننعم بخيراتها، ونرفل بحللها، ونشارك في عمرانها. لقد أعدها لنا خير إعداد من أجل هذه المهمة، وجهّزها بما لم نكن نتصوره من نعم، لنحوّل الواجبات الشعائرية إلى حقوق نستمتع بممارستها ونستلذّ بحصادها. إنّ استشعارنا معنى اسم «خليفة» وفق ما عناه الله، يدفعنا إلى تأدية حق الله من العبادات والتكاليف عن رضا وإدراك، وهذا يمنحنا أجرًا وسعادةً، وسلامًا واطمئنانًا يغمر قلوبنا ونفوسنا وبيوتنا ومجتمعنا، فاسم خليفة في معناه العصري: كلّ من يعمر الأرض بالعدل وفق منهج الله، وكلّ من يؤدي حقّ الله في النفس والمخلوقات من حوله، وهو كل إنسان أدرك غاية الله من خلقه، فسعى ليكون نعم الخليفة لنعم الإله. وما أجمل قول لسان الدين بن الخطيب في أحد الخلفاء: خَليفـةَ اللهِ في أرْ ضِهِ ونِعْمَ الخَليفَةْ لازِلْتَ للدّينِ عِزًّا مؤمِّنًا كـلَّ خِيفَةْ وأخيرًا أقول: حقًا لكل إنسان يرى نفسه خليفةً، وفق منهج الله، أن يعتزّ ويسمو بمبادئه الربانية، وقيمه النورانية المستمدة من نور الله ومنهجه. وليكن شعارنا ونحن نخطو على هذه الأرض: وكمْ تغافلتُ عن أشياء أعرفُها وكمْ تجاهلتُ قولاً كان يُؤذيني وكمْ أقابلُ شخصاً من ملامحهِ أدري يقيناً وحقّاً لا يُدانيني جازيتُ بالطيبِ كلّ الناسِ مجتهداً لعلَّ ربّي عن طيبي سيجزيني.

@zainabalmahmoud @zalmahmoud@outlook.com

** المصدر: جريدة”العرب” 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى