«رجل الجيش السويسري».. جثة تبدأ الكلام

علي زراقط
فلنلعب معاً هذه اللعبة: أطلب من ابنتك التي تبلغ من العمر 8 سنوات أن تقوم بكتابة فيلم عن صديقين يلعبان وحيدين على جزيرة، ويحاولان العودة إلى المنزل. أعطها بعض الوقت، قد تحتاج لأن تعيد اللعبة مرة أو مرتين، إلا أنك بالتأكيد ستحصل على قصّة تشبه الخيال الذي يسكن سيناريو فيلم «رجل الجيش السويسري» (Swiss Army Man) للمخرجين والكاتبين القادمين من عالم الدعايات «الدانيالان» (هكذا يوقعان الفيلم) دانيال كوان، ودانيال شاينرت.
فلنبدأ بالعنوان، كلنا نعرف «سكين الجيش السويسري» وهو سكين متعدد الاستعمالات وممكن الاعتماد عليه للنجاة في أماكن صعبة. الوضع مشابه في الفيلم حيث يجد «هانك»، وهو رجل تائه على جزيرة نائية (بول دانو)، جثة رجل اسمه «ماني» (دانيال رادكليف) على الشاطئ، ثم يكتشف مع الوقت أن هذه الجثة هي بمثابة «رجل متعدد الاستخدامات» كأداة تساعده على النجاة، ركوب الأمواج، إشعال النار، الشرب، إطلاق النار على العدو، كما على تقطيع الخشب.
الحياة من الصفر
ستشاهد في الفيلم رجلاً يركب جثة رجل آخر كـ «جيت سكي»، ثم يستخدمه كسلاح ناري، يحوّله إلى نافورة مياه، وولاعة. هل تريد المزيد من الخيال الطفولي، هنالك المزيد. تبدأ الجثة بالكلام ثم تبدأ بتعلّم الحياة من الصفر، بالتعلّم عن الأغنيات وعن الناس. يقوم هانك بتعليم ماني كل شي: عن الحب من أول نظرة في الباص، وعن الخجل والضعف، كل هذا في نوع من تمثيل أدوار يقوم به الرجل اليائس والجثّة التي تصبح صديقه الوحيد، صداقة تتحول مع الوقت إلى نوع من الحب. لا شك في أن الفيلم غريب جداً بشكل يدفع إلى الدهشة والانبهار في بعض الأحيان، إلا أن الصحيح أيضاً أن هذه الغرابة تبدو مجانية، حيث لا عمق معرفي أو فلسفي أو درامي يدفعها، بل هي غرابة لأجل الغرابة.
يبدأ الفيلم بـ «هانك» يحاول شنق نفسه، إلا أن الحبل ينقطع فيفشل. في هذه اللحظة يظهر جسد على الشاطئ، فيظنه رجلاً حياً. يركض نحوه متأملاً خيراً إلا أنه يعود إلى يأسه عندما يعلم أنها جثة. يعود ليحاول شنق نفسه واصلاً الحبل بحزامه، إلا أن الحبل يفلت للمرة الثانية. في هذه اللحظة يسمع أصواتاً تصدر عن الجثة فيقترب منها ويبدأ اكتشاف المواهب المتعددة التي يمتلكها ماني. مع الوقت يعود ماني إلى وعيه، إلا أنه لا يستطيع أن يحرك نفسه كما أنه لا يعلم أي شيء عن الحياة، فيبدأ هانك بتعليمه كما يعلّم الآباء أبناءهم بواسطة الأغنية، الحركات، التمثيليات، الضحك واللعب. ويستمر الفيلم بهذه الطريقة سلسلة لا متناهية من مواقف اللعب، الذي يبدو هو السبب الأساسي للفيلم، إلا أن حكاية حب تدخل على الخط عندما يرى ماني (الجثة) صورة الفتاة التي يحبّها هانك سراً على تلفونه المحمول، فيقع هو الآخر بالحب، ويتعرّف إلى الرغبة الجنسية مما يشكل له دافعاً ليعود إلى الحياة. تبدو قصة الحب هذه مقحمة، أو أنها ليست أكثر من مبرر لنلعب أكثر، هي ليست أكثر من مبرر ليبني هانك ديكوراً من النفايات، يصنع أزياء، ويبتكر مشاهد يتنكّر فيها بملابس امرأة كي يشرح لماني عن الحب.
غرابة
هكذا يلعب الأطفال: يبتكرون قصة، لا يهمّهم ما هي القصة، المهم أنها تمكّنهم من بناء عالم خيالي من خلاله يتقمّصون شخصيات أخرى، فيبدأون باستخدام أجساد بعضهم كأدوات، يدّعون المرض فيمرضون، يصنعون بأيديهم شكل مسدس فتصبح الأيادي سلاحاً يطلق النار، يطلقون على أنفسهم صفات فيصيرونها. هذه هي التيمة الأصلية في الفيلم، الفيلم يريد أن يلعب، أن يبني الزمن السينمائي على الأسس التي يبني عليها الأطفال حكاياتهم. إلا أن الأطفال لا يدّعون أن حكاياتهم تحمل رسائل اجتماعية، أو أفكاراً فلسفية، وللأسف فإن «رجل الجيش السويسري» يدّعي ذلك، هو بذلك يخون كل تيمة اللعب الناجحة ليقنعنا أنه يروّج لفكرة «التصرّف على السجية»، ثم يضيف إليها علاقة قلقة بين الأب والابن في نهاية الفيلم، مع نصيحة بأن «نستغل اللحظة». حبذا لو بقي الفيلم عند حدود اللعب، فاللعب أعمق بكثير وأهم بكثير من هذه النصائح الفارغة من المعنى، بالإضافة إلى كونها غير موضبة بما يجعلها تدخل في بنية الفيلم. «رجل الجيش السويسري» فيلم شديد الغرابة، من الممكن أن يختلف عليه المشاهدون، ومن الممكن أن يقال عنه إنه سطحي في نظرته إلى الحياة، إلا أننا لا يمكن أن ننكر أنه يحمل قيمة عالية من الخيال، بالإضافة إلى تقنيات مستعارة من فن الفيديو الموسيقي في التوليف والبناء المشهدي.
(السفير)