رشفة إبداع.. ضمير المثقف.. حين يُختبر

- رشفة إبداع.. ضمير المثقف.. حين يُختبر - 2025-06-11
- مبادرات صيفية - 2024-06-25
- «الجسرة».. وجهة المثقفين - 2024-01-30
مع اقتراب دخول العدوان على غزة، عامه الثاني، فإن الأشقاء في القطاع، ما زالوا يواجهون حملة إبادة بكل ما يعنيه الوصف من معنى، تكاد تكون هي الأبشع في التاريخ الحديث، حينما يتعمد الاحتلال استهداف الإنسان كفكرة ووجود، واجتثاث ذاكرته الجماعية، ومحو ملامحه الوطنية، وطمس هويته الثقافية، وتزييف جذوره التراثية.
ولا تزال حملة الإبادة تكشف يوماً بعد الآخر، تصدع الضمير الإنساني، وانكشاف النخب الثقافية، بعدما أضحت القضية الفلسطينية مسألة إنسانية، تضاف في جوهرها إلى أبعادها المتعددة، ما يجعل المثقف اليوم يقف على محك أمام مسؤولية جديدة، تاريخية في الوقت نفسه، ليصبح أمام سؤال الحق والكرامة، وأنه ليس من ينتج خطاباً تجميلياً أو سياقاً لغوياً حول القضية بمختلف أركانها، بل هو من يقدر على تفكيك بنية ما تتعرض له، وفي القلب منها الإنسان.
وفي هذا السياق، فإن دور المثقف في هذه اللحظة الآنية ينبغي أن يتجاوز دوره التوثيق والتضامن الرمزي، ليصبح دوره كاشفاً لآلة التدمير والقتل، بكل ما تسعى إليه من إبادة للإنسان، وتزييف للحقيقة، ونشر للبهتان، والذي تسعى إليه آلة إعلامية أخرى، تعاضد نظيرتها الحربية، الأمر الذي يجعلنا في لحظة مفصلية، لا حياد فيها، ولا منطقة رمادية يمكن أن تتوسطها، بل إما أن يكون المثقف مع الإنسان، أو مع إبادته!.
وفي ترجمة واضحة، لدور المثقف، وتحرك ضميره، تجاه ما يجري، فقد لمسنا تفاعلاً لافتاً تجاه القضية الفلسطينية في الآونة الأخيرة، من جانب المؤسسات والجهات الثقافية المختلفة في قطر، بتنظيم معارض تشكيلية، وإصدار كتب، وتنظيم فعاليات عدة، تستحضر الذاكرة الفلسطينية، فضلاً عن ذلك الحضور اللافت للمشهد الثقافي في فلسطين، عبر معرض الدوحة الدولي للكتاب، في نسخته المنقضية، وليس هذا بغريب على الثقافة القطرية التي تقف دائماً داعمة ومؤيدة لكل ما هو حق وعدل وإنساني.
اللافت في هذا التفاعل المؤسساتي لدعم الأشقاء في غزة، ذلك التفاعل من جانب المثقفين القطريين أنفسهم ، وتحويله إلى واقع ملموس، على نحو ما صدر عنهم من مؤلفات، ترصد وتوثق حملة الإبادة بلغة ثقافية، من أمثال د. زكية مال الله العيسى، وإعدادها لديوان «نداء الزيتون»، والذي يضم قرابة 22 قصيدة، لدعم فلسطين و4 قصائد لدعم لبنان، فضلاً عن الأكاديمي والروائي د. أحمد عبدالملك، وإصداره لكتاب «عذابات غزة»، وما أعقبه من توظيف ما حمله الكتاب من قصص قصيرة جداً إلى معرض يحمل عنوان «نوافذ من غزة».
مثل هذا التفاعل، يعكس مكامن قوة لغة المثقفين، وأن ضمائرهم الحية، وهى تخوض معركة الوعي، يمكنها أن تعري آلة القتل، فتكشف زيف الحياد، ما يجعلها تتمسك بالعدالة، وليس بوهم التوازن، منعاً للسقوط من نوافذ غزة، والتي تثبت كل يوم أنها عصية على الاختراق، أو السقوط.
t.ali@al-sharq.com
** المصدر: جريدة الشرق”