رقصة الفلامنكو في تفاصيلها البصريّة

فاطمة عاشور
يرصد الفنان الإسباني ديكو كلارادو في معرضه الفوتوغرافي الذي تستضيفه الرباط، جوهر فن الفلامنكو عبر صور لبعض الفنانين المعروفين. ويعد كلارادو من البارعين المتخصصين في هذا المجال، وقد جذبه هذا العالم الموسيقي الفني منذ عام 2009، فسعى الى إبراز مكنونات مبدعيه وأحاسيسهم وتعابيرهم وحركاتهم.
يعكف ديكو على اقتناص أبهى لحظات الاحتفاء والفرح والحزن في هذا النوع من الرقص الذي لا يتمحور حول قصة رومنسية، بل يشكل ملحمة إنسانية، لا تنتهي من دون عنفوان الراقصين الذين يصدعون بالثورة حين يضربون أرجلهم أرضاً ومن ثم يحرّكون أيديهم معلنين عن الحرية والحياة.
ويقول ديكو: «الفلامنكو مثل التصوير الفوتوغرافي الذي اتخذته كطريقتي في الحياة، إنه في مثابة مجموعة من المشاعر التي اجتمعت لدي لسنوات، وهذه هي المرة الأولى التي تقدم أعمالي في المغرب، البلد الشقيق، الذي لديه تأثير في الفلامنكو أيضاً، حيث الشمال المغربي والجنوب الإسباني يتشابهان كثيراً في الثقافة والهندسة المعمارية للمدن. لقد كانت تجربة رائعة، أن يتنقل معرضي بين مدن مغربية من بينها فاس وتطوان والرباط، وأن يلقى الاهتمام من الشغوفين والمهتمين».
ويسعى ديكو من خلال المعرض الفوتوغرافي، إلى «توثيق كل تفاصيل هذا الفن من الغناء الى العزف على الغيتار والرقص»، بقوله: «المعرض يهتم بالتفاصيل بصرياً». ويوضح الفوتوغرافي الإسباني الذي يملك أكثر من 30 ألف صورة لفن الفلامنكو، أن التصوير في مثابة رسالة فنية راقية من زوايا وأشكال تعبير مختلفة لا تعرف حدوداً، وهي وسيلة تعايش بين الشعوب، مضيفاً أنه ليست لديه مشكلة في الألوان ولكنه يميل الى اللونين الأسود والأبيض في التوثيق لأنه يتماشى مع هذه الموسيقى.
ويتكون الفلامنكو، وفق قوله، من ثلاثة عناصر هي الغناء (canta) والرقص (baile) وعزف الغيتار (guitarra) أو القيثارة، إضافة إلى جماعة البالمس (palmas) للتصفيق اليدوي.
والغناء، في رأيه، أهم مكونات الفلامنكو ويتميز بالنغمات الحزينة المأسوية والصرخات التى تشبة العويل والتى ينبغي على الراقص أن يبذل قصارى جهده في تحريك أطرافه لترجمة الكلمات والمشاعر والمعاني التى يعبر عنها المغني.
ويترجم الغناء عناء الغجر والفقراء ومكابداتهم، وهذا ما جعله يتلون بحزن يميزه، فالغناء العميق يجسد المحن والتمزق والمكابدات التي يشعر بها الغجر، والكلمات الدالة على الحزن في المعجم الفلامنكي كثيرة مقابل قلة عبارات الفرح، وتعبير وجه المغني وحركات يديه تترجم بقوة العناء والمكابدة اللذين يتغنى بهما كثيراً.
ويعتبر أداء الفنان كامارون دي ايسلا خير مثل على ذلك، فيما يوضح أن القيثارة هي المكون الثاني، ففي بداية الفلامنكو كان المغني هو أساس العرض الفني، ومع مرور الزمن فرضت القيثارة نفسها من خلال موهبة العازفين وبراعتهم، الذين أدخلوا على فنون الفلامنكو الكثير من التقنيات الموسيقية المتميزة.
ويؤدي العازف دوراً مهما في توثيق التواصل بين المغني والراقص وتحقيق الانسجام والتناغم، ليأتي الرقص، وهو المكون الثالث الذي يجسد المشاعر والعواطف التي تعبر عنها الأغنية بالحركات والخطوات، وهو المتحكم في سرعة إيقاع الأغنية من خلال سرعة وحركة القدمين والجسم كله، وهو مصدر مهم لموسيقى إضافية ناشئة عن حركة المغني وعازف الغيتار في سعيهما الى اقتفاء خطوات إيقاعاته وحركاته. لذلك يشترط في الراقصة أن تكون موسيقية بارعة إلى جانب لياقتها البدنية التى تمكنها من إتقان الحركات وضرب الأرض بقدميها برشاقة وقوة معبرتين وسرعة خاطفة ومضبوطة وذات دلالة محددة، فيما تحرك يديها وأصابعها وجسدها بليونة وانسيابية متناهية.
ويضيف المصوّر الإسباني أن المصفقين يشكلون عنصراً مهماً في هذا الفن، فالتصفيق الملازم للفلامنكو آلية إيقاعية مرافقة معقدة وذات أهمية قصوى، وله قوانين دقيقة يجب الالتزام بها، فهو تعبير إيقاعي للكلمات والنوتات والمشاعر. ووظيفة المصفقين تحفيز الراقص وتقديم الدعم له بتحديد النغم وضبطه عبر تصفيقات متتابعة ومتسارعة.
ويمكن أن يؤدي رقصات الفلامنكو شخص بمفرده أو فرقة كبيرة العدد، والراقصون المهرة ينفعلون بروح حماسية وينقلون حماستهم وانفعالاتهم للمشاهدين. وتساهم الأزياء المتنوعة الألوان والضجيج العالي في إضافة كثير من الإثارة إلى تكتيك الأداء الحركي.
(الحياة)