رسالة مكتوبة بملح خشن.. ل “تغريد دواس”

-تغريد دواس-  خاص

 

أكتب لك لأنني أضعف من البوح وأصغر من أن أقف قبالة وجعي وجهًلا لوجه ، أكتب لك لأنني أحتفظ بالكثير من الكلمات العالقة بين قلبي والورق وبيني وبينك ، لأنني محتاجة أن أكتب ولو أنك لن تقرأني .. هل تعرف أنني فقدت رغبتي بكل الأشياء دفعة واحدة وصرتُ يابسة متحطبة كآخر ورقة بالخريف ولكنني متأكدة من شيء واحد على الأقل، هو مقدار العبث القابع فيّ وهذا الشيء الوحيد الذي سيجعلني أستمر بالكتابة لك..

لقد زرعتك في رئتي، وأتنفسك كل يوم ألف غصّة، وأزفرك ألف خيبة..

أنت أملي وفكرتي الجميلة التي تخطر في بالي عندما أبدأ بالكتابة.. أنت التضاد و التناقض والتعارض والتباين والتضارب .. أنت الشيء الوحيد المشترك بيني وبين الحياة، والشيء الوحيد القادر على جعلي أشعر بأنفاسي كلما تذكرتك..

أجسدّك بكل الأماكن والأشياء، ودائمًا ما تحول بيني وبين الأعاصير التي تعصف بي..

كنتُ أحتاجك وطنًا صغيرًا يكفيني شرَّ اللجوء، وكنتُ أحدث كل الشقراوات في شارعي عنك وأحاول جدلاً أن أقنعهم بأنك أسمر صغير، تلفُّ عنقك بألف شال وتعلق صور الشهداء وأسماء المجازر وأنك تعرف كيف يُمارس الحب بقليل من الدهشة وقليل من الميرغوانا، وكنت أحاول إقناعهم بأنك لست ارهابيًا هاربًا من حرب طبول إنما أنت هناك لأنك كنت تبحث عني، في الحقيقة تستطيع إقناع كل الأشخاص بأيَّة فكرة أو معلومة لكن كيف استطيع اقناعي بأنك مازلت جميلًا لذلك الحد الذي لا اتذكر سواه ؟

إن القلوب الهشة الرديئة لا تقنع ، إن قلبي سيبقى مخالفًا ، معاكسًا كل الأفكار التي أكتبها لك .. لن أحبك مجددًا، أبدًا، مطلق المسألة أنني لا أريد العبث بكمية الخراب الجميل داخلي، هل تدرك معنى أنني أمسح رأسك كل يوم بغبار العمر وابتسم بصفار الليمون لتبقى قابعًا كما أنت بكامل اللهو واللعب والآثام؟

إن امرأة مثلي تعبث بكل الأشياء دون الاكتراث لحجم الفاجعة لا تستطيع أن تجعل من رمادك غبارًا يؤذي العيون..

في طريقي نحو المدرسة صادفت ثنائيًا صغيرًا لا يبلغان نصف عمرنا، تساءلت هل كل العلاقات مصيرها كمصيرنا ؟ كلا، لأنه وببساطة نحن من كتب المصير هذه المرة بينما كان الله جالسًا ينتظر أن يتضرع أحدنا بانكسار لنغير شيء ما، في الوقت الذي كنا فيه منشغلون جدًا ببتر أطراف اللعبة، ومنشغلون أكثر برشّ الملح الخشن على الجروح اللامعة..

طلبتُ من معلم اللغة الإذن للغياب متحججة بأنني فقدت صديقًا جديدًا في الحرب وأخذتُ أكتب لك تحت شجرة جوز وكنتُ أرى في عينيك وقتها كل الخسارات التي لم أخسرها في الحرب لكنك كنت كفيلاً بترك أثرها في نفسي، وكأنك كنت تريدني أن أعتاد كل الندب الفارغ كي لا أصاب بحساسية الفقد ويغطي الالتباس كل ما هو موجود فعلًا أو غير موجود، لدرجة أنني بتُ أتساءل هل مررتَ فعلًا بي؟ أم أنني عجوز صغيرة مصابة بالشيزوفيرنا، أو ربما بمتلازمة الفراق!

صرتُ مهوسة بفهم وتحليل الأشياء وأفهم أنني لستُ مريضة بشيء إلاّك، أنت مرضي، مرضي الأزلي الجميل الذي بصدق لا أريد الشفاء منه، لقد تعبتُ وأنا أعدّ الجثث التي تصادفني وأبحث يوميًا عن كتفك لأدسَّ رأسي فيه كسلحفاة بليدة كثيرة الاختباء، لكنني كنت لا أدسُّ رأسي سوى بمزيد من الدم،

والموت!

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى