(دبي السينمائي).. أفلام عربية جديدة تعاين الواقع وإشكالياته

الجسرة الثقافية الالكترونية
ناجح حسن*
المصدر / الراي الاردنية
تباينت اشتغالات الأفلام العربية المشاركة بفعاليات الدورة الحادية عشرة لمهرجان دبي السينمائي الدولي بتلك الاساليب الجمالية والرؤى الدرامية التي وضعت كثيراً من المتابعين في حيرة أمام قدرتها على بلوغ متاهات اسئلة الحياة وما يحيط بتلافيفها من وقائع وتحديات اجتماعية وسياسية وثقافية عصيبة.
مفاجأة المهرجان جاءت حين أعلنت لجنة تحكيم مسابقة المهر العربي منح المخرجة اليمنية خديجة السلامي الجائزة الكبرى لافضل عمل وذلك عن فيلمها الروائي الطويل الأول (انا نجوم ابنة العاشرة ومطلقة)، الذي تسري وقائعه في بيئة يمنية فقيرة حيث تتعقب كاميرا المخرجة فتاة في العاشرة وجدت نفسها زوجة لرجل في العقد الرابع من عمره تلافيا لعواقب حادثة اعتداء تعرضت له من احد جيرانها الفتيان وكان لا بد لوالدها ان يزوجها درءا للفضيحة.
سينما من اليمن
يصور الفيلم الفتاة وهي هاربة من بيت الزوج باتجاه احدى المحاكم لتطلب من القاضي تطليقها الا ان نصوص القضاء تواجه باعراف وتقاليد تحتم على القاضي الاخذ بها ومراعاتها حفاظا على السلم الاجتماعي الى ان ينجح قاضي شاب في اقناع احد وجهاء القبيلة الطلب من زوج الفتاة ان يقوم بتطليقها لتعود الفتاة الى مدرستها طالبة باحثة عن مستقبل جديد لها امام كل صور لحظات اليأس والمعاناة التي عاشتها وهي لم تتعد مرحلة الطفولة.
تصوغ كاميرا المخرجة السلامي من حياة الفتاة التي يتمحور حولها الفيلم، بناء دراميا وجماليا شديد الجاذيية والاعتناء بعناصر اللغة السينمائية ودلالاتها الفكرية البليغة، ولئن اصابها احيانا في بعض المواقف اللغة الخطابية الزاعقة والترهل بالاداء التمثيلي، حيث يمتلئ الفيلم بمناخات لافتة متضادة بين خصوصية وجاذبية الامكنة التي دارت فيها احداث الفيلم وضجيج وصخب واقع ومصير الفتاة البائس، الذي يتأسس على إشارات ودلالات موغلة في محليتها الشديدة التي يجري فيها التركيز على ملامح من جماليات البناء العمراني اليمني وما يحيط بها من تضاريس، الامر الذي اعطى للفيلم مذاقا خاصا.
بيد ان المخرجة لجأت إلى الحل السهل في التوفيق بين رؤية القانون وقيم العادات السائدة المتمثل فى ايجاد شخصية متحمسة من وجهاء القبيلة تراعي حق الفتاة المتزوجة قسرا بان تكون طليقة لتختار مصيرها بحرية، على منوال آفة الأفلام التقليدية ونهاياتها السعيدة! بعد تتالي احاسيس وهواجس يختلط فيها القلق والعزلة والحيرة والخوف والموت.
ولكن في النتيجة العمل وهو الآتي من وقائع حقيقية شهدها المجتمع اليمني قبل سنوات يشكل اضافة جديدة للسينما اليمنية الفقيرة اصلا في حقل صناعة الافلام، وهو ايضا يحمل نبضه وروح مخرجته الشابة المتحررة المليئة بشغف السينما، حيث عالجت فيه بمخيلتها الرحبة موضوعا دراميا يضرب جذوره في كثير من قصص وحكايات مستمدة من واقع وتفاصيل بيئتها اليمنية المحافظة.
رؤى جريئة
(في الوقت الضائع)، فيلم من النوع الروائي القصير، حققه المخرج رامي ياسين، عبر الانتاج الاردني الفلسطيني المشترك بالتعاون مع المخرجة والمنتجة آن ماري جاسر التي ادت دورا تمثيليا بالعمل الذي لا تتجاوز مدته 13 دقيقة الى جوار المخرج نفسه وزين دريعي وربى عطية ومكرم خوري، ونال من لجنة تحكيم الفيلم القصير بالمهرجان التي ترأسها الناقد والباحث السينمائي اللبناني محمد رضا شهادة تقدير.
ينهض الفيلم على حوار بين والد يقضي أيامه الأخيرة في مستشفى، وولده الشاب الذي تعدى العقد الرابع من عمره دون زواج، ويتساءل الأب بحرقة واستنكار عن سبب عدم رغبة ابنه بالزواج في مناخ من الاتهام الذي يصل الى درجة البوح بأنه على دراية بتلك الحالة التي آثر الابن ان تعوضه عن الزواج، ولدى خروج الابن مستاء من هذا الحوار وتدخلات والده بخصوصياته، ينفجر بوجه والده ويقرر المغادرة، الاّ انه في لحظة ادارة مفتاح السيارة يأتيه هاتف من المستشفى يطلب منه المكوث قليلا لان والده في نزعاته الاخيرة مع الموت، لكن زحمة اصطفاف السيارات في باحة المستشفى تعيق الابن عن اللحاق بلحظات والده الاخيرة.
قدم المخرج ياسين فيلمه اطار من الاشتغال الجمالي الذي يفيض ببلاغة لغة الصورة وايحاءاتها عبر استدعاء ذاكرة بطلته في منحى درامي يدور حول طبيعة عيش الابن امام صدقية اتهام والده قبل ان يفوق متاخرا نادما عن لحظة الاضطراب التى عكرت عليه علاقة حميمية ظلت تربطه مع والده طيلة حياته.
ركزت كاميرا الفيلم على ملامح أداء طاقمه في اكثر من موقف رغم محدودية المكان التي انحصرت في غرفة مستشفى وموقف للسيارات داخل باحة المستشفى الا ان الكاميرا ظلت تحوم في فضاءات المكان، بدت فيها حيوية الكاميرا وتكويناتها البصرية وهو ما منح العمل الكثير من الجاذبية، مثلما كان لسلاسة الانتقال بين لقطة واخرى تاثيره الايجابي لدى المتلقي في سبر غور عوالم الفيلم واندفاعات شخوصه الى مصائر غير محسوبة.
في حين آثر المخرج يحي العبدالله بفيلمه التسجيلي الاردني الطويل (المجلس) الحائز على شهادة تقدير من لجنة تحكيم مسابقة المهر العربي التي ترأسها الممثل الاميركي لي دانيالز، مناقشة محطات ومواقف في العمل التربوي باحدى المدارس خارج العاصمة، وذلك من خلال مصاحبة الكامير لمبادرة طلاب مدرسة في المرحلة الابتدائية لتكوين مجلس يجري فيه طرح همومهم وتطلعاتهم في تلقي العلم والمعرفة في اجواء سليمة.
ويمضي العبدالله شوطا طويلا في ملازمة هؤلاء الطلبة ومعلميهم كاشفا عن عوائق بيروقراطية ومحدودية في التحصيل العلمي لاسباب متعلقة بالبيئة وظروف عيشهم في منطقة بعيدة عن الخدمات رغم مثابرة الطلبة وعزمهم على تحقيق امنياتهم بايجاد مجلس طلابي يمكنهم من محاورة ادارة ومعلمي المدرسة والقائمين على خدمات منطقتهم ، وازاء هذا الاصرار من الطلبة الا انهم يواجهون الكثير من العقبات والتحديات وهو ما يدفعهم الى اخذ بعض المهمات والنهوض بها من خلال مبادرات فردية وجماعية رغم ما يرسمونه من تساؤلات حول ماهية البيئة الصحية في تلقي المعرفة والعلم في المدرسة.
العبدالله صاحب فيلم (الجمعة الأخيرة) الآتي الى عالم السينما من سلك التدريس وغبار الطباشير عليم بتلك الاشكاليات والطموحات لدى طلبة المدارس ويحصي لهم بامكانات سمعية بصرية تعدد اهوائهم ورغباتهم حيث لا يترك اي شيء للصدفة او المرور العابر بقدر ما يخوض مع هؤلاء الطلبة (بنين وبنات) الى جوار معلمين ومعلمات له بحثاً واستقصاء عن العوامل التي يمكن ان تفيد في مسعاهم بتشكيل المجلس الا ان رهانهم على من هم خارج اسوار المدارس يدفعهم الى حائط مسدود.. لكن دون ان يعدموا بصيص أمل في التغيير وخوض صراعهم الخاص في بيئة فقيرة ولئن بدا فيها حالات من العنف والقسوة، وفي مناخات تهيمن عليها صنوف من اشكال التسلط والتهميش ونزعات التطرف.
مثل هذه التعابير منحت العمل سمات من النادر ان قدمتها افلام شبيهة حيث ينطوي على عوالم مفعمة بالتناقضات المليئة وبالايحاءات البليغة تجاه تحولات مشرعة على الأنعتاق والانطلاق في الحياة.
اشتغالات غير روائية
اشتملت اقسام المهرجان على عروض لثلاثة افلام تحمل هوية مخرجيها والتي انجزت بفعل الانتاج المستقل المدعوم من صناديق تمويل خارج سوريا على غرار الفيلم التسجيلي (من غرفتي السورية) لحازم الحموي، والفيلم التسجيلي (روشميا) لسليم أبو جبل الذي قطف عنه جائزة لجنة تحكيم المهرجان في مسابقة المهر للفيلم الطويل، وهو يعيش في الجولان المحتل، لكنه يحقق افلامه في نطاق السينما الفلسطينية، وكان هناك ايضا الفيلم التسجيلي ( مسكون) للمخرجة لواء يازجي الذي عرض في قسم «ليال عربيّة».
عاينت الافلام الثلاثة الوانا من انماط التهجير والاقتلاع وقسوة العيش في اتون الحرب، (روشيما) وحده دار موضوعه في فلسطين المحتلة العام 1948 والآخران حكى كل منهما عن الصراع والأزمة التي تدور في سوريا اليوم ، فيلم (من غرفتي السورية) مخيب لأمال وينأى عن الواقع بغرائبية مصطنعة لا تحمل في طياتها الا الشعارات على نقيض فيلم (مسكون) المجبول بتلك الرؤى الانسانية وخبرة ودرية التعاطي مع اللغة البصرية وايجاد تكوينات جمالية من براثن الحرب والدمار حيث ينسج علاقات افراد مع ممتلكاتهم الخاصة التي ظلت عالقة تحت ركام البيوت وهناك مواقف متباينة تحكي عن الهوية والوطن وحميمية الالتصاق في البيت كل ذلك في مواقف مليئة بالقتامة لكنها لا تعدم الدعابة بين حين وآخر.
لكن الافضل من الفيلمين السابقين هو فيلم (روشميا) الذي يعبر عن موضوعه بذلك التوثيق الحيوي والمتين والممتع لزوجين عجوزين يعمل الاحتلال على اقتلاعهما من بيتهما المتواضع رغم تصميمها على التمسك به الى ان تداهمها جرافات الاحتلال ذات صباح على نحو يستعيد فيه المرء الكثير مما علق بالذاكرة الانسانية من اعتداءات على الوطن والهوية والذاكرة كما رصدته عين الكاميرا السينمائية فى لحظات صنع التاريخ والوقوف بثبات وصبر أمام قوة وبطش آلة الحرب الاسرائيلية.
يزخر الفيلم بذلك التنوع في رسم الشخصيتين الرئيسيتين ومساراتهم الدرامية التي تحفل بمعالجة ذات مفردات سينمائية وجمالية اثيرة تبدو فيها عناصر التوظيف الذكية في السرد وتكوينات زوايا الكاميرا وهي تقتنص رعاشات البيت البسيط الذي شيد على عجل والمحدود المساحة امام اشكال من التحديات والمواجهات من أجل ان يفرض الاحتلال هيمنته وتسلطه على قاطنيه اللذين غاب عنهم الاحساس بطعم الحياة أو حقهم في عيش ينهض على العذاب اليومي في بث الخراب والتهديد وانعدام الاخلاق.
مخضرمون وشباب
وشاركت السينما المصرية في المهرجان بفيلمين روائيين طويلين جديدين هما: (قدرات غير عادية) للمخرج المخضرم داود عبدالسيد، و(بتوقيت القاهرة) للمخرج الشاب امير رمسيس، طرحا الكثير من الاسئلة الشائكة التي تدور في مناخات محملة برؤى وافكار مستمدة من واقع صعب يطل على المستقبل حينا ، والماضي القريب حينا آخر، عبر تحولات العلاقات الانسانية.
في (قدرات غير عادية)، يواصل عبد السيد مسيرته الابداعية في طرح الكثير من المشكلات التي تواجه الافراد والجماعات باحساس فطن ومتين للغة البصرية امام تغول الواقع وشراسته، وذلك عندما ينطلق بطله الطبيب الشاب الذي يأخذ مضطرا اجازة بحث علمي للتفرغ في ابحاثه حول طاقات الانسان الكامنة، وامام هذه المهمة، يتوجه الى شاطئ مدينة الاسكندرية ليقيم في احد الفنادق الصغيرة الى جوار صاحبة النزل وابنتها واحد العمال، ليكون واحدا ضمن مجموعة من النزلاء الذين لديهم قصصهم وحكاياتهم الخاصة، فهناك مغني الأوبرا، والعازف، والمغني، والمخرج التسجيلي، والفنان التشكيلي، وهم على رغم خلافاتهم البسيطة، الاّ انهم اصدقاء يتضامنون معا في المواقف الصعبة، بعد ان اجبرتهم ظروف خاصة، سواء ما تعلّق منها بمعاناتهم مع التهميش الاجتماعي، أو بفعل مرورهم بخريف سنوات العمر، الاقامة في هذا المكان بعيدا عن بيئتهم او اسرهم.
يرسم الفيلم بدقة خطوطا وفواصل تعرض لكثير من الاحداث داخل هذه المجموعة البشرية التي تبدو كانها محصورة في النزل، والذين نادرا ما يخرجون منه الى الامكنة المحيطة في شوارع الاسكندرية الصاخبة، لكن ذات مرة يكتشف الطبيب الشاب انه امام الكثير من المصادفات التي تجعله يلتقي مع صاحبة النزل سواء في المقهى او في القطار الخفيف، الامر الذي يحفزه على محاولة حل وفك وتركيب طلاسم مصادفات لقاءاته بمثل هذا التكرار غير المتوقع.
يصعّد عبدالسيد من وتيرة التوتر والتشويق في الفيلم عندما يكتشف الدكتور ان الطفلة ابنة صاحبة النزل لديها قدرات غير عادية في التنبؤ، حيث يتبين لاحقا انها موروثة عن والدتها ايضا!، الى ان يدخل على خط هذه القدرات الخفية احد ضباط الامن الذي يعمل جاهدا التعرف على اسرار القدرة الخارقة لدى الطفلة والاستفادة منها في اعمال التحري، وذلك بعد ان يكون الدكتور قد انخذ قراره بالنأي عن المشاركة في توظيف قدرات الطفلة في اعمال بعيدة عن البحث العلمي وهو ما يجعله يتوارى عن الانظار والاقامة لدى احدى الجماعات الصوفية، حيث يعمل شيخ الطريقة على صرفه تلافيا للدخول في مشكلات مع الحكومة.
واضح ان موضوع الفيلم يلامس تلك القضايا الكبيرة التي طالما عاينتها كاميرا المخرج عبد السيد في العديد من اعماله السابقة: (الصعاليك) ، (البحث عن سيد مرزوق)، (الكيت كات)، (مواطن ومخبر وحرامي)، و(رسائل بحر)،.. فهو في هذا الفيلم الجديد، يظل مشدودا الى البحر وينسج منه شخصيات آثرت الانسلاخ عن بيئتها تحت وظأة ضغوط الحياة اليومية، الا انها تجد ذاتها تدلف الى واقع جديد تبدو فيه كانها هائمة وباحثة عن ملاذات للنجاة والاستقرار.. لكن دون جدوى، رغم ما تتمتع به من حضور طافح بقيم ومزايا الايثار والاخلاص والحب والنبل وقبول الآخر، الاّ ان الواقع المثقل بأزماته يأبى الاّ ان يواصل في القاء ظلاله على مصائر هؤلاء الافراد البسطاء.
برع عبد السيد في وضع هذه الشريحة المتنوعة من الناس داخل بوتقة من المتعة والبهجة رغم الكثير من المواقف والمحطات السوداوية التي تنتاب حياتهم، حيث تطغى على الفيلم تلك الموسيقى العذبة التي وضعها الموسيقار راجح داود والمتآلفة مع الاجواء الصوفية ونقرات الآلات الايقاعية المتناغمة مع موسيقى واناشيد شعبية آتية من نشاطات احدى فرق السيرك الجوالة وهي تدعو البسطاء الى عروضها عبر مكبرات الصوت، مثلما يحسب ايضا للعمل اختيارات مخرجه وادارته المحكمة والجريئة لطاقات ادائية راسخة الى جوار تلك الوجوه الجديدة حال كل من: خالد أبوالنجا ونجلاء بدر ومحمود الجندي وحسن كامي والطفلة مريم تامر، جميعهم ساهم في اثراء العمل بطاقات تعبيرية مشحونة بالاحاسيس والمشاعر الإنسانية البليغة.
على النسق ذاته، بدا فيلم (بتوقيت القاهرة) مغموسا بالحنين الى تلك السينما الآتية من زمان مضى، من خلال تتبع ملامح اطياف من ذكريات الثلاثة من نجوم السينما المصرية ابان حقبة عقد السبعينات من القرن الفائت: نور الشريف ميرفت امين وسمير صبري، نجح المخرج الشاب في اقناعهم بالوقوف امام الكاميرا بعد سنوات من الغياب ليرسموا مرثية لتلك السينما المؤودة جراء ما عاصره المجتمع من تحولات عصيبة قادت الى الجشع والاثراء السريع والتطرف.
تنطلق احداث الفيلم بمشهد النجم السينمائي وهو يعاني من فقدان الذاكرة وهو القابع في منزله الى جوار اسرته التي تنظر اليه بغير حنان بل في عتب على ماضيه، باستثناء ابنة تعمل قدر استطاعاتها ان تقف الى جواره، قبل ان يمضي باحثا عن نجمة زميلة له كان يشكل معها ثنائيا ناجحا في افلام تلك الفترة، ولا يقوده اليها سوى مهرب مخدرات شاب يعاني من المتابعة الكثيفة لدوريات مكافحة تجارة الممنوعا، وهناك ايضا الجماعة التي يعمل لحسابها التي تلاحقه للانتقام منه جراء تخليه عن شحنة ممنوعات تلافيا للقبض عليه من قبل كمين للشرطة.
الفيلم الذي اهداه المخرج الى زمن شادية، يسلط الضوء على حقبة ذهبية من تاريخ السينما المصرية التي كانت مجبولة بافلام الرومانسية قبل ان يأفل بريقها في الوقت الراهن، هو من الافلام المصرية النادرة التي نجحت في تقديم ادانة ساخرة الى ثقافة سائدة اختلطت فيها الامور بين الحقيقة والخيال.
سماء قريبة
من بين العروض اللافتة في المهرجان، برزت جهود السينما في الامارات التي اثمرت هذه السنة انجازات وفيرة من الافلام الروائية والتسجيلية المتنوعة والمتفاوتة والتي خصص لها مسابقة خاصة تحمل اسم المهر الاماراتي، حيث شارك في هذه الدورة تسعة أفلام إماراتية على غرار: (عبود كونديشن) للمخرج فاضل المهيري، (دلافين) لوليد الشحي، وأخرى قصيرة لعدد من المخرجين والمخرجات الشباب، ومثل هذا الحضور القوي والمؤثر يدفع باتجاه تعزيز صناعة الفيلم الإماراتي وتطويرها لتبلغ آفاق الفن السابع الرحبة، حال الفيلم التسجيلي الطويل المعنون (سماء قريبة) لمخرجته الشاعرة الاماراتية نجوم الغانم، وهو يحتشد بتلك التفاصيل العذبة العالقة في الموروث الثقافي لبيئة اجتماعية تحفر خصوصيتها في التوازن بين الأصالة والحداثة. تتمحور احداث (سماء قريبة) وهو الفيلم الذي ظفر على جائزة المهر العربي لافضل عمل غير روائي في مسابقة المهرجان الرئيسية، حول امرأة اماراتية تعمل في رعاية واقتناء الابل والمشاركة بها في مسابقات التنافس المخصصة للابل في اصرار وتحدي امام جملة من العقبات والاعراف التي تحول من مشاركة المراة الاماراتية في هذا النوع من المنافسات.
تنجح كاميرا الغانم في معايشة المراة مالكة الابل وهي داخل بيئتها وفي علاقاتها مع الاهل والجيران واقرانها من اصحاب هذه الحرفة، كاشفة عن الوان من المتعة البصرية لمشاهد الصحراء، وما يفيض بها من مفردات انسانية وتكوينات جمالية تحفر في الذاكرة بدفء الاشتغال وحميمية الانحياز الى عوالم تلك المرأة، رغم ما تتمتع به من قوة وعناد وانفتاح ومثابرة وتصميم، مستمد من خصوصية الصحراء التي منحتها القدرة على التنافس والتامل والتفكير في مصائر افراد من عائلتها او من هم في حكمهم على منوال راعي الابل السوداني.
ازاء هذه الصور البديعة للصحراء التي رسمتها كاميرا الغانم والمجبولة باحاسيس ومشاعر تدنو من هموم وتطلعات امرأة تعمل على تجديد افكارها وحضورها الفاعل في الحياة اليومية، وهي ايضا لا تعدم البوح عن اسئلة المرأة في مجتمع محافظ، حيث تروي امام الكاميرا جوانب من سيرتها الحياتية في الحب والزواج ولجوئها الى جوف الصحراء لتربية الابل والخوض بها غمار المسابقات بدافع اثبات الذات والبحث عن مكانة لائقة لها في هذه الحياة، كل هذا يسري بشاعرية وواقعية في منحى رومانسي، مثلما يكشف العمل عن تلك التعابير المستخدمة في ترويض الابل من طرف المرأة خلال تلك الاشارات والدلالات البليغة والتي تنهض على عوامل العيش في الصحراء وعلى ذلك الارث التي تستعيده من ذكريات ما زالت عالقة عن شخصية والدها وهو ما منحها مثل هذا العناد والاصرار على اقتحام ميادين رعي واقتناء ومزايدات ومسابقات الابل التي ظلت دائما حكرا على الرجال.
مثل هذه الحالة الفريدة التي اختارتها المخرجة من جوف عيشها المحلي في الامارات، قد تبدو غريبة وغير مألوفة على المتلقي، الاّ انه يحسب لها البراعة في البحث والمعاينة عن تفاصيل غائبة لدى قطاعات كثيرة من الناس، ومنها نفهم الصورة التي خلص اليها العمل المحمل بطزاجة شخوصه القلائل والمتناغمين في حراكهم داخل بيئتهم مع مفردات اللغة السينمائية المدهشة، التي نجحت المخرجة في توظيفها بافتتان بليغ، سواء من ناحية المشهديات الآتية من مكونات سحر وجماليات الصحراء المدعمة بتلك النغمات الموسيقية المحلية العذبة الموزعة في اكثر من محطة وموقف بالفيلم، وهي تشيع بهجة وتضفي رونقا في مناخات من التشويق والتوتر، خاصة لدى استعدادات المرأة المشاركة في مسابقة الإبل، وطموحها الدائم الفوز بسيارة متينة تمكنها من اجتياز تضاريس الصحراء بحثا عن الابل ورعايتها بعيدا عن صخب المدينة الحديثة ومكوناتها الاسمنتية.
تقرأ المخرجة نجوم الغانم بحنكة وذكاء وفطنة الشاعرة قصيدتها البصرية الجديدة (سماء قريبة) بشحنات من الرؤى والافكار المليئة بحميمية ودفء الود والاحاسيس التي تتفهم خصوصية شخصيتها الرئيسية واحاطتها بصور من مناخات وقائع مستمدة من الايقاع اليومي الهاديء، وكل ذلك يسري باتزان راق دون اندفاع مجاني على غرار كثير من الافلام الشبيهة التي تنحاز الى المرأة، هنا تترك الغانم للشخصية العنان في البوح وبث همومها وتطلعاتها البسيطة دون انغلاف او نأي عن الحاضر، بل هاجسها التفاعل ومحاولة فهم الفروقات الآتية بين مناحي الأصالة والمعاصرة في توثيق نابه قلما تجود به صناعة الافلام العربية.
رسائل من اليرموك
على منوال سلسلة افلامه العديدة التي حققها في السنوات الاخيرة عاين المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي في فيلمه التسجيلي المعنون (رسائل من اليرموك) معاناة سكان مخيم اليرموك في سوريا من خلال التواصل معهم يوميا عبر وسائل التواصل الحديث مع احد الشباب المقيمين هناك الذي يزوده بصور فوتوغرافية وفيديوية لغاية ان يقوم المخرج بتخزينها والاستعانة بها لتحقيق مشروع سينمائي.
يسجل الفيلم لحظة بلحظة تلك العلاقة التي ينسجها المخرج المقيم في مكتبه في مدينة رام الله مع هذا الشاب الذي عرفه عن طريق فتاة ناشطة تقيم في المانيا بعد ان اصابهما اليأس من الاحداث التي اصابت المخيم.
يوضح الفيلم ما الت اليه احوال الناس داخل مخيم اليرموك التي تقترب من درجة الياس، حيث بات ينتشر الموت والجوع والدمار، وهناك على نحو خاص عذابات الاطفال، وطوال مدة الفيلم يرسم المخرج الوانا من الحياة اليومية الصعبة التي يحيا فيها شرائح من اهالي المخيم تحت جحيم صراع الأزمة التي تعصف في سوريا
لا شك ان مشهراوي يقدم بهذا العمل اسلوبية جديدة تمزج بين التجريب والابتكار والدراما والتوثيق، تحمل بصمته الخاصة في التعاطي مع الموضوع الفلسطيني، مستعينا بأدواته البصرية والدرامية، طارحا وكاشفا فيها عن المزيد من أسئلة الألم والمعاناة والتطلعات الانسانية تجاه المستقبل، في نأي عن توسل المتلقي بمناظر الحرب، بقدر ما يحفر في الاحساس الداخلي بجنوح الى بعض من اللحظات الرومانسية والشاعرية التي تلامس دفء العلاقات بين الافراد وجيل الشباب تحديدا